دلالات توعّد "داعش" علماء بلاد الحرمين ؟
14 ربيع الثاني 1437
تقرير إخباري ـ محمد لافي

لم يكن تنظيم ما يسمى "داعش" ينتظر حدثا من قبيل تأييد علماء بلاد الحرمين لحكم الإعدام الذي نفذته السلطات السعودية منذ أسابيع بحق 47 من المتهمين "بالإرهاب" وقتل الأبرياء وغيرها من الجرائم - أو حتى إشارتهم لتأييده أو عدم معارضته - ليتخذه ذريعة لمهاجمة علماء المملكة وأبرز دعاتها وتهديدهم و الدعوة علانية إلى استهدافهم وقتلهم , فالتنظيم يرى في علماء المملكة ودعاتها ألد أعدائه , نظرا لكونهم من أوائل من كشف حقيقة "داعش" أمام المسلمين والعالم أجمع , مؤكدين في غير مناسبة أن هؤلاء خوارج هذا العصر , وأنهم شوكة في نحور المسلمين وعون لأعداء الإسلام ليحتلوا بلادهم , و محذرين شباب المسلمين من خطر الاغترار بشعاراتهم , ومنوهين إلى أن هؤلاء بتكفيرهم المسلمين دون دليل شرعي أبعد ما يكونوا عن حقيقة الإسلام وسماحته ووسطيته المشهورة .

 

 

لقد وجد تنظيم "داعش" في حادثة الإعدام ذريعة لإرسال رسالة تهديد عبر مجلته "دابق" الناطقة بالإنجليزية إلى كل من مفتي المملكة السعودية وبعض علمائها ودعاتها , حيث دعا التنظيم وبشكل رسمي إلى قتل المفتي عبد العزيز آل الشيخ وعدد من أبرز الدعاة : إمام المسجد الحرام عبد الرحمن السديس ،و الداعية عائض القرني ، والداعية صالح المغامسي ، والداعية محمد العريفي , وكذلك الشيخ سعد الشثري ،و عبد الله المطلق , وسلمان العودة والمقرئ عادل الكلباني ..... وغيرهم .

 

 

والتهمة التي برر بها التنظيم دعوته لقتل هؤلاء العلماء والدعاة معروفة ومشهورة عنه "الردة والكفر" , حيث حمل المقال الذي دعا إلى قتل المذكورين في مجلة "دابق" عنوان : "اقتلوا أئمة الكفر" , وهو ما يؤكد الوصف الدقيق الذي وصف به علماء المملكة هذا التنظيم "خوارج العصر" , حيث من المعلوم أن الخوارج من أكثر الفرق الإسلامية تساهلا في تكفير المسلمين بدون دليل شرعي , واستحلال دمائهم وأموالهم بذلك .

 

 

وإذا كان العجب يتسرب إلى نفوس بعض القراء الكرام من جرأة التنظيم على تكفير علماء قبلة المسلمين وأبرز دعاتها , فإن هذا العجب قد يزول إذا علم القارئ أن أمثالهم من الخوارج في عصر الصحابة الكرام قد كفروا اثنين من الخلفاء الراشدين "عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب" رضي الله عنهما , ناهيك عن تكفيرهم الكثير من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الزمان .

 

 

والحقيقة أن توعّد "داعش" الأخير ودعوته علانية إلى قتل علماء المملكة وأبرز دعاتها في الوقت الذي تعاني فيه الأمة من هجمة صفوية صليبية ضد هويته ووجوده لا تخطؤها عين المتابع لما يجري في المنطقة ..... يحمل الكثير من الدلالات أهمها :

 

 

1- تعتبر هذه الدعوة من التنظيم دليلا جديدا يضاف إلى عشرات الأدلة التي تؤكد خروج هذا التنظيم عن منهج أهل السنة والجماعة , وجنوحه إلى الغلو والتطرف المذموم والمنهي عنه في دين الله , فالتنظيم لم يكتف بتكفير عموم المسلمين الذين لا يوافقونه الرأي والفكر والمعتقد في كل مكان يتواجد فيه , كما لم يكتف باستحلال دماء المجاهدين في الشام والعراق وإفساد جهاد هؤلاء ضد عدوهم الحقيقي .....فحسب , بل ها هو يكفر علماء الأمة وأبرز دعاتها دون أي دليل أو برهان !!

 

 

ومن هنا فإن دعوة التنظيم الأخيرة إلى استهداف علماء المملكة تعتبر بمثابة السطر الأخير في تثبيت تأكيد بعدهم عن منهج الإسلام الصحيح , وانغماسهم أكثر فأكثر في الغلو والتطرف المنبوذ والمذموم .

 

 

2- قطع تهديد التنظيم لعلماء ودعاة المملكة الشك باليقين حول تلازم وتناغم مصالح أعداء أهل السنة والجماعة مع جميع ممارسات هذا التنظيم الذي حامت حوله الكثير من علامات الاستفهام منذ نشأته , ففي الوقت الذي يتوعد فيه التنظيم علماء المملكة ودعاتها بالقتل لمجرد تأييدهم حكم القصاص العادل بحق بعض من ثبتت عليهم جرائم تستوجب تلك العقوبة شرعا , لا نراه يتوجه بأي تهديد أو وعيد لأصحاب العمائم السوداء من ملالي قم , الذين لا يكتفون بإصدار الفتاوى التي تجيز قتل المسلم السني فحسب , بل يرغّبون أتباعهم بالثواب الجزيل على سفك الدم السني على وجه الخصوص , ويمارسونه يوميا في كل من سورية والعراق وغيرها من بلاد الإسلام .

 

 

والحقيقة أن ملاحظة تركيز هجوم التنظيم على علماء أهل السنة ودعاتها , ناهيك عن استحلالهم دماء المجاهدين في بلاد الشام , باسم الردة والكفر والخروج عن الملة , في الوقت الذي يوفرون فيه الدم الصفوي الأصيل في الكفر والردة عن الدين الصحيح ..... باتت من الوضوح والظهور بمكان , الأمر الذي يؤكد وجود علاقة ما بين هذا التنظيم وبين أعداء هذه الأمة عموما وعلى رأسهم الرافضة .

 

 

3- يكشف إهدار التنظيم لدم علماء المملكة وأبرز دعاتها اللثام عن زيف الاتهامات التي كانت وما تزال تكال لعلماء بلاد الحرمين بمسؤوليتهم عن ظهور الفكر الداعشي , ويؤكد أنها ادعاءات كاذبة مكشوفة من قبل أكبر المستفيدين من فكر داعش وممارساته في المنطقة .

 

 

إن توعّد"داعش" علماء المملكة وأبرز دعاتها بالقتل يؤكد التناقض الصارخ بين فكر علماء المملكة ودعاتها الوسطي , وبين غلو وتطرف فكر "داعش" التكفيري , كما يشير إلى حقيقة منبع هذا الفكر وجذوره , والذي خرج من رحم الظلم والقهر الواقع على أهل السنة من أكثر من قوة إقليمية ودولية وعلى رأسها الرافضة والنصيرية .

 

 

هذا في الحقيقة غيض من فيض دلالات توعّد "داعش" لأبرز علماء ودعاة بلاد الحرمين , فهو لا يؤكد فحسب تورط هذا التنظيم – علم بذلك أو لم يعلم - في الحملة المسعورة ضد هوية هذه الأمة ووجودها , بل ينبه إلى مدى خطر أمثاله من التنظيمات على الأمة ربما بأضعاف المشروع الصفوي أو الصليبي .