مسلمو كندا....وارتفاع جرائم الكراهية
25 رمضان 1438
د. زياد الشامي

قد لا يكون واقع حال المسلمين في كندا بأحسن أحواله كما يصوره الإعلام , فعلى الرغم من المبادرات الإيجابية التي يقوم بها رئيس الوزراء الكندي الحالي جاستن ترودو تجاه المسلمين , والتي توحي بأن المسلمين هناك على ما يرام وبأفضل أحوالهم ...إلا أن واقع الأمر يشير إلى غير ذلك .

 

 

نعم ...قد تكون الصورة التي يمكن للمتابع أن يرسمها في ذهنه عن أحوال المسلمين هناك إيجابية ومطمئنة وهو يسمع ويرى من خلال وسائل الإعلام ما يقوم به رئيس الحزب الليبرالي "ترودو" الذي فاز بمنصب رئيس الوزراء بانتخابات أكتوبر من عام 2015م تجاه المسلمين بين الفينة والأخرى .....

 

 

فمن استقباله بعض اللاجئين السوريين في المطار إلى توجيهه رسالة تهنئة للمسلمين في كندا بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك نهاية الشهر الماضي , وصولا إلى مشاركته المسلمين مائدة إفطارهم منذ أيام بعد أن ارتدى لباسهم , وليس انتهاء بمشاركته المسلمين أيضا تعبئة المساعدات الغذائية مع منظمة الإغاثة الإسلامية هناك ....

 

 

إلا أن ذلك لا يعني أن المسلمين هناك لا يعانون من نمو ظاهرة "الاسلاموفوبيا" وتصاعد جرائم الكراهية ضدهم , فالإحصائيات الرسمية والبيانات الموثقة والحوادث المتتالية تؤكد تلك المعاناة رغم جميع ما سبق .

 

 

آخر الإحصائيات التي صدرت عن هيئة الإحصاء الكندية الرسمية أمس تقول : إنّ جرائم الكراهية ضدّ المسلمين، ارتفعت في عموم البلاد بنسبة 60%، خلال 2015.

 

 

وقالت الهيئة في بيان لها صدر أمس الأحد : إنّ عدد الشكاوى التي تلقتها أجهزة الشرطة خلال عام 2015، حول وقوع جرائم كراهية ضدّ المسلمين، زادت بنسبة 60% مقارنة بعام 2014م , فبينما "تمّ تسجيل 99 جريمة كراهية ضدّ المسلمين خلال 2014، ارتفع هذا الرقم إلى 159 في عام 2015م .

 

 

قد لا تكون هذه الإحصائيات مستغربة إذا علمنا أنها وقعت في عهد رئيس وزراء كندا السابق "ستيفين هاربر" الذي لم يك يخفي عداءه وعنصريته تجاه المسلمين , بل حاول استخدام ورقة مجاهرته بعداء المسلمين والتحريض ضدهم في حملته الانتخابية عام 2015 طمعا منه بالفوز بفترة رابعة بعد عشر سنوات قضاها في منصب رئيس وزراء كندا .

 

 

لم يكتف رئيس حزب المحافظين "هاربر" باستغلال حكم محكمة يتعلق بمهاجرة مسلمة من باكستان أرادت أن تؤدى يمين القسم كمواطنة كندية وهى ترتدى النقاب فتم منعها من ذلك بناء على قرار صادر عن وزير الهجرة بحكومة هايبر عام 2011 يحظر على النساء ارتداء النقاب أثناء أداء قسم المواطنة .... بل أعلن عن نيته الاستئناف ضد قرار صدر عن محكمة أخرى لاحقا يعتبر قرار المنع انتهاك للحرية الدينية , كما تعهد بدراسة حظر ارتداء النقاب بين الموظفين العموميين أيضا .

