أوروبا تشرعن التمييز والعنصرية
17 جمادى الثانية 1438
د. زياد الشامي

يوما بعد يوم تَكشف دول القارة العجوز عن وجهها الحقيقي المعادي للإسلام والمسلمين دون رتوش أو مساحيق تجميل , وتُظهر للعلن حقدها الدفين على دين الله الخاتم الذي حاولت على مدى عقود خلت إخفاءه تحت شعارات الحرية الدينية وحقوق الإنسان و.....الخ .

 

 

 

فبعد سلسلة من حملات التمييز والعنصرية التي اشتدت حدتها في الآونة الأخيرة ضد المسلمين , وبعد حرب معلنة على حجاب المرأة المسلمة في معظم دول القارة العجوز , وصدور قوانين تحظر الحجاب في المدارس والإدارات العامة و..... ناهيك عن حظر أشد للنقاب.... دخل القضاء الأوروبي على خط الحرب المعلنة على كل ما يمت لدين الله الحق بصلة , وتخلى عن آخر ورقة توت تستر حقيقة عدائه المزمن لدين الله الخاتم .

 

 

 

فها هي أعلى محكمة تتبع للاتحاد الأوروبي "المحكمة الأوروبية العليا أو محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي" تصدر بالأمس قرارا يُعطي الشركات حق حظر ارتداء الحجاب وغيره مما تسميه "الرموز الدينية والسياسية والفلسفية" الواضحة تحت ظروف معينة .

 

 

 

القرار أعطى الحق للمؤسسات في أن تحظر ضمن قانونها الداخلي أي إبراز أو ارتداء رموز سياسية أو فلسفية أو دينية للحفاظ على حياديتها وفق شروط , معتبرا أن "منع الحجاب في إطار قانون داخلي لمؤسسة خاصة لا يشكل تمييزا مباشرا على أساس الدين أو العقيدة" !!

 

 

 

قرار المحكمة - التي يوجد مقرها في لوكسمبورغ- جاء على ذمة قضيتين في بلجيكا وفرنسا تتعلقان بمسلمتين أكدتا أنهما تعرضتا للتمييز والطرد بسبب ارتداء الحجاب .

 

 

 

فقد تعرضت "سميرة أشبيتا" التي تشغل وظيفة عاملة استقبال في مجموعة "جي 4 أس" للمراقبة والأمن في بلجيكا للطرد من عملها بعد ثلاث سنوات ,  بمجرد إعلان قرارها ارتداء الحجاب وإبلاغها مدير المؤسسة التي تعمل فيها بذلك , بدعوى أن المؤسسة تتبع سياسة الحياد وتمنع بناء على ذلك أي رموز "سياسية أو فلسفية أو دينية" !!!

 

 

 

كما لاقت أسماء بوجناوي نفس مصير نظيرتها "سميرة" , فعلى الرغم من أنها كانت محجبة منذ تم توظيفها في شركة "ميكروبول" الفرنسية عام 2008م كمهندسة برمجيات ، إلا أن اعتراض أحد زبائن الشركة في مدينة تولوز على حجابها , وتقديمه شكوى بعد لقاء مع المهندسة مضمونها : "أنه لا يريد أن يكون هناك حجاب في المرة المقبلة"، كان كفيلا  بتهديد الشركة للمهندسة بضرورة نزع حجابها , وحين رفضت ذلك تمت إقالتها فورا بعد عام واحد من توظيفها .

 

 

 

قرار المحكمة الأوروبية وٌوجه بدعوة بعض الناشطين كافة المسلمين في الدول الأوروبية وخارجها لمقاطعة الشركات التي تحظر الحجاب , مؤكدين أن "الرد الطبيعي على قرار محكمة العدل الأوروبية بالسماح بحظر الحجاب في أماكن العمل هو إنشاء قائمة بالشركات التي تحظر الحجاب لمقاطعتها من قبل المسلمين داخل وخارج أوروبا".

 

 

 

لم يكن قرار المحكمة في الحقيقة مفاجئا بقدر ما كان فاضحا , فالقرار يعني دون أي مواربة : شرعنة التمييز ضد المسلمين , وتمهيد الطريق أمام زيادة موجة العنصرية والكراهية ضد كل ما يهدد - حسب وجهة نظرهم - علمانية الغرب ونصرانيته المزعومة المحرفة و حتى إلحاده .  

 

 

 

القرار يتزامن مع ممارسات أوروبية رسمية تتعارض بشكل صارخ مع أبسط شعارات حرية التعبير والتجمع التي ترفعها دول القارة العجوز وتتبجح بتقديسها ومراعاتها منذ عقود , حيث ألغت ألمانيا تصاريح لقاء بعض ساسة تركيا بجاليتهم هناك لتشجعيهم على التصويت "بنعم" في استفتاء التعديلات الدستورية المزمع إجراؤه في إبريل القادم , كما منعت هولندا طائرة وزير الخارجية التركي من الهبوط في مطار أمستردام , واحتجزت وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية التركية وعدد من مرافقيها ورحلتهم إلى ألمانيا بعد أن منعت الوزيرة من لقاء الجالية التركية أمام قنصلية أنقرة هناك .

 

 

 

كما يأتي القرار في وقت تزداد فيه لغة العنصرية وخطاب الكراهية ضد المسلمين في أوروبا , ليس على لسان أفراد او مجموعات صغيرة أو ما شابه , بل على لسان مسؤولين حكوميين وسياسيين بارزين ورؤساء أحزاب يمينية متطرفة , لم يبق أمام بعضهم إلا اجتياز استحقاق انتخابي واحد ليتربعوا على سدة حكم أبرز دول القارة الأوروبية .

 

 

 

ضمن هذا السياق الأوروبي العام الذي تزداد فيه ظاهرة المجاهرة بالعداء لكل ما يمت إفلى الإسلام بصلة يمكن قراءة تصريح زعيم حزب (الحرية) اليميني المتطرف في هولندا (خيرت فيلدرز) , والذي يأتي خلال الحملة الانتخابية التي يخوضها حزبه اليوم  , حيث نشر الأخير تغريدات على تويتر عن الازمة الدبلوماسية بين هولندا وتركيا قال فيها :" الى جميع الاتراك الذين يفكرون مثل الرئيس التركي (رجب طيب اردوغان)، ان عليهم الذهاب الى تركيا وعدم العودة الى هنا مجددا".

 

 

 

لا يبدو أن أوروبا في وارد التراجع عن هذه الحملة العنصرية التي تقودها ضد المسلمين , ولا التفكير في عواقب ما تقوم به من تمييز ضد فئة معينة باتت معلومة للقاصي والداني , فما يحملها على مثل هذه الممارسات لا يمت بصلة إلى السياسة التي تضع المصالح والمفاسد والترجيح بينهما ضمن أولوياتها , وما يدفعها إلى ذلك النهج لا يمكن تفسيره إلا بكونه : حرب عقيدة ودين في المقام الأول .