البعث المتأمرك يعود لحكم العراق !
18 ربيع الثاني 1425

من عجائب قيادة الاحتلال الأمريكي في العراق أنها ندمت أشد الندم على قراراها الذي اتخذته في زخم الاحتفال بإسقاط حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين بحل حزب البعث وحل الجيش العراقي، بعدما تبين لها أن هؤلاء انخرطوا في أعمال المقاومة والقتال ضد قواتهم ، فبدأت - مع فشلها في وأد المقاومة - السعي لخطب ود بعض المسؤولين البعثيين السابقين، وتوليتهم أهم المناصب .<BR><BR>ومن بجاحة الاحتلال أنه سعى لانتقاء هؤلاء البعثيين السابقين أو أنصار الأحزاب الكردستانية أو الشيعية ممن لهم تعاملات سابقة مع المخابرات الأمريكية على خلفية السعي لهدم حكم الرئيس السابق صدام حسين ، ليكونوا هم قادة العراق في المستقبل، وضمان ولائهم، وعدم مطالبتهم بإنهاء الاحتلال أو وقف سيطرته على نفط العراق الذي جاؤوا خصيصاً من أجله .<BR>ولهذا كان من الطبيعي أن تضم الحكومة العراقية الجديدة وأعضاء المجلس الرئاسي (الرئيس ونائبيه) شخصيات من هذا الطراز مضمونة التوجه والولاء للمصالح الأمريكية وصاحبة السجلات في (سي. آي .إيه) ، كي يسهل قيادهم وترتيبهم أمور البلاد بما يضمن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها على الأقل لحين إجراء انتخابات عامة في عام 2005 م.<BR><BR>فرئيس الوزراء العراقي إياد علاوي كانت له صلات قديمة ومعروفة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهو شيعي علماني ثري وعضو سابق في حزب البعث انقلب على النظام وسافر إلى خارج البلاد ليقيم في المنفي ويصبح معارضاً ، وقد انتقل قبل سقوط النظام العراقي السابق إلى الأردن للعمل من قريب، وكان من أوائل من اختارهم الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمر ليكون عضواً في مجلس الحكم المعين من قبل الولايات المتحدة .<BR><BR>والصراع الذي دار بين المرشحين على منصب الرئيس العراقي المؤقت ( الباجه جي وغازي الياور) فضح علاقة كلاً منهما بالأمريكان ، ورغبة واشنطن – التي تجاهلت دور الأمم المتحدة ومبعوثها الإبراهيمي- في تعيين أكثرهما ولاء لها حتى قيل: إن الباجه جي رفض منصب الرئيس بعدما أصبح يقال على نطاق واسع في العراق ومجلس الحكم أنه "رجل أمريكا المرشح"، مما تسبب في حرج له فرفض المنصب !<BR>ولهذا قال غالب الركابي (الأمين العام لتجمع عشائر العراق الديمقراطي): إن اختيار الياور رئيساً للعراق على حساب (عدنان) الباجه جي مع ميل سلطة الاحتلال للباجه جي هو (مسرحية أمريكية) ، باعتبار أن الرفض الأمريكي للياور قد هيأ له قبولاً لدى الشعب العراقي، ثم وافقوا عليه لاحقًاً كي يبدأ يتبلور وطنيًّا". وقال: "هذه المسرحية هي تتمة واستمرار لمهزلة مجلس الحكم، ونحن نطالب بأن يكون الاختيار للعراقيين" .<BR>والرئيس الجديد غازي الياور ينتمي بدوره إلى عشيرة كان العديد من أعضائها في حزب البعث العراقي الحاكم سابقاً ، ولكنها كانت قبيلة متعددة الأفخاذ ومشهورة بانتشارها في كل أنحاء العراق، ولها تاريخ في محاربة الحكم العراقي ، حيث قاد الشيخ محسن عادل الياور (زعيم عشيرة شمر النافذة، وجد الرئيس الحالي ) عشائر شمر في العراق للمشاركة في حركة العقيد عبد الوهاب الشواف العسكرية التي اندلعت في الموصل (370 كيلومتراً شمال غرب بغداد) ضد نظام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم عام 1959م، وبعد فشلها هرب إلى سوريا القريبة، ومنها إلى الأردن التي عاش فيها حتى سقوط قاسم عام 1963 م حين عاد إلى الموصل وبقي فيها حتى وفاته في نهاية الستينات .