الديكتاتور الديمقراطي والحجاب في فرنسا!
6 ذو الحجه 1424
إبراهيم الأزرق

جاء في بعض تقارير منظمات حقوق الإنسان عن السعودية ما نصه -خلا التعجب فمني- : "تواجه النساء اللواتي يخالفن نظام اللباس الصارم الاعتقال أيضاً. ففي العام 1993م، استقلَّت مارغريت ماديل، وهي ممرضة كندية تعمل في المملكة العربية السعودية، سيارة أجرة مع صديقة لها بعد القيام بجولة تسوُّق في الرياض، وفجأة قفز أحد المطوعين (!) إلى داخل السيارة، وأجبر السائق على الذهاب إلى مقرِّ قيادة المطوعين، وعندما وصلوا هناك، احتُجزت المرأتان في سيارة الأجرة (!) مدة تصل إلى ست ساعات (!) في درجة حرارة قصوى (!) فصرختا طلباً للنجدة (!) لكنهما تعرَّضتا للضرب (!) واتُّهمتا بارتداء ملابس غير محتشمة (!) والسكر علناً (!) ونُقلتا إلى سجن الملز، حيث احتُجزتا مدة يومين، قبل أن يُطلق سراحهما (!!!) من دون توجيه تهمة إليهما(!)".<BR> هكذا زعم، وكأنه يعرض مقطعاً من فيلم بوليسي أعده مخرج أمريكي! </br>وعلى كل حال اللامعقول في هذا التقرير كثير فلا عجب، ولك أن تتأمل التعجبات المرقومة أعلاه وكفى! </br>غير أني لا أظن أن كاتب التقرير يجهل أن هناك أعرافاً وقوانين تحكم لباس المرأة في السعودية، وتحرم تعاطي المسكرات، بل لعله يعلم أن التزام السعودية الدولي في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والذي وقعت عليها عام 2000م يتضمن فقرة أساسية تنص على أنه: "في حالة وجود تعارض بين أي بند من بنود الاتفاقية وقوانين الشريعة الإسلامية، فإن المملكة لن تلتزم بأي حال من الأحوال ببنود الاتفاقية المخالفة للشريعة".<BR>ومع ذلك من يقرأ في تقارير هؤلاء يرى إصرار شرذمة قليلة من العلمانيين على فرض رُآهم على أغلبية المسلمين المحافظين، مستعينين في ذلك بأوليائهم من الخارج كوسطاء للضغط، وهنا تتجلى الديكتاتورية باسم الديمقراطية في إحدى صورها البشعة.<BR>وتحامل هؤلاء واضح لكل من جعل الله له عينين يشاهد بهما الواقع مع عقل يفكر به فيما يقرأ، وليس هو ما أردت الحديث عنه هنا، فلا أقف معه أكثر من ذلك، ولكن مرادي أن أنتقل منه إلى أنه يلزم من إقرار الغربيين الذين أيدوا القرار الفرنسي بمنع الحجاب ولم يستنكروه بل شجعه بعضهم، يلزمهم الإقرار بأحقية اتخاذ المسلمين قرارات شبيهة يُلزمهم بها التشريع الإسلامي، وإنه من الجور بعد هذا التفاتهم لمثل هذا التقرير الآنف، بل من السفه كتابته.<BR>فضلاً عن أن يأتي رئيس سابق صمت دهراً عما يحدث في فرنسا ليأتي وفي منتدى اقتصادي! فيحث على مخالفة المرأة السعودية لقوانين بلادها وتعاليم دينها.<BR>غير أن مقولة وجوب التزام المسلمين للقوانين المحدثة الغربية العلمانية أياً كانت، والتزام الغربيين بقوانين الدول الإسلامية التي يزورونها. هذه المقولة لها شقان متقابلان لا نرى تطبيقاً حقيقياً لهما، أما جزؤها الأخير (كما أن على الغربيين التزام قوانين الدول الإسلامية) فنتفق عليه ولا معنى للجدل فيه، وإن كنا لا نراه مطبقاً على أرض الواقع! وأما الجزء الأول فيخطئ كثيرون في فهمه عندما يُنَزّلونه على وقائع كثيرة، ومنها واقعة منع الحجاب في فرنسا، وهذا الخطأ ليس من منظور إسلامي فحسب، بل باطل من عدة جهات.