جرائم الغرب المنسية ضد المسلمين
20 محرم 1439
خالد مصطفى

أعادت الدعوات المطالبة بتنظيم احتجاجات في العاصمة الفرنسية باريس للمطالبة باعتراف فرنسا بانتهاكاتها بحق متظاهرين جزائريين عام 1961، وإعادة جماجم مقاومين معروضة بمتحف "الإنسان" بذات المدينة, للأذهان جرائم الغرب المنسية ضد المسلمين..

 

فمن المعروف أن عددا كبيرا من البلاد الإسلامية وقعت تحت أيدي الاحتلال الغربي الغاشم لسنوات طويلة ولم تتمكن من التخلص منه إلا بعد معاناة شديدة وتضحيات جمة.. ولا يخفى على أحد أن رواسب هذا الاحتلال لا تزال حتى الآن تؤثر سلبيا على العديد من هذه البلدان..

 

ومن أكبر هذه الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ضد المسلمين مجزرة باريس التي وقعت قبل أكثر من 50 عاما ضد المواطنين الجزائريين...

 

وكانت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي كانت تقود حربا على سلطات الاحتلال الفرنسي وقتها، قد دعت العمال الجزائريين إلى الخروج في مسيرات سلمية بباريس احتجاجا على حظر التجول، المفروض عليهم تحديدا من الثامنة والنصف مساء إلى الخامسة والنصف صباحا، من قبل مدير الشرطة وقتها، موريس بابون...

 

وخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين الجزائريين، بينهم نساء وأطفال، من الأحياء العشوائية إلى شوارع باريس، على الرغم من منع السلطات الفرنسية، التي يبدو أنها أعطت التعليمات إلى أجهزة الأمن بقمع المتظاهرين بكل الوسائل...ولكن أجهزة قمع المظاهرات كانت في استقبالهم في مداخل الشوارع الكبرى، حسب المؤرخين، الذين نقلوا روايات الشهود والمشاركين في المظاهرات، فاندلعت مواجهات دامية بشارع سانت ميشيل، وحي سانت سيفرين، وتكررت المشاهد الدامية في أحياء أخرى من باريس وضواحيها...

 

ووصف المؤرخان البريطانيان جيم هاوس ونيل ماكماستر،  القمع في هذا اليوم بأنه كان غاية في الضراوة والوحشية، وذلك في كتابهما "الجزائريون، الجمهورية ورعب الدولة"، وأكدا على أنه "أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر"...وأشار شهود إلى أن الشرطة اعتقلت نحو 12 ألف جزائري واحتجزتهم في مراكز الشرطة وفي أماكن أنشأتها لهم خصيصا، في قصر الرياضات في باريس، وقصر المعارض، وتعرضوا هناك للاستجواب والإهانة والضرب والتعذيب، والقتل، كما رحلت السلطات الفرنسية آلاف العمال الجزائريين من باريس وضواحيها إلى الجزائر، بسبب مشاركتهم في المظاهرات...

 

ويقدر المسؤولون الجزائريون ضحايا قمع مظاهرات 17 أكتوبر 1961 من 300 إلى 400 قتيل، ألقي بجثث العشرات منهم في نهر السين، فضلا عن المفقودين...ويرى الكاتب الجزائري، عبد القادر ذهبي، أن أجهزة الأمن الفرنسية، بقيادة موريس بابون، الذي تعاون مع النازية، كان يعرف أن أغلب الجزائريين في فرنسا كانوا يناضلون، ضد الاحتلال، ولم يكونوا وقتها يسمون مهاجرين لأنهم كانوا فرنسيين بالنسبة للسلطات الفرنسية، وعلى هذا الأساس فرض عليهم وحدهم حظرا للتجول...ويضيف ذهبي أن هذا "الحظر العنصري هو الذي دفع بالجزائريين إلى تحديه بالمسيرات السلمية، ولكن الواقع أن ما حدث هو فخ نصبته لهم الشرطة، لكي ترهب الجزائريين بقمع وحشي لم تقم به النازية، إذ قتل نحو 450 جزائري، حسب شهادة بعض من عاصروا الأحداث وشهدوها"...

 

وحمل المؤرخ الفرنسي، جون كلود إينودي، في كتابه "معركة باريس"، الشرطة الفرنسية بقيادة، موريس بابون، مسؤولية قتل العشرات من الجزائريين في هذا اليوم...وفي عام 1999 رفع بابون، الذي أدين عام 1998 بالتعاون مع النازية، دعوى قضائية ضد إينودي، بتهمة القذف، ولكن محكمة مدينة بوردو أسقطت الدعوى...

 

أما السلطات الفرنسية فتزعم في تقاريرها الرسمية أن ضحايا الأحداث 3 أشخاص فقط، توفي أحدهم بسكتة قلبية...ويطرح عدة مؤرخين، تساؤلات عديدة بشأن "تغييب رسمي" لهذه الأحداث في وسائل الإعلام والجامعات والكتب التاريخية...ويرون أن السلطات الفرنسية والمسؤولين عن الأحداث تحديدا، مثل مدير الشرطة، موريس بابون، ورئيس الوزراء ميشيل دوبري، ووزير الداخلية روجي فراي، سعوا إلى فرض الصمت بشأن القضية، ولذلك سقطت جميع التحقيقات القضائية التي فتحت وقتها، وعددها نحو 60 تحقيقا، كما منع الصحفيون من زيارة المراكز التي كان يحتجز فيها الجزائريون...من جهته, أشار المؤرخ الفرنسي، جيل مونسورون، إلى "تضليل تاريخي متعمد من أجل طمس ذاكرة أحداث 17 أكتوبر ، ومحاولة ترسيخ أحداث أخرى في الذاكرة الجماعية وحتى لدى العائلات الجزائرية"...ويتعلق الأمر بأحداث 8 فبراير 1962 بمنطقة شارون، التي شهدت قمع الشرطة لمسيرة من أجل السلم في الجزائر وضد تفجيرات المنظمة السرية (أسسها مستوطنون فرنسيون) ولم تكن مع استقلال الجزائر، التي أخذت مكان أحداث 17 أكتوبر في الذاكرة الجماعية...

 

ويذكر المؤرخ أن عائلة فاطمة بدار، التي عثر على جثتها في نهر السين في أحداث 17 أكتوبر ، وكان عمرها 15 أو 16 عاما، ظلت تعتقد لسنوات طويلة أنها من ضحايا أحداث منطقة شارون، وهي الأحداث التي ترسخت في الأذهان أكثر من أحداث 17 أكتوبر...

 

الجزائريون حتى الآن ورغم التوثيق الواضح لهذه المجزرة البشعة إلا أنهم فشلوا في محاسبة المسؤولين عنها, أو حتى إقناع السلطات الرسمية بفرنسا بالاعتراف بها والاعتذار عنها وهو ما يثير حفيظتهم ويجدد أوجاعهم وفي نفس الوقت يفتح الباب أمام ضرورة إلقاء الضوء على مزيد من جرائم الاحتلال الغربي المنسية ضد المسلمين.