الدور الروسي .. قوة مفاجئة أم وظيفة محددة؟
8 رجب 1436
منذر الأسعد

منذ سيطرة فلاديمير بوتن على مقاليد السلطة في روسيا، انطلق (( انقلاب)) تدريجي في الصورة التي يجري تسويقها عن روسيا،لمواطنيها وللعالَم الخارجي في الوقت نفسه.. لكن حظ تلك الصورة من النجاح بقي محدوداً، إلى أن اندلعت الثورة السورية قبل أربع سنوات،فإذا بموسكو تتصدر نشرات الأخبار،وإذا بوزير خارجيتها يصبح (( نجماً))  على الطريقة الهوليودية ومندوبها في مجلس الأمن شخصية شهيرة بين عشية وضحاها، بيده اللئيمة ترتفع بالفيتو في وجه الحدود الإنسانية الدنيا للشعب السوري المظلوم.. فما الذي رفع أسهم روسيا بغتةً وجدد إعلامياً صورة الاتحاد السوفياتي البائد فكأنها فرضت شروطاً جديدة للعبة الأممية، تنهي مرحلة القطب الواحد،التي بدأت بتفكك المنظومة الشيوعية سنة 1991م؟

 

 

عناصر القوة بالأرقام
نستنطق الأرقام العسكرية والاقتصادية، لأنها المؤشّر الأكثر دقة في معرفة حجم كل دولة،بحسب القراءات العملية السائدة.
تمتلك الولايات المتحدة ثاني أكبر جيش في عديده على مستوى العالم، إذ يبلغ عدد أفراد القوات المسلحة الأمريكية 1.5 مليون فرد، في مقابل 2.3 مليون فرد  للجيش الصيني، ثم يأتي الجيش الروسي  في المركز الخامس بمليون جندي.

 

 

وتمتلك الولايات المتحدة  5 آلاف و163 رأساً نووياً لتحل في المرتبة الثانية عالميا بعد روسيا التي تملك 5 ألاف و830 رأسا نوويا. وتأتي الصين في المرتبة الثالثة عالميا بامتلاكها 400 رأس نووي، ثم فرنسا بامتلاكها 350 رأسا نووية ، فيما تحل المملكة المتحدة خامسا بعدد 200 رأس نووي.

 

 

الولايات المتحدة تحتل المركز الأول في امتلاك حاملات الطائرات ، حيث تملك 12 حاملة طائرات ، في الوقت الذي لا تملك بقية دول العالم مجتمعة هذا العدد، فلمملكة المتحدة التي تليها في الترتيب لا تلك سوى 3 حاملات ، وفرنسا تملك حاملتين ، وتملك كل من الهند وروسيا حاملة طائرات واحدة.

 

 

أما على مستوى معدلات الإنفاق العسكري، فإن الولايات المتحدة تتقدم دول العالم بلا منافسة حقيقية، حيث أنفقت الولايات المتحدة طبقا لميزانية عام 2006 بنسبة 45.7% من أجمالي الإنفاق العالمي  البالغ 1.2 تريليون دولار، المملكة المتحدة تأتي وراء الولايات المتحدة بإجمالي إنفاق سنوي تبلغ نسبته 5.1% ، ثم فرنسا بإجمالي 4.6%، فالصين 4.3% .

 

 

تقف الولايات المتحدة على قائمة دول العالم من حيث إجمالي الدخل القومي، فطبقا لإحصاء عام 2006 ، بلغت نسبة إجمالي الدخل القومي الأمريكي27.5%، وذلك من إجمالي الدخل العالمي البالغ 48.2 تريليون دولار، فيما احتلت اليابان المرتبة الثانية بنسبة 9.1 % ، ثم ألمانيا في المرتبة الثالثة بإجمالي 6% ، ثم الصين بإجمالي 5.5 %. ويليهم في الترتيب العالمي كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا والهند..

 

 

نقاط ضعف مزمنة
من المعطيات السابقة،يتبين لكل منصف أن قدرات روسيا متوسطة بمقاييس الدول الكبرى،فهي دون أمريكا كثيراً،كما أن الصين تجاوزتها لتغدو المنافس الفعلي للولايات المتحدة.

