أثر الإعلام في ترسيخ الهوية
15 جمادى الثانية 1438
د. زياد الشامي

لم يعد تأثير الإعلام بمختلف ألوانه وأشكاله المقروءة والمسموعة والمرئية على أفكار الناس بحاجة إلى المزيد من الأدلة والبراهين , فما يشهده العصر الحديث من الأثار الملموسة للإعلام في توجيه الأنظار لقضية معينة دون غيرها , ودوره في تشكيل المفاهيم والرؤى , بل وفي إحداث تغيير كبير في السلوك والتصرفات ..... كاف لحسم هذه القضية وعدم الجدال طويلا فيها .

 

 

 

قد لا نكون مضطرين في هذه العجالة للتذكير بمدى تفوق الغرب في مجال تكنولوجيا الاتصالات والإعلام في مقابل تأخر الدول الإسلامية في هذا الإطار , فواقع هيمنة الفكر الغربي وتوجهاته على الإعلام لا يمكن أن تخطئها عين البصير , وحقيقة سيطرته على هذه الآلة الضخمة بنسبة مئوية كبيرة عالميا لا يستطيع أي متابع إنكارها , فقد وصلت هيمنته إلى عقر مؤسسات الإعلام في كثير من الدول العربية والإسلامية وللأسف الشديد .

 

 

 

لم تقتصر آثار تلك الهيمنة الغربية على وسائل الإعلام وما تبثه من برامج وحورات ومشاهد .....على القيم والمفاهيم العربية الإسلامية , ولم ينحصر تأثيرها السلبي على أخلاق المجتمعات الإسلامية وتماسكها الأسري فحسب , بل تعداه إلى ما هو أشد خطورة من كل ما سبق ألا هو "الهوية الإسلامية" .

 

 

 

أمام هذا الواقع الصعب , والتحديات التي تواجه انعتاق الإعلام العربي والإسلامي من الهيمنة الغربية , والصعوبات الكثيرة التي تقف في طريق مواجهة الكم الهائل من التشويه والتحريف لحقائق الدين الحنيف التي تقوم بها وسائل الإعلام الغربية ....تبدو ضرورة تشجيع أي خطوة إعلامية يمكن أن تساهم في ربط المسلمين بهويتهم الأصيلة , وتسعى لنشر قيم الإسلام الصحيح ومبادئه السامية ....من الصواب بمكان .

 

 

 

ضمن هذا السياق يمكن قراءة إعلان رئاسة الشؤون الدينية في تركيا، اعتزامها إطلاق محطة إذاعية باسم "الرسالة"، تتناول حياة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بكل جوانبها , حيث قال مدير مكتب المنشورات الدينية "يوكسل سلمان" : إن شاء الله سنفتتح محطة الرسالة الإذاعية في أبريل المقبل .

 

 

 

كثيرة هي الأسباب التي تجعل من هذه الخطوة من الأهمية بمكان  , فهي أولا خطوة إعلامية جديدة ضمن سلسة خطوات إعلامية سابقة , فقد أطلقت الرئاسة الدينية التركية من قبلها محطتين إذاعيتين عامي 2013 و2015 وهما "الديانة"، و"القرآن" , وبانطلاق محطة "الرسالة" تكون منظومة استعادة الهوية الإسلامية مكتملة , إذ من المعلوم أن الكتاب والسنة هما مصدرا الدين الحنيف الرئيسيين .

 

 

 

والمحطة الإذاعية ثانيا تنطلق في بلد لطالما عمل أعداء الإسلام على إغراقه في العلمانية اللادينية , وسعى عبر عقود مضت لطمس معالم الهوية الإسلامية في جميع مؤسسات تلك الدولة , وحارب دون هوادة - وما زال – كل توجه لإحياء الهوية الإسلامية في نفوس أبنائه وبث مظاهر تلك الهوية في الحياة العامة .

 

 

 

وإذا ما أضفنا إلى ما سبق نوعية المعلومات الدينية التي يتم نشرها عبر هذه الإذاعة , والتي أكد "سلمان" بأنها معلومات دينية صحيحة و سليمة , فإن أهمية إطلاق إذاعة من هذا النوع في هذا الزمن الذي كثرت فيه محاولات تشويه دين الله الخاتم من قبل بعض المنتسبين إليه قبل خصومه وأعدائه .... تبدو ضرورة و أولوية .

 

 

 

النجاح الكبير الذي حققته كل من إذاعة "الديانة" و " القرآن" منذ إنطلاقتهما قبل سنوات – كما يقول مدير مكتب المنشورات الدينية - يؤكد حتمية نجاح الإذاعة الجديدة , وهو ما يشير إلى مدى الإقبال الشعبي على كل ما له علاقة بعقيدته ودينه وهويته .

 

 

 

قد لا تكون هذه الخطوة كافية لمواجهة الآلة الإعلامية المعارضة لعودة تركيا إلى جذورها الإسلامية واستعادتها لدورها الريادي في بناء الحضارة الإنسانية , إلا أنها وبكل تأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح , ولبنة جديدة في مساعي حكومة حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردغان التأكيد على التمسك بالهوية الإسلامية لتركيا الحديثة .

 

 

 

ليست تركيا وحدها التي تحتاج إلى مثل هذه الخطوة الإعلامية التي تساهم بشكل واضح في ترسيخ الهوية الإسلامية , فالكثير من عواصم الدول العربية والإسلامية قد تكون أشد حاجة لهذه الخطوة من أنقرة , ويكفي إلقاء نظرة على ما تبثه وسائل إعلام دول عربية عريقة في تاريخها الإسلامي من برامج ومشاهد للتأكد من ذلك .