فلسطين بين نكبة 1948 ونكبة 2004
27 ربيع الأول 1425

مرت يوم 15/5/2004م ذكرى مرور ست وخمسين سنة على نكبة الشعب الفلسطيني التي حصلت يوم 15/5/1948م، والتي تمثلت باحتلال أرض فلسطين وبناء دولتهم عليها بمشاركة العصابات الصهيونية المدعومة من بريطانيا وبمباركة من أمريكا وروسيا .<BR><BR>يومها تشرد الشعب الفلسطيني إلى المهجر والشتات في الأردن وسوريا ولبنان ومصر ، ومنهم من سافر إلى بلاد أجنبية؛ لأنه فقد بيته وأرضه وقتل الصهاينة أسرته ، بحيث لم يبق في أرض الوطن سوى 150 ألفاً من العرب الفلسطينيين من أصل مليون وربع فلسطيني تقريباً ، لتخلف النكبة وراءها حوالي 900 ألف لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية .<BR><BR>كان عدد اليهود عند الاحتلال البريطاني 56 ألفاً، أي 9% من مجموع السكان الفلسطينيين ، وكان غالبيتهم من رعايا الدول الأجنبية، وما إن انتهى الانتداب البريطاني عام 1948م ، وبدأت النكبة التي هزمت فيها الجيوش العربية، وأُعلن فيها قيام الدولة الصهيونية ، حتى أصبح عددهم 605 آلاف يهودي، نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا رغم معارضة الأهالي ومقاومتهم وثوراتهم، وأهمها ثورة 1936م، بحيث أصبح اليهود يمثلون 30% من سكان فلسطين في ذلك الحين .<BR><BR>ومع أن الصهاينة لم يكونون يسيطرون في بداية حرب 1948م سوى على 6% من أرض فلسطين، فقد نجحوا في احتلال 78% من أرض فلسطين - أي بزيادة 24% من مشروع التقسيم الدولي – مع انتهاء الحرب والهدنة !! <BR><BR>والغريب أن نكبة 48 تكررت بعد ذلك عدة مرات خاصة عام 1967م عندما تمدد الصهاينة أكثر واحتلوا أرض سيناء المصرية والجولان السوري ومساحات من الأردن ولبنان ، ورغم ذلك استمر الانقسام العربي والخلافات والصراعات بين ملوك ورؤساء الطوائف العرب ولم يتعلم أحد الدرس أبداً ، وزادهم انقساماً وفرقة التدخلات الأجنبية لبث الفرقة بينهم والمؤامرات الصهيونية المتتالية .<BR><BR>ما الفارق بين نكبة 48 ونكبة 2004م عندما أعطي من لا يملك من لا يستحق ؟ وما الذي تغير سوى أن الدولة الصهيونية قويت وتطورت حتى استعصت – بالسلاح النووي وغيرها – على القوة العربية ، بل وأصبحت قوة تكنولوجية وصناعية وعسكرية يحسب لها ألف حساب وتتقرب منها دول الشرق والغرب !<BR>وبالمقابل ما الذي تغير في العالم العربي؟ من الحكام الذين ظلوا بنفس أفكارهم حتى ماتوا، ومن دعاة الإصلاح والتقدم الذين القوا في غياهب السجون سنوات طويلة ، ومن الجيوش التي جبلت على طاعة الحكام قبل شعوبها فلم تستطع الوقوف في وجه الغزاة – كما حدث في العراق – ولم يكن لها هدف سام تحارب من أجله ؟!<BR>لقد أعطى من لا يملك (بلفور عام 1917م ) من لا يستحق (الصهاينة) نصف أرض فلسطيني تقريباً ، وعاد الرئيس الأمريكي بوش هذا العام 2004م ليعطي الصهاينة وعداً آخر أشبه بالنكبة الثانية على الفلسطينيين يسمح للصهاينة بسرقة قرابة ربع الضفة الغربية رسمياً وسط صمت عربي لا يختلف عن صمتهم الأول عندما تنقل الصهاينة بين الأراضي العربية يقتطعون لأنفسهم من كل بلدة قطعاً مختارة من الأرض .<BR>مرة ثانية ، وبعد مرور 87 عاماً على "وعد بلفور" المشؤوم ، جاءنا "وعد بوش" ليغطي على سرقة ما تبقى من أرض فلسطين ويعطي شارون الحق ليس في ابتلاع أراض معترف دولياً بأنها "محتلة" بما في ذلك الأمريكان ، ولكن يعطيه أيضاً الحق في طرد من تبقى من فلسطينيي 48 - الذين طالتهم النكبة الأولي - من أراضيهم حفاظاً على "الدولة اليهودية" الخالصة .