ماذا يجري في الجزائر؟
21 جمادى الأول 1436
خالد مصطفى

كانت الجزائر أول دولة عربية شهدت محاولات لتغيير سياسي حقيقي في رأس السلطة قبل أعوام طويلة من فوران الربيع العربي وذلك عندما اقتربت جبهة الإنقاذ الإسلامية المعارضة من الفوز بانتخابات عام 1992 قبل أن يتم الانقلاب على خيار الشعب والدخول في متاهة كبرى من العنف والقتال أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف قبل أن تهدأ الأمور وتفتح السلطة بابا للمصالحة أسفر عن وجود بعض الأحزاب الإسلامية ضمن العمل السياسي ولكن ظل هناك استبعاد لبعض التيارات الإسلامية خصوصا التي كانت تشكل الأعمدة الرئيسية لجبهة الإنقاذ وهو استبعاد ظل يشكل حالة من عدم الاستقرار في البلاد...

 

الجزائر ظهرت بعيدة نوعا ما عن الدخول في رياح الربيع العربي ليس لأن الأمور تسير فيها على ما يرام كما يظن البعض ولكن لأنها سبقت الجميع وبالتالي كانت تحتاج لفترة أطول لالتقاط الأنفاس وكانت تحتاج لترى إلى أين ستسير الأمور ولعل موجة الاضطرابات التي شهدتها بلدان الربيع العربي فيما بعد نتيجة لعوامل عديدة داخلية وإقليمية وخارجية جعلت التريث والترقب يفرض نفسه في الجزائر طوال الفترة الماضية.. العجيب أنه بدلا من أن تنتبه السلطة في الجزائر لمخاطر ما يمكن أن يحدث وتقوم بتغييرات سياسية حقيقية فقد ركنت للخيار الأسهل وهو بقاء الوضع على ما هو عليه حتى أن الرئيس الحالي أصبح مريضا بشكل يستحيل معه أن يؤدي وظيفته ومع ذلك ترشح لفترة رئاسية جديدة وسط حالة من الضيق والاستنكار من قبل الأوساط السياسية والشعبية...

 

حالة الإنكار التي أصابت العديد من رؤساء دول الربيع العربي ما زالت تصيب البعض دون أن يتعلموا من الدرس فالشعوب قد تبدو هادئة أحيانا ولكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة...استفزت السلطة في الجزائر الشعب المسلم المتدين في الفترة الأخيرة أكثر من مرة دون مبرر واضح حيث قام وزير المالية الجزائري بمنع الحجاب في إدارة الجمارك بحجج واهية في معارضة صريحة للدستور الجزائري الذي ينص على احترام دين الدولة الرسمي وهو الإسلام, ورغم حالة الغضب التي عمت الأوساط الشعبية فإن السلطة السياسية تركت الوزير يستمر في عمله وفي قراره دون أدنى تدخل أو محاولة لتصويبه...

 

في نفس الوقت قام البرلمان بإقرار تعديل على قانون الجنايات بشأن ما يسمى بممارسة "العنف ضد المرأة داخل الأسرة" حيث قاطع الإسلاميون في البرلمان إقرار هذه التعديلات, مؤكدين أنها ستؤدي إلى ضرب الأسرة وتفكيك المجتمع, وقالت "حركة مجتمع السلم" أكبر الأحزاب الإسلامية الجزائرية ، إنها تابعت "بكثير من الصدمة والقلق على مستقبل الوطن ومكوناته الاجتماعية" عملية تمرير مشروع التعديل الخاص بقانون العقوبات بشكل قالت إنه "يتنافى ومصداقية التشريعية والذي يركز في مجمله وتفاصيله على الأسرة وأفرادها الأساسيين الزوج والزوجة", وأكدت الحركة في بيان لها أنها "تثمن كل المكتسبات التي حققتها المرأة الجزائرية" ولكنها في الوقت عينه أشارت إلى ضرورة صون تلك الحقوق "في ظل المحافظة على قداسة الرابطة الزوجية وبنية الأسرة من التفكك والانهيار مع اعتماد المقاربة الشاملة لمعالجة ظاهرة العنف في المجتمع" ورأت أن التعديلات "تخلّ عن التحفظات التي سجلتها الدولة الجزائرية على مضامين الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها و ضرب في العمق لقانون الأسرة"...ليس هذا فحسب فلقد شهدت البلاد مظاهرات عنيفة وصدامات مع قوى الأمن بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم التفات الحكومة لبعض المناطق التي تعاني أكثر من غيره من الأزمات والمشكلات الحياتية حتى وصل الأمر لفرض الطوارئ وسط مطالبات بوجود حلول سريعة خوفا من تفاقم الأزمات وما زالت السلطات تبدي ردود أفعال ضعيفة على كل هذه الأزمات...

 

العديد من القوى السياسية في الجزائر تلح في المطالبة بانتخابات رئاسية جديدة وعزل الرئيس بوتفليقة تظرا لحالته الصحية تجنبا لتدهور الأوضاع إلا أن الحزب الحاكم ما زال يصر على العناد.. فهل يصلح هذا العناد لتمرير ما كان يمكن تمريره على الشعوب العربية من قبل؟!