هل نحن حقاً عاجزون؟
19 ذو القعدة 1438
منذر الأسعد

الصورة كئيبة مؤلمة، مهما حاولنا الترقيع والتجميل:
فالملالي يستبيحون سوريا ويقتلون أهلها ويشردونهم من ديارهم، بعد أن ابتلعوا العراق وكادوا يلتهمون اليمن.. والبوذيون " المسالمون جداً"  إلى حد التوحش يبيدون أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار.. وفرنسا تفتك بمسلمي مالي وما حولها في الصحار الكبرى، بذريعة محاربة الإرهاب، وتؤازر صليبيي إفريقيا الوسطى في مسعى دموي لاجتثاث مسلميها جذرياً..

 

وأما محنة فلسطين التي ينكل بها الاحتلال الصهيوني ويشبعها تهويداً، فلا حاجة إلى استحضارها، لأنها مأساة مستمرة منذ سبعين سنة عجفاء..
السؤال/ المرآة الذي نتهرب منه يقول: كيف يقع لنا كل ذلك، وعددنا يقارب مليارين من البشر؟

 

انتقاء النصوص
إذا اضطر بعض التبريريين إلى تفسير هذه الكوارث –وإن شئنا الدقة: تفسير استسلامنا لهذه الكوارث المتناسِلة-،تراه يضع رأسه في أعمق نقطة ممكنة بين كتفيه، ثم يقلب كفيه ويمط شفتيه، ليقول أخيراً بصوت يصطنع فيه البحة: ماذا نفعل؟ العين بصيرة واليد قصيرة..

 

فإذا ضاق عليه الخناق قال: إنه قضاء الله وقدره .. وتلك الأيام نداولها بين الناس.
وهو يعلم أنه يحرف الكلم عن مواضعه، فهل بذلنا أسباب القوة وعزمنا على الدفاع عن أنفسنا متوكلين على الله عز وجل، ثم قدَّر الله علينا الهزيمة؟
إن النصوص يقين في قلوبنا وعقولنا، لكن المرفوض توظيفها لخدمة أهداف بشرية دنيوية دنيئة. وخاصة أن هؤلاء يتعامون عن جمع نصوص الوحيين المتعلقة بموضوع البحث، قبل استخلاص نتائج مسبقة الصنع..

 

فهل نسوا قول الحق سبحانه: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ؟ ولماذا تغافلوا عن قوله عز من قائل: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ).
وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

وهل ذهلوا عن الحديث  الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان))  وكذلك حديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ((مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمىّ))!!

 

العجز المفترى
قال النووي رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة الذي سبق ذكره:

قال النووي: (والمراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه، وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة، والصوم، والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك)!

 

فأين نحن اليوم –كأمة- من هذه المعاني السامية؟
ربما كان ادعاء العجز مقبولاً من شيخ طاعن في السن –مع أن عمر المختار رحمه الله قدَّم نموذجاً نقيضاً!!- لكن من المخاتلة وخداع الذات أن نزعم ذلك لأمة لديها طاقات هائلة، لكنها معطلة أو موجهة توجيهاً سلبياً !!

 

إننا نفتقد المشروع الجامع، الذي يعيد إلينا عزتنا المفقودة وأمجادنا السالفة ..
لقد وصل الهوان بنا حدود التبرير للامتناع عن الدفاع المشروع عن النفس، وهو حق مكفول حتى بالقوانين الوضعية العوجاء!!

ولئلا يعثر متفيهق على شبهة إذا أرجعناه إلى تاريخنا الذهبي يوم سدنا البشرية وكنا قلة من حيث العدد،فليفسر لنا ثبات مسلمي البوسنة في وجه مؤامرة صليبية عالمية متوحشة.. صحيح أنهم لم يتمكنوا من تحقيق كل تطلعاتهم، لكنهم أجهضوا مؤامرة الغرب لاستئصالهم وإنهاء وجودهم في قلب القارة الأوربية، وفرضوا على كبار أعدائهم أن يتدخلوا لوقف المجرم الصربي، بعد أن بدأت كفتهم ترجح على كفته!!