 

 

وعلى المراقب الموضوعي أن يستحضر حقيقة جرى تغييبها في ظل التضليل الإيديولوجي المفرط،هي أن موسكو لم تستطع التصدي للهيمنة الأمريكية حتى في زمن القوة السوفياتية التي جاءت على حساب التنمية والحياة المقبولة لسكانها.. دعم الشيوعيون لمواجهة النفوذ الأمريكي ثورات شعبية نادراً وجنرالات طغاة غالباً،لكن الحصاد كان رديئاً في معظم المواسم.

 

 

فكيف يمكن بلداً تراجعت سيطرته على آسيا الوسطى وأوربا الشرقية، أن يتفوق على (( أزهى)) مراحل تاريخه الحديث؟

 

 

كيف وروسيا اليوم من بين أكثر الدول الصناعية فساداً مالياً وإدارياً وأخلاقياً؟
إنه الوهم الذي باعه رجل الاستخبارات بوتن،الذي نسف أحلام الطبقة الوسطى بأن تصبح بلادهم دولة ديموقراطية على الطريقة الغربية، فأقام حكماً شمولياً ((ناعماً)) فهو يحرص على الشكليات لكن نتائج الانتخابات محددة سلفاً،وليس هنالك قيود حقيقية على السلطة التنفيذية التي تحتكر مفاصل صنع القرار وتخضع لها سائر السلطات الأخرى..

 

 

هو الوهم الذي بناه بوتن بقبضة عسكرية واستخبارية خفية لكنها صارمة، وساعده في ذلك الطاقات الهائلة التي تملكها روسيا من النفط والغاز،الأمر الذي هيأ بين يديه أموالاً ضخمة يوظفها في مشروعه السلطوي الاحتكاري.
الرغبة الأمريكية!!

 

 

من يعرف خصائص الشعوب الأنغلوسكسونية يعلم علم اليقين أنهم أناس نفعيون كفلسفتهم تماماً،ولذلك يندهش بعض الساذجين عندما يبدي الخبراء رأيهم المبنيّ على الوقائع،وهو أن الدور الروسي الراهن هو دور وظيفي وليس فعلياً،لأنه ببساطة شديدة ليس سوى حاجة أمريكية لا أكثر..

 

 

إن روسيا السوفياتية- المختلفة جداً عن روسيا المافيوية الحالية- باعت حلفاءها من الأنظمة (( التقدمية)) في كارثة 1967م، باعتراف كبيرهم جمال عبد الناصر،الذي أعلن أن السفير السوفياتي أيقظه في الثالثة فجراً ليبلغه أن الكيان الصهيوني خطط للحرب وسوف يشنها عاجلاً، ولينذره بألا يبدأ الحرب من جانبه!!!

 

 

إن روسيا اليوم بدورها التخريبي في محنة الشعب السوري ليست سوى ممثل يؤدي أدواره القذرة بحسب توجيهات المُخْرج الأمريكي.. ها هي السنوات الأربع تفضح حقيقة العداء الأمريكي لتطلعات الشعب السوري، ومنعها منعاً شرساً ومطلقاً  تسليح الثوار بأسلحة فعالة.. فأنهار الدم السوري تجري بسلاح روسيا وبإشراف واشنطن بحظرها كل سلاح يمكنه لجم آلة العدوان..

 

 

انظروا إلى موسكو التي لطالما لوّحت بأنها سوف تسلّم طاغية الشام صواريخ إس إس 300،لكنها لم تفعل لأن ذلك مرفوض صهيونياً .. وهي لم تفعل ذلك إلا مع خامنئي ولكن منذ أيام فقط،أي: بعد صفقة الملف النووي الإيراني والحصول على الضوء الأخضر الأمريكي..  وما يكشف العجز الروسي الكبير، أنها بينما  أبرمت صفقتها هذه مع طهران لتعزيز دفاعاتها ضد اليقظة العربية الأخيرة – عاصفة الحزم- كانت تتسول الفرنسيين أن يبيعوها حاملات حوامات من طراز مسترال!!