سنة العراق والجهات الأربع
29 ربيع الثاني 1425

بعد مرور أربعة عشر شهراً على الاحتلال الأمريكي للعراق ، لا يزال أهل السنة يعانون من تأثير الصدمة التي أفقدتهم اتزانهم أو عدم اتزانهم الذي ظل ثابتاً لعقود تحت حكم صدام حسين الذي كان يمثل محور التقاء جبري لمختلف القوى السنية، وذلك في مقابل الشيعة الذين تعددت ارتباطاتهم وولاءاتهم لأطراف عديدة خارجية شتتهم وفرقتهم ، ولكنها اتفقت على ضمان حقوقهم ونفوذهم في مواجهة السنة ..<BR><BR>ورغم أن أصواتاً كثيرة طالبت سنة العرق منذ بداية الاحتلال الأمريكي قبل أكثر من عام بأن يفرزوا قيادات صالحة يتجمعون حولها حتى لا تتشت قواهم وتتبعثر مصالحهم ، فإن النتيجة ليست مشجعة إلى الآن وإن كانت قوى عديدة برزت للعيان في الآونة الأخيرة ، والسبب أن القوى السنية التي يتجمع حولها أهل السنة تبدو متنافرة ذات رؤى متعارضة ، وهي بالتحديد أربعة : تنظيمات وفصائل المقاومة ، هيئة علماء المسلمين ، الحزب الإسلامي ، البعثيون الجدد ، فهذه القوى الأربعة بالكاد يجمع بينها بعض المواقف العملية وليس النظرية ، وتختلف أهدافهم وتتعارض طموحاتهم، ويعلم الله إلى مدى يمكن أن تتطور العلاقة بينهم في ظل تغير الظروف العراقية ..<BR><BR>فالمقاومة نفسها ليس لها منهجية واضحة أو أطراف معلومة ، بل هي ممارسة يومية تؤديها أطراف كثيرة لا يبدو أنها تهتم بالمسار السياسي ، ورغم دورها الكبير الذي تقوم به ، فإن الغموض الذي يصاحبهم له تأثير كبير على المدى الطويل قد لا يكون إيجابياً على الدوام ، وأبرز تجمعات المقاومة ما يطلق عليه المقاومة الإسلامية الوطنية، وهي عبارة عن تجمعات أخرى متعددة ، ثم المتطوعين من خارج العراق ، والعلاقة بين هذه التجمعات ليست جيدة دائماً ، فالأهداف تختلف ومنهجية العمل تتفاوت ، ولا تبدو جميع عمليات المقاومة محكومة بالشرع أو المصلحة العامة ، وإن كانت في مجملها تؤدي دوراً رئيساً في إفشال مخططات الاحتلال محلياً وإقليمياً ..<BR><BR>وهيئة العلماء رغم تبوؤها لمكانة سامقة في وقت محدود فإن إمكانات العمل المتاحة أمامها لا تبدو مشجعة بعد عام تقريباً على ظهورها ، فلم يظهر لها دور سياسي طموح أو مطالب محددة أو جهود تدفع في اتجاه تسنم قيادة أهل السنة في العراق ، كما تستغرقها جهود لم الشمل وجمع المتناثر من القوى و الشخصيات الإسلامية .. نعم قد يبدو أن لهم قبولاً مرتفعاً حتى لدى كثير من فصائل المقاومة، ويشهد على ذلك نجاحهم في إطلاق عدد كبير من المختطفين ، ولكن المطلوب في هذه المدة العصيبة دور أكثر أهمية وأشد تأثيراً ، المطلوب التأهل لقيادة أمة عراقية عريقة مزقها صدام على مر السنين ويفتت الاحتلال قواها كل يوم ..<BR><BR>وأما الحزب الإسلامي فقد خلط بين ظرفي الاستقلال والاحتلال، فاستخدم رؤية للعمل الإسلامي في الظرف الثاني لا تصلح إلا في الظرف الأول ومع التحفظ ، وهذا المسلك جعل مستوى تأييد الرأي العام له يتقلص حتى داخل جماعة الإخوان المسلمين العراقية التي يمثلها ، أو المفترض أنه كان يمثلها ، ولا يزال مسار الحزب متردداً واجتهادات قياداته لا تبدو متناسقة حتى الآن خاصة مع الضغوط التي تبذل لعزل تيار محسن عبد الحميد وتحميله عبء المشاركة في مؤسسات الاحتلال السياسية ، وهذه الخلافات الداخلية في جماعة واحدة تلقي بظلال من الشك حول إمكانية التوافق والتعاون بين جماعات وتيارات عدة ، ولا تزال العقلية التي تحكم أداء كثير من الإسلاميين أن تعدد الآراء لابد أن يقابله ويماثله تعدد في الرايات ..<BR><BR>والبعثيون الجدد هم أسوأ ما في الأمر ، فهم صنيعة الاستعمار ويستحقون لقب : العملاء الجدد ، وقد أعادهم الأمريكيون من حيث تشردوا أو سُجنوا لاكتشافهم أنهم أصلح من يقود العراق في المرحلة المقبلة ، وقد بدأ بالفعل توزيعهم في مختلف المناصب والمراكز ، وظهر من بينهم رموز وقيادات تبدو مرشحة لمناصب مرموقة مستقبلاً ، والخطير أنهم يمارسون خطاباً مزدوجاً، فهم يؤدون خدمة قيمة للاحتلال بينما يظهرون للجماهير رفضهم لوجوده وتمسكهم بصورة العراق القديم زمن صدام ، وهذا الخطاب له قدرة على خداع الكثيرين من بسطاء أهل السنة ويُصعب المهمة أمام القوى الإسلامية ..<BR><BR>والآن تبدو الصورة كما يلي : أهل السنة بمجمل تياراتهم ممزقون ، ليس لهم توجه محدد وثابت باتجاه أي طرف ، فلا هم مع المقاومة تماماً أو دائماً ، ولا هم مع مشاركة سياسية جزئية أو كلية أو محظورة ، ولا هم متفقون على قيادة العلماء ولا العلماء متفقون على أسلوب العمل والقيادة ، كما لا تسمح ذاكرتهم بتجربة بعثية أخرى بينما لا يزال بعضهم يهتف بحياة صدام ، ومع اقتراب تنفيذ تعداد سكاني عام في أكتوبر القادم فإن أموراً خطيرة سوف تترسخ في هذا البلد ، فالتعداد مجرد تمهيد للانتخابات التي يصنع الأمريكيون لها رموزها منذ الآن ، وعجيل الياور لا يكف عن الابتسام استعداداً ليوم مشهود ..<BR><BR> وإذا كانت الأوضاع حالياً أقرب ما تكون إلى السيولة ، بمعنى أن إعادة تشكيلها ممكنة لمن يقدر أو يريد ، فإنه بعد التعداد السكاني والانتخابات القادمة سوف يتجمد العراق على أوضاع لا نحسب أنها ستكون مواتية لأهل السنة وفق ما نراه حالياً ، وما سيتقرر قبل ذلك سيكون من الصعوبة البالغة تغييره من بعد ، فالتاريخ يُصنع الآن في العراق ، والمطلوب من الإسلاميين قبل غيرهم أن يصنعوا هم تاريخهم بتجاوز خلافاتهم ، تلك الخلافات التي ستنظر إليها الأجيال القادمة على أنها دم البرغوث الذي ألهى عن دماء طاهرة سالت وتسيل جيلاً في إثر جيل .. فهلا اتعظ الإسلاميون في العراق وبادروا قبل أن تفوتهم الفرصة ؟ <BR><BR><br>