الروهنجيا ...إرهاب بوذي ونفاق غربي وتقصير إسلامي
16 شعبان 1436
د. عامر الهوشان

هذا هو واقع مسلمي أركان المحتلة في بورما "ميانمار" - الذين لا تقل نسبتهم عن 20% من عدد سكان بورما - منذ احتلال الملك البوذي "بوداباي" أركان المسلمة عام 1784م وضمها إلى بورما البوذية , وصولا إلى عهد الاحتلال البريطاني لبورما عام 1824م الذي أغرى البوذيين باضطهاد المسلمين للتخلص من مقاومتهم له , وليس انتهاء باستلام الجيش البورمي الشيوعي الحكم عام 1962م وارتكابه مجازر بحق مسلمي الروهنجيا .

وعلى الرغم من مسرحية حل النظام العسكري البورمي لنفسه ونقل السلطة إلى حكومة شبه مدنية تحت رقابة الجيش , وتولي رئيس بورما الحالي "ثين سين" - العسكري المتقاعد - منصبه في مارس عام 2011م , وتصفيق الغرب وثنائه على إصلاحات "ثين" التي لم ير مسلمو الروهنجيا منها أي شيء , إلا أن واقع الإرهاب البوذي تجاه مسلمي الروهنجيا لم يتوقف لحظة واحدة , وممارسة العنصرية بكافة أشكالها وألوانها لم تنته , بل يمكن القول بأن موجة جديدة شرسة من الإرهاب والعنصرية البوذية قد رافقت عهد "ثين" , ولا تزال آثارها الكارثية ماثلة أمام أعين العالم دون أي حراك للتخفيف منه آثاره الكارثية فضلا عن حل تلك المأساة المستمرة .

الإرهاب البوذي
لا يكاد يمر يوم واحد من غير أن ترد أخبار الإرهاب البوذي تجاه مسلمي الروهنجيا , حتى أضحت هذه الأخبار معتادة وروتينية , وكأنها أخبار حالة الطقس أو درجات الحرارة , ولعل أخبار آلاف العالقين من مسلمي الروهنجيا في أعالي البحار يعتبر مثالا صارخا على مأساة ومعاناة هذه الفئة المستضعفة .

وفي أحدث تقرير عن الإرهاب البوذي تجاه الروهنجيا , نشرت صحيفة التقرير غيضا من فيض هذا الإرهاب , وتحت عنوان "وجه الإرهاب البوذي" نقل الموقع ما يجري في معابد البوذيين من تأجيج للكراهية تجاه مسلمي الروهنجيا , وإثارة العنصرية من خلال خطاب مليء بالتحريض على العنف ضد سكان أركان .

داخل أحد معابد مدينة "ماندالاي" ثاني أكبر مدينة في بورما بعد "رانغون" ينشد المصلون البوذيون مع راهب يرتدي ثوبا خمريا ترانيم الحقد والكراهية ضد مسلمي الروهنجيا , وعلى مدى 90 دقيقة من وصف السبل العديدة التي يكره من خلالها البوذي وجود المسلم داخل أرض بورما , يستمر الراهب في تراتيليه الدينية البوذية المزعومة .

الراهب البوذي "يوراثو" (46 عاما) نموذج للإرهاب البوذي تجاه مسلمي الروهنجيا حتى داخل المعبد , فالرجل لا يخفي كرهه وحقده على المسلمين حيث يحرض البوذيين على المسلمين قائلا : " الآن الوقت المناسب للنهوض وجعل الدم يغلي في عرقكم – كرها على المسلمين بالطبع وعنصرية للعرق البوذي - , المسلمون يتكاثرون بسرعة كبيرة , وهم خطر على البلاد وثقافتها , إنّهم يرغبون في احتلال بلادنا ولكن ، أنا لن أسمح لهم بذلك . يجب علينا أن نحافظ على ميانمار بوذية" .

لم يكتف هذا الراهب البوذي بخطاب الكراهية , بل مارس جريمة التحريض على ارتكاب مجازر ضد المسلمين عام 2003م , ويقود حركة تسمى "969" العنصرية التي ترى وجوب تنقية بورما من غير البوذيين , ليستمر بذلك الإرهاب البوذي دون أن يوصف في دول العالم المتحضر بأنه "إرهاب" , ودون أن يعتبر هذا الراهب – وغيرها الآلاف – من الرهبان البوذيين ""إرهابيين" .

النفاق الغربي
على الرغم من المناشدات المتكررة من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية , الإسلامية منها وغير الإسلامية , لدول العالم بإنقاذ مسلمي الروهنجيا من إرهاب الحكومة البورمية والرهبان البوذيين , إلا أن العالم الذي يقوده الغرب - الذي يزعم المدنية والحضارة في كل مناسبة - لم يحرك ساكنا تجاه تلك الاستغاثات حتى الآن , بل ربما يكون له دور رئيس في منح البوذيين الضوء الأخضر لتصفية ما تبقى من مسلمي الروهنجيا .

