الخمر والسفور والاختلاط.. حين تهون المحرمات باسم الجدل الفقهي
9 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ محمد لافي

مرة أخرى -سبقتها مرات عدة- يثير الكاتب السعودي عبدالله بن بخيت موجة كبيرة من الاستياء والاستنكار بعد أن نفى أن يكون الخمر من المحرمات في الإسلام وذلك من خلال حسابه في "تويتر" الذي قال فيه "لم أجد في القرآن الكريم ما يحرم الخمر، ولا يوجد له عقوبة" ويأتيه التأييد مباشرة على التغريدة ذاتها من السينمائي والإعلامي، صالح الفوزان، بقوله: “لم يثبت أن النبي حد شارب الخمر، وقد شربها الجم الغفير بعد التحريم” (على حد قوله) وكان بن بخيت قد أثار موجات آخرى من الاستهجان بين أوساط المجتمع السعودي كان أبرزها بسبب استهزائه في تغريدة على تويتر بما وعد الله جل وعلا به عباده المؤمنين من الحور العين وأخرى بسبب امتداحه للحم الخنزير.

 

وجاءت تغريدة البخيت بعد فترة وجيزة من العاصفة التي أحدثها الرئيس السابق لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحمد الغامدي بعد ظهور زوجته بجانه كاشفة وجهها ومتزينة في برنامج تلفزيوني على قناة الإم بي سي ليؤكد إصراره على رأيه في جواز كشف المرأة وجهها متزينة وجواز أن يروها الرجال على هذه الصورة, وكان الغامدي أيضاً قد أثار استياءً كبيراً في الأوساط العلمية والدعوية والشعبية قبل قرابة العامين بعد أن أفتى بجواز كشف المرأة لوجهها، ووضعها لصورتها الشخصية على حسابها في مواقع التواصل الاجتماعي، وجواز أن ينظر الرجل إلى وجه المرأة الجميلة والتي تضع مساحيق التجميل، وجواز اختلاط الرجل بها في قاعات الأفراح وفي العمل وفي الجامعات ليخالف بذلك فتاوى كبار العلماء إضافة إلى مخالفته توجيهات الدولة التي تقضي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء.

 

ردود أفعال رافضة
ولم يكن مستغرباً أن تثير حادثة الغامدي وتغريدة بن بخيت  استياء المجتمع السعودي على شبكات التواصل الاجتماعية والتي عادة ما تعكس بشكل كبير رأي النخب العلمية والأكاديمية والإعلامية والشعبية والتي دأبت على رفض ما يخالف الدين والأخلاق وما أقره علماء البلاد, ففي وسم حمل اسم (ابن بخيت يحلل الخمر) اشتمل على ما يربوا المائة وعشرين ألف تغريدة, استنكرت جل المشاركين فيه تعدي ابن بخيت على أحكام الشريعة واستهانته بكبيرة من الكبائر مثل الخمر, مطالبين بمنع مثل هؤلاء من العبث في أحكام الدين والتهوين من شأن الكبائر, كما حذروا من هجمة ليبرالية تستهدف كافة أحكام الدين بدءا بالمسائل الخلافية ووصولاً إلى الأحكام القطعية.

 

كما أن الأمر بشكل مقارب أعقب حادثة أحمد الغامدي وخروج زوجته كاشفة وجهها ومتزينة في برنامج تقدمه الكاتبة الليبرالية بدرية البشر على قناة الإم بي سي, حيث أنشأ المغردون وسماً تحت مسمى (#أحمد_الغامدي_ضيف_بدرية) انتقد الكثير ممن شارك فيه هذا التصرف من الغامدي وزجته وحذر الدعاة والعقلاء من خلاله من انفلات زمام الفتوى وتصدر من لم يشهد لهم بالعلم للحديث عن الحلال والحرام, كما تساءلوا كيف تناقش قناة الإم بي سي الخلاف الفقهي بين النقاب والحجاب, في الوقت الذي دأبت فيه هذه القناة على محاربة الفضيلة وتهوين الاختلاط والعري والعلاقات المحرمة من خلال برامجها.

 

وكنوع من درة الفعل الشعبية, نقل موقع "سبق" عن عدد من المواطنين في مدينة جدة استعدادهم لرفع دعوى حسبة ضد الغامدي "بعد استمراره في إصدار فتاواه المثيرة للجدل والتي تخالف الشرع وأقوال العلماء وتسيء للمجتمع السعودي المعروف بالمحافظة, وضمن المدعون في صحيفة الدعوى ضرورة منع الغامدي من التحدث في الأمور الشرعية، وتركها لأهل الاختصاص وهيئة كبار العلماء، ومنعه من الظهور في وسائل الإعلام وذلك بعد أن أباح الغناء والاختلاط وكشف الوجه، وكتب في ذلك مقالات في وسائل الإعلام..

