الإصلاح بمنطق الغابة
11 محرم 1425

هناك مقولة شائعة، وهي أن "التاريخ يصنعه الأقوياء"، وهي مقولة صحيحة إلى حد كبير. <BR>ولذلك فإن من يقلب أوراق التاريخ يجد أن القوي هو الذي يفرض شروطه باستمرار، دون أدنى مراعاة لأي طرف آخر. <BR>وباستثناء المدة التي سادت فيها الحضارة الإسلامية، كانت الفترات التاريخية رهناً لمنطق القوة والضعف بكل ما تعنيه الكلمة، فالقوي يفرض شروط الغابة ويقرر كل شيء يتعلق بمصير الطرف الآخر الضعيف. <BR><BR>في هذا السياق نتطرق لمصطلح "الإصلاح" السائد حالياً، والذي يدور حوله لغط كبير.<BR> أمريكا أطلقت المفهوم ورفضه العرب، وبدؤوا يفرقون بين مفهومين "الإصلاح القادم من الخارج" و"الإصلاح النابع من الداخل". <BR>لم تقف الأنظمة العربية عند معنى الإصلاح، وأجمعوا على ضرورة الإصلاح ، أي أنهم لم ينكروا الحاجة للإصلاح وأقروا ضمناً بأنهم فاسدون، لكنهم مع ذلك قالوا: إن الإصلاح يجب أن ينبع من الداخل ولا يفرض من الخارج". <BR><BR>هذه الإشكالية تكررت من قبل في تحديد مصطلح الإرهاب، فقد أطلقته أمريكا وفق مفهومها هي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، والذي تجسد معناه في أي عمل ضد أمريكا وحلفائها أياً كان العمل أو مبرراته. في البداية رفض العرب بل والعالم أجمع المفهوم الأمريكي، لكن العرب رغم رفضهم سرعان ما بدؤوا استخدام مفهوم الإرهاب بنفس المعنى والمغزى الذي تريده أمريكا حتى وإن كان يخالف قناعاتهم. <BR><BR>ونحن الآن بصدد تكرار التجربة، ولكن هذه المرة لم يقف العرب عند تحديد مفهوم الإصلاح، والذي يعني من أول وهلة اتهاما بالفساد، فالإصلاح يقتضي وجود شيء فاسد خرب يتطلب الإصلاح. <BR>ومع مرارة هذا المعنى وفداحة الاتهام إلا أن العرب لم يرفضوا التهمة بل قبلوا بها ووضعوا أنفسهم محل اتهام، وتجاوزوا ذلك إلى بحث قضية أن يكون الإصلاح المذكور من الداخل وليس من الخارج. <BR>إن هذا الموقف الخطير يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك حالة الانبطاح التي تعيشها الأنظمة العربية أمام الغازي المستعمر الذي يحمل مدفعه في يد وفكره الفاسد في اليد الأخرى.<BR> <BR>وفي ظل هذا المشهد المؤسف، تبقى الشعوب العربية والفعاليات الحقيقية مهمشة لا دور لها، وصار التفاوض بين الأنظمة والغازي، ولم تفكر هذه الأنظمة في طرح مفهوم الإصلاح سواء كان بالمعنى الأمريكي أو بالمعنى "الداخلي الاضطراري" على شعوبها لإبداء الرأي حوله، وبدأت هذه الأنظمة تتحدث عن الإصلاح وحتميته واستعدادها لبحثه مع الطرف الأمريكي. <BR>من جانبها شرعت الإدارة الأمريكية بالإعداد لخطوات على طريق تفعيل أجندة الإصلاح للجسد العربي العليل، وستشمل هذه الأجندة "إصلاحات" سياسية وتعليمية واقتصادية واجتماعية في المنطقة‏، وفي هذا الصدد سيقوم مبعوث أمريكي بجولة في المنطقة العربية لبحث سبل إصلاح العملية التعليمية في دول المنطقة كمقدمة للإصلاح.<BR><BR>الشيء المؤكد في كل ما يحدث هو أن الشعوب العربية المعنية أساساً بما يسمى الإصلاح، والتي سيجري عليها الإصلاح، لا تفهم معناه حتى الآن، وقد لا تعلم عنه شيئاً عندما يتم، اللهم إلا أن جرعة التخلف والقهر ستزداد حتى تغرق الكل دون استثناء ، ولنا في العراق خير نموذج لما آل إليه الوضع هناك.<BR><br>