<BR>الفارق الوحيد بين النكبتين<BR>والفارق الوحيد بين النكبتين أن فلسطيني الداخل الذين يقع على عاتقهم تحرير أرضهم من الرجس الصهيوني لم يتحركوا في النكبة الأولي بقدر كبير، واعتمدوا على الجيوش العربية التي هبت لضرب الدولة الصهيونية، وإلقائها في البحر كما قيل وقتها ، ولم يفطنوا إلى أن هذا التدخل العربي الرسمي كان صورياً، ولم يكن لوجه الله، ولكن كان لحاجة في نفس ملوك الدول العربية التي تدخلت .<BR><BR>أما نكبة 2004م الحالية فتتميز بأن الجيل الفلسطيني الجديد فطن إلى أنه يقع على كاهله هو وليس الحكومات العربية المتخاذلة الأخرى عبء الجهاد وتحرير الأرض بعدما تبين له أن 56 عاماً مضت لم تجلب له سوى مزيد من الفشل العربي ، والصمت والتخاذل عن مواجهة الصهاينة وتركيز كل دولة على استعادة ما جرى احتلاله من أراضيها كأولوية أولى .<BR><BR>الفارق الوحيد بالتالي أن الأجيال الفلسطينية الحالية أكثر فهماً وقدرة على المواجهة وقراءة الواقع العربي والدولي وظروف الدولة الصهيونية ، وتدرك أن مرور كل هذه الأعوام سهل ابتلاع الصهاينة لقرابة 80% من أرض فلسطين وتهويدها، بحيث أصبحت مسألة تحريرها بالوسائل الدبلوماسية نوعاً من العبث أو الرياضة الذهنية غير المجدية ، وأن أساليب الجهاد والاستشهاد هي السلاح الوحيد القادر على إقناع الصهاينة بالتخلي عن الأرض تدريجياً كما احتلها تدريجياً . <BR>لقد فشلت مفاوضات اوسلو وطابا وكامب ديفيد وشرم الشيخ في إقناع الصهاينة بالتسليم بالحق الفلسطيني ، ولكن نجحت العمليات الاستشهادية لجيل النصر الفلسطيني في إقناعهم بالتخلي كرهاً عن أراضٍ في غزة وفي الضفة، وباتوا أكثر قناعة بأهمية تحديد حدود الدولة الصهيونية وعدم تركها هكذا لظروف الغزو والنهب ، ورغم خطورة الجدار الفاصل فهو يؤكد على بوادر تراجع صهيوني تحت وطأة المقاومة الفلسطينية لحد القبول بتخطيط شبه رسمي للحدود بدون انتظار لمفاوضات مع الفلسطينيين . <BR><BR>لقد خسر الفلسطينيون والعرب في النكبة الأولى ثلاثة أرباع أرض فلسطين الكبرى ، وخسروا في 1967م بقية أرضي فلسطين وأراضٍ عربية أخرى ، ولكن عدم الاعتراف الدولي بما سرقه واحتله الصهاينة عام 1967م حال دون اعتبار ما حدث نكبة، على أمل أن أي تسوية أو حروب مستقبلية قد تعيد التوازن ، ولكن جاءت التعهدات الأمريكية الأخيرة لرئيس الوزراء الصهيوني شارون لترسخ رسمياً وتعطي نوعاً من الشرعية للاحتلال الصهيوني لما تبقى من أرض فلسطين .<BR><BR>فلسطين في القلب <BR>لقد سعى أبناء فلسطين المحتلة عام 1948م سنوياً للقيام بمسيرات إلى الأرض التي أُخرجوا منها ليذكروا أنفسهم وأبناءهم بما جرى اغتصابه ، ولا تزال كل عام تُنظم مسيرات لأبناء فلسطين في الشتات في لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة عام 1948م لمن تبقى من أبناء فلسطين واضطروا لحمل الجنسية الصهيونية ، ولا شك أن هذه المسيرات الحاشدة رسالة بأن فلسطين لا تزال في القلب ، وأنه إذا نجح الاحتلال الصهيوني في إخراج العديد من الفلسطينيين من فلسطين، فهو لم ينجح في أن يخرج فلسطين من قلوب الفلسطينيين جيلاً إثر جيل ، بل من ضمائرهم وعقولهم وذاكرتهم .<BR><BR>فرغم 56 عاماً لا زال فلسطينيو 48 يحتفلون بأرضهم ولا يتعرفون بالاحتلال الصهيوني ، ويناضلون ضده حتى اضطر الصهاينة لقمعهم بوسائل شتي وتلفيق التهم ضدهم وطرد قادتهم من الكنيست؛ لأنهم عرب وسجن قيادات الحركة الإسلامية؛ لأنها تلعب دوراً في الحفاظ على هوية الشعب والأرض الفلسطينية .<BR>ورغم 37 عاماً من الاحتلال لا يزال أهالي الضفة وغزة يقاومون الهيمنة والقوة الصهيونية، ويضطرون الصهاينة للبحث عن أشلاء جنودهم بين مخيمات اللاجئين ، ولم تنجح مؤامرات الولايات المتحدة وريثة العرش البريطاني في إخضاعهم .<BR>باختصار لم يتبق من نكبتي 67 و2004م سوى المقاومة، فهي وحدها القادرة على استعادة العزة والكرامة والأرض .<BR><BR><br>