<BR>وإذا كان الأمريكان قد سعوا في هذه المرحلة لاستبعاد قادة الأحزاب الكردية في الشمال؛ لأن رائحة عمالتهم للمخابرات الأمريكية تزكم الأنفاس ومعروفة ولا تخفي على أحد ، فقد لوحظ أنه تم الحرص على تعيين نائب للرئيس العراقي الجديد (غازي الياور) من الأكراد يشغل رئيس البرلمان الكردي ، وآخر شيعي رئيس حزب الدعوة الإسلامي .<BR><BR>والرئيس العراقي الجديد الياور (46 عاماً) مهندس مدني ومن عائلة سنية مشهورة في العراق والدول الخليجية، وسبق لوالده أن شغل مناصب في البرلمان زمن مدة الملكية في العراق، وينتمي إلى قبيلة شمر إحدى أكبر العشائر العراقية، كما تربطه علاقات قوية بالأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، ويدير شركة كبيرة مقرها الرياض. <BR><BR>وتخرج مهندساً من جامعة البترول والمعادن في المملكة العربية السعودية، ثم أكمل دراسته في جامعة جورج تاون الأميركية، وحصل على شهادة الماجستير في الهندسة، ثم عاد إلى المملكة ليؤسس شركة كبيرة للاتصالات .<BR><BR>والخطورة هنا أن هذا التشكيل الحكومي – رغم أنه قد يرضي الأطياف الدينية والعرقية العراقية – يكرس ما يسعى الاحتلال لتكريسه في العراق منذ قدومه وهو التقسيم الطائفي والعراقي وبث الفرقة بين العراقيين ليظل له قدم في العراق بزعم حماية استقرار البلاد، واستمرار العنف، وعدم قدرة العراقيين على حكم أنفسهم بأنفسهم !<BR><BR>أيضاً كان من الواضح أن الأمريكان قلبوا الطاولة على (مبعوث الأمم المتحدة للعراق) الأخضر الإبراهيمي، وهدموا كل ترتيباته لاختيار رئيس عراقي بحرية، فالإبراهيمي قال بوضوح: إن هناك فكرة تتعلق باختيار مجلس الأمن أو الأمم المتحدة للإبراهيمي ليقطع الطريق على الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر ومجلس الحكم، الذي يأتمر بأمره في اختيار الرئيس الجديد كما فعلوا مع اختيار رئيس الوزراء ، ولهذا تحركوا بسرعة لاختيار أحد الموالين لهم رئيساً سادساً للعراق منذ استقلاله .<BR>وقد اضطرت الأمم المتحدة لابتلاع الإهانة الأمريكية – كالمعتاد - وأعلن فريد ايكهارت (المتحدث باسم كوفي عنان) أن الإبراهيمي يحترم اختيار مجلس الحكم علاوي للمنصب، واختيار الياور لمنصب الرئيس ، وإن كان رفض القول ما إذا كان الإبراهيمي يتبنى أو يرحب بعملية التعيين وأقر بأن إعلان المجلس عن اختياره "لم يكن جزءاً من خطة الأمم المتحدة" !!<BR>ولهذا كان من الطبيعي أن تؤكد قوى سنية وشيعية أنها غير معنية بمن عينهم الاحتلال ولم يأتوا بانتخابات عراقية حرة ، وكان ما قاله الدكتور حارث سليمان الضاري (الأمين العام لهيئة العلماء المسلمين في العراق) هاماً في هذا الصدد أن وجه الضاري انتقادات شديدة للحكومة العراقية الانتقالية، ووصفها بدروه بأنها "مسرحية من إنتاج أمريكي". <BR><BR>أيضاً حذر الضاري من أن "التقسيم الطائفي في هذه الحكومة واضح، وأن أغلب أعضائها غير معروفين، وهذا خلاف ما جرى الإعلان عنه بأن الحكومة ستكون حكومة كفاءات". <BR>ويبدو أن هذه سياسة استعمارية متجددة بتعيين موالين للاحتلال يحفظون له احتلاله ونهبه لثروات بلادهم .<BR><br>