<BR><BR>ولعلي فيما يلي أشعل شمعة لمن أدركه الظلام فالتبس عليه الأمر، فقال: إن فرنسا دولة لها قوانينها وعلى من رضوا باللجوء إليها أو الإقامة فيها التزام ما تنص عليه قوانينها على الإطلاق مهما تغيرت أو تناقضت.<BR>والحقيقة أن من ظن ذلك فقد غابت عنه أمور من أهمها:<BR>- أن فرنسا دولة علمانية، والعلمانية فيما زعموا لا تعارض التزام الإنسان في نفسه بالدين، وإنما تمنع أن يحصل التمييز بناء عليه، كما تمنع من تدخل ذلك في شؤون الحكم وأمور السياسة، بخلاف الدولة الإسلامية، التي تمنع قوانينها ما خالف شرعها المعروف المحفوظ منذ أكثر من ألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين عاماً.<BR>- الكلام عما حدث في فرنسا كلام عن إحداث قانون أو بند يخالف ما قامت عليه البلاد من دعاوى الديمقراطية والحرية الشخصية وغيرها مما يتضمنه دستورها.<BR>- كثير من المسلمين هاجروا لفرنسا وتوطنوها ولم تكن إذ جاؤها تمنعهم مما تمنعهم منه الآن، بل كانت دساتيرها تكفل لهم ما مُنعوه اليوم، فإحداث قانون كهذا متعلق بهم ينبغي الرجوع إليهم فيه، فهم المعنيون به، وقد يخسر من أجل سَنّه كثيرون منهم الكثير، وربما كانت لا حيلة لهم في الرجوع بعد أن ارتبطت مصالحهم بالبلاد، كما أن الفرنسيين فيهم نسبة من المسلمين يمنعهم دينهم مما فرضته عليهم دولتهم فأين يذهبون؟<BR>- كثير من الشابات الملتزمات بالحجاب هن من الجيل الثاني والثالث للمسلمين المقيمين في فرنسا، ومع تلقيهن لتعليم فرنسي وصلت قناعتهن لضرورة الالتزام بالحجاب داخل المجتمع الفرنسي والبيئة الفرنسية التي كانت تربيهم على الحرية الفردية واستقلالية الإرادة والقرار لكل إنسان، فلماذا التفريق في هذه القضية.<BR>- تسويتهم في هذا القانون بين الحجاب والصليب الكبير أو القلنسوة الظاهرة الكبيرة، وهذه لا تتساوى فالحجاب عند المسلمين فرض يجب عليهم التزامه، والقلنسوة والصليب رمز تعليقه أو لبسه ليس واجباً دينياً عند أصحابه يأثم تاركه، وإنما هو مجرد رمز وشعار كالهلال عند بعض المسلمين، فلا فرق بين أن يكون كبيراً أو صغيراً .<BR>- مع كون الصليب رمز فقد جوزوا للنصارى لبس الصغير منه، مع أن الرمز لا فرق بين أن يكون صغيراً أو كبيراً، وكذلك القلنسوة اليهودية، فكأنهم جوزوا لهم لبس رموزهم بينما منعوا المسلمة من حرية التعبد الشخصية، والتي فرضها عليها دينها.<BR>- أخيراً تصويب مثل هذا القياس لو جاء من غير مسلم وفقاً لأسس صحيحة عنده، فهو معقول ولا أقول مقبول، أما أن يأتي من مسلم يعتقد أن دينه حق فهذا ما لا يعقل أو يقبل.<BR><BR>وفي الختام إن منع الحجاب في فرنسا يبقى صورة أخرى للديكتاتور الديمقراطي الغربي الأعور، والذي سبق وأن أخذت له لقطات بشعة مقاربة إحداها يوم اغتيال الكاثوليكي كنيدي في أولى أعتاب مدته الرئاسية على بلاط الدولة البروتستانتية والإنجلوكانية، وأخرى يوم انتخاب كارلوس منعم رئيساً أرجنتينياً إثر تنصره المشروط، ومازالت اللقطات تؤخذ في مدن العراق!<BR><br>