كوسوفا إذ يجهض الأوروبيون سيادتها ووحدتها.. نموذج لمنطقتنا
17 ذو القعدة 1436
أمير سعيد

كوسوفا بلا سيادة رسمياً
حسناً، ولكن ما العجيب في هذا؟!

 

 

ليس ثمة شيئاً مخالفاً للمألوف فيما جرى، لا على المستوى المحلي ولا على المستوى العالمي؛ فكوسوفا التي أعلنت استقلالها من جانب واحد، ورفضت كثير من الدول الإسلامية الاعتراف بها، وقاومت استقلالها عن الجمهورية الصربية، لم تحصل على استقلالها فعلياً عن صربيا، كما أنه ليس ثمة أي غرابة في أن تكون كوسوفا دولة فاقدة للسيادة فعلياً، إذ إن معظم الدول الإسلامية لم تحصل على استقلالها بعد، وكثير ممن تسولت كوسوفا اعترافهم بها لم ينالوا أصلاً استقلالهم فعلياً حتى يمكنهم توزيع اعترافاتهم بالاستقلال على غيرهم!

 

لماذا إذن تكتب هذا الكلام ما دامت الصورة بهذه السوداوية، وما ظللنا رهائن هذا الواقع المخزي، وما زالت الغرابة غائبة والجدة منعدمة؟!

 

 

الواقع أن خبراً كالذي بين يدينا يدعونا إلى أن نتأمل ليس في خبث طوية النظام الأوروبي، وتمالئه مع حلفاء الروس ضد المسلمين، فهذا مستقر، وإنما في حبائله الشيطانية، وطرقه الإبليسية، لوأد أي تطلع للمسلمين هنا أو هناك إلى شيء من الاستقلال.

 

 

الخبر كما أوردته وكالات الأنباء تصف فيه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني اتفاقاً وقعه رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوتشيتش ونظيره الكوسوفي عيسى مصطفى يدمر فكرة "سيادة" كوسوفا عملياً بالقول: "إنجاز اليوم يمثل نجاحاً تاريخياً في عملية التطبيع".

 

 

 

لكن ما هو هذا "الإنجاز" و"النجاح التاريخي" على حد وصف المسؤولة الأوروبية التي شجعت على توقيع اتفاق كهذا؟
يقول فوتشيتش إن "رابطة المجتمعات الصربية في كوسوفا التي أنشأت من أجل تعزيز دور الأقلية الصربية في شمال الإقليم وفي غيره من مناطق كوسوفا، ستحصل على صلاحيات واسعة وسيكون لها رئيس ونواب له وبرلمان وشعار وعلم، وستتلقى تمويلا مباشرة من صربيا"، لكن مصطفى اتخذ سبيلاً مراوغاً حين اقتصر على وسائل الإعلام الألبانية ليصرح لها بالألبانية وبخطاب استهلاكي محلي بأن خاطب قومه خطاباً استهلاكياً محلياً وتعمد أن يكون تصريحه لوسائل إعلام ألبانية بلغتها دون تصريح مباشر لوسائل الإعلام العالمية، قائلاً إن "الرابطة لن تحصل على صلاحيات تنفيذية".

 

 

 

ما تحدث عنه فوتشيش دقيق للغاية، لكنه يحمل مسمى مغايراً للواقع، إنها "الدولة الصربية الكوسوفية"، رئيس ونواب له وبرلمان وشعار وعلم وتمويل، وثم أيضاً تزود صربيا "البلديات الصربية الأربع في شمال كوسوفا بالطاقة الكهربائية"، وأيضاً ستعمل شركة "تيليكوم" الوطنية الصربية في كوسوفا لأول مرة منذ عام 1999 في مقابل منح كوسوفا كود دولي!

 

 

"النجاح التاريخي" هذا بنظر راعية الاتفاق، ممثلة الاتحاد الأوروبي، هو أن تفرط كوسوفا في سيادتها، وتقبل بدولة لصرب كوسوفا في شمالها مكتملة الأركان إلا من مسمى الدولة..

 

 

هذا ظلم أوروبي متوقع من حيث الأصل، لكن ليس ذلك هو الأخطر في الأمر..
الأخطر لدينا نحن أيضاً.. إننا وحين نعاين تدخلاً أوروأمريكياً في منطقتنا بذريعة حماية الأقليات، ومطالبة دائمة بحقوق أقليات تعيش في معظمها أفضل من بقية شعوبنا، وهي أقليات في معظمها على غير ديننا، كما الحالة الكوسوفية؛ فإنه يتعين علينا تأمل هذا النموذج الكوسوفي لاستكناه ما يعتمل في فكر الغرب حيال أقلياتنا في بلادنا العربية، والإسلامية الأخرى.

 

 

هل نستبعد يوماً أن يمد كيان (أو دولة) في الإقليم، أقلية ما في دولة أخرى، بالكهرباء والماء والغاز دون بقية سكان تلك الدولة؟ أويمكن أن نرى رابطة تمثل أهل دين أو طائفة تقوم مقام الدولة في رئاستها وبرلمانها وتمويلها وعلما وشعارها، في أي دولة من دولنا العربية والإسلامية؟

 

 

 

بحسب ما نقرأ هنا.. ليس مستبعداً أبداً.

 

يكفي أن تتقارب النماذج لنتصور اقتراب السيناريوهات، ويكفي أن نزداد ضعفاً وتشرذماً لنتوقع الأسوأ، ويكفي أن نطل على الإقليم متفحصين عملية التفتيت السائرة في عالمنا بسرعة عالية جداً اليوم، لنتصور شكل إقليمنا غداً.