 

 

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفترة الزمنية الطويلة التي هيمن فيها حزب المحافظين المعادي للمسلمين عموما والرافض استقبال مزيد من اللاجئين السوريين وغيرهم....على إدارة البلاد , حيث إن استطلاعات الرأي في انتخابات عام 2015م تؤكد أنه للمرة الأولى يتفوق فيها حزب الليبراليين على المحافظين ...فإن ذلك يساهم بلا شك في فهم أسباب تصاعد جرائم الكراهية ضد المسلمين رغم ما يظهر على وسائل الإعلام من مشاهد لرئيس الوزراء الكندي الحالي "ترودو" مع المسلمين تشير إلى عكس ذلك او خلافه .

 

 

وبالعودة إلى بيان هيئة الإحصاء الكندية الذي يؤكد ارتفاع نسبة جرائم الكراهية ضد المسلمين بمعدل خطير عام 2015 مقارنة بعام 2014م , فإنه لا بد من التنويه إلى أن ما ذكرته الهيئة من أرقام لا ترسم صورة كاملة للمدى الحقيقي لجرائم الكراهية في كندا ، فهناك نحو 35 % من جرائم الكراهية فقط قد رفعت إلى الشرطة , بينما آثر الباقي لزوم الصمت خشية العنف أو الانتقام .

 

 

لم تكن إحصائية الهيئة المؤشر الوحيد الذي يبرز حقيقة تصاعد جرائم الكراهية في كندا , فقد هزت حادثة إطلاق النار على المسلمين أثناء أدائهم لصلاة العشاء بمسجد بمقاطعة كيبيك في يناير من العام الجاري أرجاء البلاد , وأظهرت حجم تأثير خطاب الكراهية ضد المسلمين الذي وصل إلى حد الهجوم على المسلمين وقتل 6 منهم وجرح 19 آخرين وهم في مصلاهم الذي من المفترض أن يكون من أكثر الأماكن أمنا .

 

 

ومن يعود بذاكرته إلى الوراء قليلا يمكنه استحضار 3 حوادث اعتداء متتالية في شهر أكتوبر من عام 2016م , الأولى منها استهدفت مسجد "رانشلاندس" غربي مدينة كالغاري التابعة لمقاطعة "ألبرتا" الكندية بالحجارة في الـ16 من أكتوبر عام2016 م , والثانية تعرض فيها مسجد المركز الإسلامي جنوبي كالغاري لاعتداء من قبل مجهولين أقدموا على تحطيم نوافذه وإحراق نسخة من القرآن الكريم و ترك رسالة تتضمن عبارات كراهية قبل ذلك بأسبوع فقط , والثالثة كان مسرحها حرم جامعة كالغاري , حيث تم تعليق لافتات تتضمن عبارة مسيئة للإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم .

 

 

وفي يونيو من نفس العام وقع الإعتداء الأول على مركز كيبيك الثقافي الإسلامي، حيث عثر على رأس خنزير أمام باب المركز , بينما حفل عام 2015م بجرائم الكراهية ضد المسلمين وخصوصا عقب تفجيرات باريس ، فقد أضرم مجهولين النيران في مسجد بمقاطعة "أونتاريو" , بينما قام آخرون في شهر يوليو بكتابة عبارات كراهية ضد المسلمين واللاجئين السوريين في محطة مترو أنفاق المدينة ....الأمر الذي دفع مساعد رئيس المجلس الوطني لمسلمي كندا "خالد الغزّار" للقول : إنّ عام 2015 كان عاما عصيبا بالنسبة لمسلمي كندا .

 

 

ختاما يمكن القول : إنه وبعيدا عن الخوض في مدى حقيقة ومصداقية تصريحات ومواقف رئيس الوزراء الكندي الحالي - الإيجابية بظاهرها - تجاه المسلمين , فإن الأمر المؤكد التي تشير إليه الوقائع والأحداث والإحصائيات الرسمية أن هناك تصاعدا لظاهرة الإسلاموفوبيا وزيادة في جرائم الكراهية ضد المسلمين , الأمر الذي يدفعنا لعدم التعويل كثيرا على ما يروجه الإعلام عن أحوال مسلمي كندا .