ماذا بعد سقوط افتراءات روسيا ضد تركيا ؟
20 صفر 1437
د. زياد الشامي

قد لا تكون طريقة تعامل النظام الروسي مع أزمة الطائرة التي أسقطتها تركيا منذ أيام محل استغراب أو اندهاش من أولئك الذين يعرفون طريقة تفكير ساسة روسيا اليوم وعلى رأسهم "بوتين" , والتي تتسم بالغرور والعنجهية والتعالي على كل القوانين والأعراف الدولية , وتتسم بالديكتاتورية والسلطوية والدوران حول شخص الحاكم الفذ الملهم .

 

 

والمقصود بطريقة التعامل هنا ذلك الانقلاب الجذري في أسلوب التعامل مع كل من لا يتفق معهم في الرأي , أو لا يتجاوز عن حماقاتهم ومغامراتهم السياسية والعسكرية ....وإن كان بالأمس القريب من أقرب المقربين والأصدقاء الحميمين , وذلك من خلال كيل الاتهامات الباطلة وفبركة الافتراءات الكاذبة ضد كل من يعارضهم أو يعرقل مخططاتهم أو لا يسكت عن تجاوزاتهم غير المقبولة .

 

 

والحقيقة أن هذه الخصلة وتلك السمة ليست حكرا على طريقة تعامل ساسة روسيا مع تركيا بعد إسقاط الأخيرة طائرتها الحربية التي انتهكت أجواءها , حيث تحولت تركيا فجأة من دولة صديقة ومقربة إلى عدوة , وتحول أردغان من "رجل دولة صادق" حسب وصف بوتين منذ أقل من عام , إلى عكس ذلك تماما بعد حادثة إسقاط الطائرة .

 

 

نعم ....ليست هذه السمة حكرا على "بوتين" فحسب , بل هي سمة كثير من الطغاة الذين يعانون من نفس أعراض مرض الغرور والعنجهية والدكتاتورية , ولعل النسخة المماثلة للأخير طاغية الشام , الذي يعلم القاصي والداني طريقة تعامله مع كل من تركيا وقطر لمجرد وقوفهما إلى جانب ثورة الياسمين , ومعارضتهما لسياسة النظام السوري مع المتظاهرين السلميين .

 

 

لقد تحول أمير دولة قطر في وسائل إعلام نظام الأسد من رجل المقاومة والممانعة قبل الثورة , إلى عكس ذلك تماما بعدها , كما تحولت الحكومة التركية بقيادة أردغان من الصديق والشريك الأبرز للنظام , إلى العدو اللدود بعد مساندته لمطالب الشعب السوري .

 

 

ومن هذا المنطلق يمكن فهم سيل الاتهامات الباطلة التي وجهتها روسيا لتركيا بعد إسقاط الطائرة دون أي دليل أو برهان وما تزال , وكم الإشعات المفبركة التي روجتها وسائل إعلام "بوتين" للنيل من تركيا والانتقام من تصرفها الشرعي القانوني .

 

 

ويمكن استعراض بعض تلك الاتهامات والشائعات , وكيف سقطت جميعها أمام تفنيدها من قبل ساسة تركيا و وسائل إعلامها :

 

 

1- أولى هذه الاتهامات التي سقطت لكونها غير مفهومة ولا معقولة : إصرار روسيا على أن المقاتلة الحربية الروسية لم تخترق المجال الجوي التركي , رغم كل الأدلة التي ساقتها تركيا , والتي أكدتها كثير من دول العالم , وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي قالت المتحدثة باسم خارجيتها "إليزابيث ترودو" : إن "المعلومات المتاحة، بما في ذلك الأدلة التي قدمتها تركيا ومصادرنا الخاصة بنا كذلك ، تشير إلى أن الطائرة الروسية خرقت الأجواء التركية" .

 

 

وأمام سيل البراهين التي تثبت انتهاك الطائرة للمجال الجوي التركي بدأ "بوتين" يعزف على نغمة أن الطائرة لم تكن تشكل تهديدا لتركيا , وهو ما يشير إلى أن التمسك بعدم انتهاك الأجواء ليس له أي دليل سوى العنهجهية والتعالي عن الاعتراف بالحقيقة .

 

 

2- اتهام بوتين لتركيا صراحة بالتعامل مع "داعش" فيما يخص النفط قائلا على هامش مؤتمر المناخ بباريس : " لدينا كل الأسباب التي تدفعنا إلى الاعتقاد بأن قرار إسقاط طائرتنا اتخذ لحماية الطرق التي ينقل عبرها النفط إلى الأراضي التركية " مضيفا : " تلقينا معلومات إضافية تؤكد - للأسف - أن هذا النفط الذي ينتج في المناطق، التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" ومنظمات إرهابية أخرى ينقل بكميات كبيرة إلى تركيا" .

 

 

لم يكتف الرئيس التركي في الرد على هذا الاتهام بالنفي وبكونه غير مقبول وغير أخلاقي كذلك , ولم يكتف بمطالبة الجانب الروسي بعرض الوثائق والأدلة التي تثبت هذا الاتهام الخطير إن كانت حقا موجودة , بل تحدى "بوتين" بأنه في حال ثبوت حدوث أمر كهذا سيترك منصبه ، متوجها بالتحدي "لبوتين" هل ستبقى في منصبك في حال ثبوت كذب هذه المزاعم ؟!

 

 

إن الحقيقة المثبتة بالوثائق والأدلة هي أن النظام السوري - الذي تدافع عنه روسيا - هو من يشتري النفط من "داعش" وليس تركيا , وقد أكدت ذلك تقارير غربية كان آخرها تصريح نائب المتحدث باسم الخارجية الألمانية "سوسن شلبي" أمس : " إنَّ لدى بلادها وثائق تثبت شراء النظام السوري الكمية الأكبر من نفط تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًّا "داعش" , وهو ما يجعل سقوط هذا الاتهام الروسي لتركيا مدويا .

 

 

3- أمام فشل اتهام "بوتين" الحكومة التركية بالتعامل مع "داعش" وسقوط هذا الافتراء , لم تجد وسائل الإعلام الروسية – وكذلك السورية الأسدية - وسيلة للنيل من "أردغان" إلا بنشر شائعة وجود علاقة بين نجل أردغان و "داعش" , وذلك من خلال نشر صورة لبلال أردغان مع رجلين ملتحيين زعم الإعلام الروسي أنهما قياديان في "داعش" .

 

 

لم يكن هناك أي دليل على تلك الشائعة أو ذلك الاتهام الخطير إلا طول لحية الشخصين اللذين ظهرا في الصورة مع نجل أردغان , ليتبين لاحقا أنهما شقيقين تركيين هما : اسماعيل وعلي كيمبر , وهما شريكان في مطعم مشاوي وتوابعها في منطقة الفاتح السياحية في اسطنبول , والذي يرتاده نجل أردغان أحيانا .

 

 

وهكذا سقط افتراء آخر من افتراءات موسكو للنيل من تركيا , وتهاوت شائعة جديدة من شائعات الإعلام الروسي أمام الحقيقة , وهذ لا يعني أن روسيا ستتوقف – على ما يبدو - عن كيل الاتهامات ونشر الشائعات ضد تركيا لإشباع رغبتها في الانتقام , بل ربما ستزداد طمعا في اعتذار تركي لا يبدو أن الأخيرة مستعدة لتقديمه .