تداعيات ما يسمى "الإعلان الدستوري" الحوثي
19 ربيع الثاني 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

يبدو أن مسلسل سقوط اليمن بيد الحوثيين المنفذين لأجندة طهران يسير وفق رغبات وأهواء كاتب سيناريو هذا الحدث الجلل والخطير , والذي تشير جميع الوقائع إلى اشتراك كل من أمريكا والغرب وحزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ودولته العميقة في كتابة هذا السيناريو , بل وفي إخراجه على أرض الوقائع , من خلال مشاركة الأخير في مشاهد سقوط العاصمة صنعاء بما لديه من نفوذ في أروقة الجيش ودهاليز أجهزة الامن دون مقاومة تذكر , ومن خلال التغاضي الأمريكي والغربي عن جميع تجاوزات الحوثيين السياسية والإنسانية في البلاد . لقد كانت جميع الأحداث تشير إلى هذه النهاية المأساوية لهذا البلد العريق بإسلامه السني , فمنذ بدايات التغول الحوثي على الدولة اليمنية بعد سقوط صالح وتولي عبد ربه منصور هادي الرئاسة , والمؤشرات تؤكد وجود تحالف حوثي مع الدولة العميقة التي يقودها صالح وأبناءه , ناهيك عن ضوء أخضر غربي أمريكي لمواصلة هذا التغول حتى نهايته بالإعلان الحوثي الذي صدر بالأمس , والذي يعتبر السطر الأخير في مسلسل سقوط اليمن المدوي في قبضة الرافضة . نعم .... لقد أصدر الحوثيون في اليمن ما وصفوه بـ"إعلان دستوري"، حيث حلّ البرلمان، وأمر بتشكيل مجلس تشريعي معيّن من خمسة أشخاص ، يتولى مهام رئيس الجمهورية المستقيل , وتنبثق عنه مؤسسات حكم مؤقتة تدير الأمور في البلاد لسنتن , ونصب الإعلان ما يسمى " اللجنة الثورية العليا " التابعة للحوثيين مرجعية نهائية للعملية السياسية . كما نص الإعلان على تشكيل مجلس وطني من 551 عضواً سيحل مكان البرلمان , ناهيك عن تكليف مجلس الرئاسة مَن يراه مناسبا من أعضاء المجلس الانتقالي أو من خارجه لتشكيل حكومة كفاءات وطنية . وتضمن الإعلان الدستوري كذلك منظومة من الإجراءات والأوامر، من شأنها خلق واقع سياسي جديد في البلاد، في ما بدا استكمالاً لخطوات انقلابية بدأتها جماعة الحوثي في 21 سبتمبر/أيلول الماضي. وقد تذرعت الجماعة بما يسمى "فشل المشاورات مع القوى السياسية اليمنية في إيجاد حل لأزمة الفراغ في السلطة" لإتمام هذا الإنقلاب الصريح والواضح على الدولة والحكومة وما يسمى "اتفاق السلم والشراكة" , وهو بلا شك عذر واه بسبب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وكلفي 21 سبتمبر/ أيلول 2014, لا يمكن حصر تداعيات هذا الإعلان على المستوى المحلي اليمني فحسب , فلا شك أن تداعياته ستتجاوزه ذلك إلى المستوى الإقليمي والدولي : فعلى المستوى المحلي اليمني يعتبر هذا الإعلان بداية مرحلة جديدة في اليمن , شعارها الفوضى والتفرد بالحكم , ناهيك عن محاولة محو الهوية السنية لليمن وتحويله إلى ولاية رافضية , واستدراج البلاد إلى حرب طائفية من خلال تصرفاتهم المعادية لأهل السنة على غرار ما حدث في كل من العراق وسورية ولبنان من قبل . وبالإضافة لما سبق فإن هذا الإعلان يعتبر القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للنظام الجمهوري في اليمن , حيث يسعى الحوثيون إلى إعادة البلد إلى فترة النظام