 

حوادث سابقة:
وقد لا يكون من الممكن حصر الوقائع التي تُظهر بجلاء جرأة على الفتوى من غير المختصين فيها وممن لا يدورون في فلكها وخاصة من إعلاميين وكتاب ليبراليين, ولعل أبرزها وأكثرها إثارة لاستياء والاستنكار ما ذكره الكاتب في صحيفة الجزيرة محمد آل الشيخ في تغريداته على "تويتر" والتي أنكر من خلالها صحة حديثين نبويين، وأعلن عدم اعترافه بهما وهما حديثي بول الإبل وجلد الظهر وأخذ المال, وقال إنها أحاديث ضد الفطرة السوية وإساءة للإسلام. ولم يقف إنكار تلك الأحاديث عند هذا الكاتب فقد انبرت للدفاع عنه, الكاتبة في صحيفة الرياض حصة آل الشيخ التي أنكرت بدورها تلك الأحاديث معتبرة أن من شروط تصحيح الحديث "ألا يخالف بدهيات العقول وألا يخالف القواعد العامة في الحكمة – الطب – والأخلاق وألا يشتمل على سخافات يصان عنها العقلاء". بحسب قولها

 

ليست القضية خلاف فقهي
ومع بسط مجموعة من العلماء وطلبة العلم الأدلة الشرعية وحسم الجدل حول الشبهات التي يثيرها هؤلاء كوجوب تغطية الوجه للمرأة وتحذيرهم من الفتن التي قد تجلبها إباحة كشفها له كما جاء عن سماحة المفتي, والشيخ صالح اللحيدان, والشيخ سعد الخثلان والشيخ عبد العزيز الطريفي, ومجموعة من الدعاة وطلبة العلم, وكذلك من أكد منهم على عدم التهاون في كبيرة شرب الخمر وما قرره الله سبحانه وتعالى من وعيد في حق شاربها, كما أورد ذلك فضيلة الشيخ عبد العزيز الطريفي, والشيخ عبد العزيز الفوزان, والشيخ المغامسي, إلا أن الحادثتين الأخيرتين أظهرتا اصطفافا ملحوظاً في مواجهة العبث الإفتائي الذي استمرأه البعض, والتحذير من تمييع الدين وهدم أحكامه بحجة الخلاف الفقهي والتشكيك في أدلة التحريم وهو ما تقف وراءه غالبا التيارات العلمانية داخل البلاد وخارجها.

 

فبعيد تغريدة بن بخيت حول الخمر, أكد الشيخ عبدالعزيز الطريفي عبر حسابه في تويتر إن الليبرالية طريق أوله هوى وفسوق، وأوسطه كفر، وآخره إلحاد، لا يمكن أن ينتهي التسلسل الفكري لمن اتبعه إلا إلى ذلك" مضيفاً في تغريدة أخرى أن تحريم الخمر متواتر في الوحيين، وسُمّيت (أم الخبائث)؛ لأنها تولّدها أكثر من بقية الكبائر، ومن علامات الساعة استحلالها، ومستحلها كافر بالإجماع.

 

وانتقد الشيخ ناصر بن سليمان العمر وسائل الإعلام المغرضة في دأبها على إبراز من يخرج على الدين وأحكامه, وقال "من الأدلة على انحراف كثير من وسائل الإعلام ما يثار هذه الأيام عن قضية الحجاب, والفتاوى الباطلة حوله وإخراج أناس لم يُعرفوا بالعلم وإظهارهم كمفتين يحلون ويحرمون, ويتولاهم الإعلام ويصفهم بالشجاعة, مؤكدا أن هذا هو دأب الإعلام في وصف من يخرج على الدين بأنه جريء وشجاع. مضيفاً أن هذه الألقاب تغري ضعاف النفوس وتجذبهم نحو الشهرة.

 

أما فضيلة الشيخ عبد العزيز الفوزان فقد حذر من أن الدين أصبح حمى مباحًا لكل دعي ودخيل، وقال "فتجد مَن لا يعرف أركان الصلاة يطعن في القضايا الكبار. مشيراً إلى أن من أعظم صور الابتلاء، ابتلاء المؤمنين بالمنافقين العدو الأشد خطرًا على الأمة من العدو الظاهر، الذين يسعون للحصول على المناصب وإشباع شهواتهموأكد أن هذه التوافه التي تُطرح هدفها شغْل الناس، وأن هذه من الفتن بالمجتمع المسلم، وقد وصل الأمر بالبعض لمساندة الفكر الصفوي الإجرامي على أهل السنة ورموز أهل السنة".

 

وفي تويتر, حذر الكثير من الدعاة والأكاديميين من موجة الاجتراء على أحكام الدين والقول فيه بغير علم, مؤكدين على ضرورة التنبه لمثل هذه الحملات التي تستهدف شرائع الدين وأحكامه ومسلماته وعدم تسطيحها أو تناولها على أنها مجرد خلاف فقهي, خاصة وأن علماء الأمة الكبار أجلوا اللبس في هذه القضايا, معتبرين أن إثارة وإشعال مثل هذه القضايا من قبل الأصوات الليبرالية أو من خلال قنوات لم يعرف عنها إنصافها  للدين وأهله أو الأخلاق أو الفضيلة إنما هي حملات يتم الترتيب لها من قبل أعداء الدين والوطن في أوقات محددة  لإثارة البلبلة بين أبناءه وإشغالهم عن قضاياهم الكبرى وتشجيع التمرد على أحكام الدين من خلال الولوج من بوابة الخلاف الفقهي.

 

وما لم يتم العمل بضوابط صارمة للحد من العبث بالفتوى والأخذ على يد المتهاونين بشعائر الله, فسوف تؤول الأمور لأن يكون لكل امرئ تفسيره الخاص في فضايا الشريعة الذي يأخذ به ويدعو إليه, ولن يتوقف الليبراليون والمغرضون  من إثارة اللغط حول الكثير من القضايا الشرعية وقد يكون بعضها محسوماً بل وأحياناً معلوما من الدين بالضرورة أو حتى قضاياً خلافية, ولكن ليس من وراء ذلك تحقيق نهضة أو فائدة اجتماعية سوى الجدل واللغط والعبور من نافذة الخلاف الفقهي ومن ثم فتح كافة النوافذ.