كانت آخر المناشدات هي صرخة "توم كين" الناطق باسم منظمة الشعب الروهنجي خلال مشاركته في الاجتماع الاستثنائي للجنة الهجرة , حيث قال : "هذه هي وضعية شعبنا في القرن "21" , قُتل الآلاف وهُدمت المنازل واغتُصبت نساؤنا وهُجرنا من أرضنا قصرا .....يا عالم أغيثونا ...أغيثوا شعب الروهنجيا من الإبادة" .

لم تلق صرخة "كين" التي تطرق فيها إلى لجوء آلاف الروهنجيا إلى كل من ماليزيا واندونيسيا هربا من القتل والتعذيب، مفضلين الموت غرقا أو العبور إلى بلد يوفر لهم الأمان.... أي استجابة عملية منتجة من الغرب , اللهم إلا مناشدات خجولة لحكومة ميانمار بالبحث جديا في كيفية التعامل مع طائفة الروهنجيا كما طالب الرئيس الأمريكي بارك أوباما منذ أيام , ومطالبته بوضع حد للتمييز بحق أقلية الروهنجيا المسلمة التي تعيش أوضاعا مزرية مع تفاقم أزمة المهاجرين أمس الثلاثاء , ناهيك عن مطالبة "آن ريتشارد" مساعدة وزير الخارجية الأميركي حكومة بورما إعطاء الجنسية للروهنجيا هربا من الاضطرار لتوطين بعضهم بالولايات المتحدة .

ومن المضحك المبكي أن يطالب أوباما مسلمي الروهنجيا بالبقاء في بيوتهم وأرضهم مع وصول رائحة الموت بجميع الوسائل الوحشية بحقهم من قبل البوذيين إلى قصره الأبيض : " لو كنت من الروهنجيا لكنت سأظل حيث أنا في البلد الذي عاش فيه والداي، لكنني أريد ضمانة أن حكومتي تؤمن لي الحماية" .

مناشدات دولية وأممية , وزيارات متتالية لممثلين عن الأمم المتحدة , وتقارير صاخبة وصارخة من منظمات حكومية ودولية , بل وزيارة ممثلين – ومنهم أمس الممثل الأمريكي "مات ديلون" – إلى معسكرات اللجوء لمسلمي الروهنجيا ..... لم يحرك ساكنا في وضع مسلمي الروهنجيا , بل تزداد مأساتهم ومعاناتهم يوما بعد يوم , وتزداد إجراءات الحكومة البورمية ضدهم وحشية وعنصرية , الأمر الذي يشير إلى نفاق منقطع النظير من قبل حكومات الدول الغربية تجاه هذه الأقلية , فلو وقع عشر معشار ما يحدث في أركان من قبل المسلمين ضد أي أقلية في بلادهم لشنت حروب وحشدت تحالفات لمواجهة ما يسمى "الإرهاب السني" بحق الأقليات !!

التقصير الإسلامي
مع استقبال كل من ماليزيا وأندونيسيا لآلاف اللاجئين من مسلمي الروهنجيا الذين كانوا عالقين في البحر , ومع تحرك تركيا بإرسال سفينة للمساعدة في إنقاذ الآلاف من هؤلاء أيضا , إلا أن الآلاف ما زالوا يواجهون الموت غرقا في عرض البحر .

إن الحقيقة أن التقصير الإسلامي تجاه مأساة مسلمي الروهنجيا هي نتيجة طبيعية لما تعانيه الدول الإسلامية من تفرق وتشتت وضعف وتمزق , وانشغال كل بلد إسلامي بمشكلاته الداخلية والإقليمية الملتهبة في الآونة الأخيرة , نتيجة غفلة واضحة عن مخاطر كان بالإمكان تفاديها أو التخفيف من آثارها لو كانت اليقظة والحذر هي شعار الدول الإسلامية حينها .
لقد اقتصرت مساعدات الدول الإسلامية لمسلمي الروهنجيا على إنقاذ بضعة آلاف منهم من الموت غرقا , أو زيادة منحة طلاب مسلمي الروهنجيا في الأزهر بمصر حسب ما أعلن الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر , أو إرسال قافلة طبية لبورما لا ندري هل ستصل إلى مستحقيها أم لا .

وهي وإن كانت جهودا مشكورة إلا أنها لا يمكن مقارنتها بحجم الكارثة والمأساة التي تواجهها قضية مسلمي أركان , والتي تتطلب حلولا من نوع آخر , تركز أولا على التخفيف من معاناة هذه الفئة المضطهدة , من خلال مضاعفة جهود الإغاثة على مستوى الدول لا المنظمات الإغاثية المحدودة الإمكانات , وتبحث ثانيا عن حلول جذري لهذه القضية الإسلامية الملحة .