الإمامي الذي ثار الشعب اليمني ضده في مطلع الستينيات , كما يؤكد ذلك المحلل السياسي ياسين التميمي . ولعل القمع الذي تمارسه هذه المليشيات تجاه المظاهرات الحاشدة التي خرجت تعبيرا عن رفضها لهذا الإعلان , واستئثارها بالسلطة دون موافقة بقية الأحزاب السياسية في البلاد , يشير إلى نية الحوثيين استدراج البلاد إلى الفوضى والحرب الطائفية البغيضة إن أصروا على نهجهم الإقصائي التسلطي الطائفي هذا . لم يكن حزب التجمع اليمني للإصلاح و مجلس "شباب الثورة اليمنية" " هما الوحيدان اللذين رفضا هذا الإعلان واعتبراه اغتصابا للسلطة ومصادرة لإرادة اليمنيين , بل يمكن القول بأن جميع الأحزاب والتيارات السياسية في اليمن رفضت هذا الإعلان بما فيها السلطات المحلية والأحزاب السياسية في المحافظات اليمنية الجنوبية , باستثناء حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح , أرجأ إعلان موقفه إلى السبت بانتظار المواقف الإقليمية والدولية حسب مصدر مؤتمري رفيع . أما على الصعيد الإقليمي فلا شك أن هذا الإعلان يمثل الخوة الأخيرة على طريق الهيمنة الرافضية على الحدود الجنوبية للخليج العربي , وهو ما يعتبر تهديدا لأمنها ليس على المستوى السياسي فحسب , بل على المستوى الإقتصادي أيضا , حيث إن سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب سيمثل تهديدا خطيرا لتجارة الخليج واقتصادها , ناهيك عن الخطر الإيديولوجي المتمثل بنزعة نشر التشيع في المنطقة , ومحاولة تغيير الهوية الإسلامية السنية على المنقة . ومن هنا يمكن فهم تنديد دول مجلس التعاون الخليجي بما يسمى "الإعلان الدستوري " الحوثي أمس , والذي اعتبره بيان صادر عن المجلس أمس أنه "نسفًا كاملاً للعملية السياسية السلمية التي شاركت فيها كل القوى السياسية اليمنية، واستخفافاً بكل الجهود الوطنية والإقليمية والدولية التي سعت مخلصة للحفاظ على أمن اليمن واستقراره ووحدته وتحقيق تطلعات الشعب اليمني". , ناهيك عن اعتبار ما حدث باليمن منذ منتصف سبتمبر الماضي انقلابا مرفوضا ولا يمكن قبوله بأي حال، ويتناقض بشكل صارخ مع نهج التعددية والتعايش الذي عرف به المجتمع اليمني، ويعرّض أمن اليمن واستقراره وسيادته ووحدته للخطر . ولعل أشد ما في صيغة البيان هو اعتبار أن "ما يهدد أمن اليمن وسلامة شعبه يعد تهديداً لأمنها ولأمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها وتهديداً للأمن والسلم الدولي"، والتعهد باتخاذ "كافة الإجراءات الضرورية لحماية مصالحها". أما على الصعيد الدولي فلا شك أن لهذا الإعلان تداعيات خطيرة على خريطة التحالفات الجديدة في المنطقة , فلا شك أن ما يقوم به الحوثيون متفق عليه مع الدول الكبرى التي لم تنفي وجود هذا الاتصال والتنسيق مع الحوثيين , الأمر الذي سيقلب موازين القوى والتحالفات في المنطقة , وهو ما سيهدد الأمن والسلام الدوليين , الذي تزعم أمريكا والدول الغربية مرارا على حمايته والدفاع عنه . هذه بعض تداعيات "الإعلان الدستوري" الحوثي الذي أعلن عنه الجمعة , وما خفي من تداعيات وآثار سيكون أعظم إن مر هذا الإعلان دون مواجهة من المكون السني على الصعيد المحلي والإقليمي .