انهيار أسطورة حقوق الإنسان بأمريكا
19 صفر 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

يبدو أن ما كشفه تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي عن تصرفات عملاء وكالة الاستخبارات المركزية عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول , كان كافيا لإنهيار أسطورة رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لحقوق الإنسان في بلادها , فضلا عن انهياره في بقية دول العالم التي تزعم رعاية حقوق الإنسان فيها.
وعلى الرغم من أن التقرير كشف عن أبشع أنواع التعذيب شدة وقسوة الذي مورس من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد المشتبه بهم , إلا أنه في الحقيقة لم يفاجأ أولئك الذين يعرفون حقيقة علاقة أمريكا والغرب تجاه ملف حقوق الإنسان , تلك العلاقة الإيجابية المزعومة التي بنيت أساسا على الأوهام والأباطيل , ولم تبن يوما على الحقائق والأدلة والبراهين .
لقد كشف التقرير أن مزاعم الولايات المتحدة الأمريكية برعاية حقوق الإنسان لم يكن سوى قناع تحاول من خلاله إخفاء وجهها الحقيقي المليء بالانتهاكات المتكررة عبر التاريخ مع حقوق الإنسان , وأن مساحيق التجميل التي كانت تستعملها أمريكا طوال الفترة الماضية لم تكن كافية لستر التشوهات الكثيرة التي لم تترك مكانا في وجهها إلا وفضحته .
لقد استعرض تقرير مجلس الشيوخ الأميركي أكثر من عشرين وسيلة من أساليب التعذيب التي استخدمتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.أي) ضد سجناء اعتقلوا بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بشبهة "الإرهاب" , ومن أبرز هذه الأساليب : الإيهام بالغرق، والضرب، والتهديد بالكهرباء، وخفض الحرارة , والحرمان من النوم، والتهديدات بالاعتداءات الجنسية، والإذلال....الخ .
والحقيقة أن هذا التقرير فتح الباب واسعا أمام استعراض تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه الانتهاكات , فلم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يقوم مسؤولون أمريكيون بانتهاك حقوق الإنسان , فبرنامج الاحتجاز والاستجواب في وكالة الاستخبارات الأمريكية له تاريخ حديث طويل يعود إلى 17 سبتمبر 2001م , ناهيك عن تاريخ نشأتها المليئ بفظائع الانتهاكات الوحشية ضد السكان الأصليين للقارة الأمريكية .
فقد صادق الرئيس الأمريكي بوش الابن في 17 / سبتمبر على مذكرة سرية تسمح لوكالة الاستخبارات المركزية باعتقال من وصفتهم "الإرهابيين" , وفي 7 فبراير 2002م وقع الرئيس بوش على مذكرة تفيد بعدم تطبيق اتفاقيات جنيف على الصراع العالمي مع القاعدة , وفي أغسطس من عام 2004م أرسل مكتب المستشار العام في "سي آي أي" رسالة مفادها : أن استخدام ما يسمى "وأساليب التحقيق المحسنة" ضد أشخاص محددين لا ينتهك القانون الاتحادي لمكافحة التعذيب , ناهيك عن كشف مكتب المستشار العام عن ثلاث مذكرات سرية عام 2005 تتناول قانونية الأساليب القاسية في التحقيق , ومراكز اعتقال سرية منتشرة في العالم تديرها "سي آي أي" كما كشفت صحيفة الواشنن بوست بنفس العام .
وفي منتصف عام 2007 أصدر بوش أمرا تنفيذيا (رقمه 13440) يؤكد فيه أن برنامج الاعتقال والتحقيق الخاص بـ"سي آي أي" يتوافق بشكل كامل مع التزامات الولايات المتحدة تجاه الفقرة الثالثة من اتفاقيات جنيف، ويخول الوكالة الاستمرار باعتماد أساليب تحقيق معينة يحددها مدير الوكالة , بينما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "سي آي أي" أتلفت فيديوهات تحقيق في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وأقرت الوكالة بهذا الموضوع .
إنه في الحقيقة تاريخ طويل من شرعنة أساليب التعذيب ضد المتهمين بما يسمى "الإرهاب" بعد أحداث 11 من سبتمبر , ذلك الحدث الذي تشير جميع القرائن على استحالة قدرة تنظيم "القاعدة" على تنفيذه , ناهيك عن كثير من الأدلة التي تشير إلى أن الحدث كان ذريعة للنيل من المسلمين وتبرير حملة عالمية شرسة ضد الدين الإسلامي .
ومع مطالبة المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب "بن إيمرسون" وغيره بوجوب ملاحقة المسؤولين الأميركيين الكبار في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الذين خططوا وأجازوا ارتكاب جرائم ، وكذلك مسؤولي الاستخبارات المركزية الأميركية ومسؤولين آخرين بالحكومة اقترفوا عمليات تعذيب .
إلا أن الظاهر أن تلك المطالبات ستذهب أدراج الرياح , تماما كما ذهبت مطالبات المواطنين الأمريكيين السود بمحاكمة ضابط الشرطة ذي البشرة البيضاء "دارين ويلسون"الذي أطلق النار على الشاب الأفريقي الأمريكي الأعزل الأسود "مايكل براون "18 عامًا" ما أدى لمقتله في التاسع من أغسطس الماضي .
إن الحوادث المتكررة الاخيرة التي تنتهك بكل وضوح مبادئ المساواة و حقوق الإنسان المزعومة في أمريكا , تؤكد انهيار هذه الأسطورة التي استخدمتها واشنطن ذريعة لشن حروبها النفعية ضد الدول الإسلامية على وجه التحديد باسم "حماية حقوق الإنسان" المنتهكة أصلا في عقر دارها .