إثارة الفتنة في بلاد المسلمين
12 ذو القعدة 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

كثيرة هي الأهداف والغايات التي تسعى الدول الغربية لتحصيلها من وراء إثارة بذور الفتنة في بلاد المسلمين , بدءا بالسعي لجعل بأس المؤمنين فيما بينهم شديد , وليس انتهاء بصرف انتباه المسلمين عن القضايا المصيرية عبر بعض الشائعات والأكاذيب التي تحاول بثها بين الحين و الآخر .
وإذا كان الغرب قد جنى ثمار إثارة الفتنة بين السنة والشيعة في العالم العربي والإسلامي , من خلال إطلاق يد الرافضة في العراق والشام وغيرهما , فإن عداءه الشديد لهذا الدين يدفعه لإثارة الفتنة في صفوف أهل السنة , من خلال بث الشائعات التي قد تثير مشاعر المسلمين , وخصوصا في بلاد الحرمين التي يتركز فيها معظم معالم ومقدسات المسلمين .
وفي هذا الإطار حاولت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية منذ أيام إثارة الفتنة في بلاد الحرمين , من خلال نشرها مزاعم كاتب بريطاني في صحيفتها , ادعى فيها وجود دراسة أعدت من قبل أكاديمي سعودي تقترح نقل قبر النبي صلى الله عليه وسلم، من مكانه إلى مقبرة البقيع ، وأن السلطات السعودية تناقش هذا الاقتراح .
ورغم مسارعة السلطات السعودية إلى نفي هذه المزاعم , من خلال الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي , والتي أصدرت بيانا في هذا الأمر , اوضحت فيه أن ما تم تداوله حول الحجرة النبوية في المسجد النبوي من أحد الباحثين في دراسة خاصة به لا يمثل رأي الرئاسة ولا توجه الدولة , وإنما هو رأي شخصي للباحث ووجهة نظر خاصة به .
إلا أن ذلك لم يك كافيا لوأد الفتنة وإخماد نارها , حيث كان لا بد من إزالة الشك باليقين , من خلال ظهور الشخص الذي قيل إنه صاحب دراسة نقل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم , ليؤكد أو ينفي ما نسب إليه .
وبظهور عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض ، الدكتور علي بن عبد العزيز الشبل ، الذي نفى مزاعم الصحف البريطانية , يمكن أن نقول : إن فتنة نقل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخمدت في مهدها والحمد لله .
فقد قال الدكتور الشبل في ردٍ على سؤال أحد الحاضرين في مجلس العلم الأول حول دراسته التي توصي بنقل قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- من موقعه الحالي إلى مقبرة البقيع :
"أعوذ بالله من غضب الله سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ....ما ذكر أنه نقل عني في بعض وسائل الإعلام وفي صحيفة "الإندبندنت" عن بحث لي بعنوان : "عمارة مسجد النبي عليه السلام" أنني أوصي بنقل الحجرة النبوية أو هدمها أو نقل رفات النبي إلى البقيع هذا قول باطل لم أقله ولا يصح لي أن أقوله ولا لغيري أن يقوله , بل هو قول كذب باطل مفترى ولا نقول إلا سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم" .
لم يكتف الدكتور الشبل بنفي التهمة الباطلة المنسوبة إليه , بل استطرد قائلا : "النبي صلى الله عليه وسلم إنما دفن حيث مات ، وهو المكان الذي يدفن فيه كل نبي" , كما بين أنه لما اختلف الصحابة رضي الله عنهم أين يدفن نبينا صلى الله عليه وسلم بعد أن مات , جاءهم أبو بكر رضي الله عنه وقال : "إني سمعت النبي يقول : ( يدفن النبي حيث مات ) فرفعوه ورفعوا فراشه ودفنوه عليه الصلاة والسلام في حجرة عائشة حيث مات .
كما أشار إلى عدم جواز إجراء أي تغيير في مكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم , مشيرا إلى سعي من ينشر هذه الشائعات والفتن بين المسلمين للوصول إلى مخططاتهم .
ومع إخماد نار هذه الفتنة لا بد من أخذ العبرة والدرس منها , فما خفي من أمثال هذه الشائعات والفتن أعظم مما هو ظاهر , ولعل من أهم هذه الدروس :
1- المسارعة إلى نفي أي خبر باطل أو معلومة غير صحيحة تنشرها أي وسيلة إعلامية , وخاصة إذا كان الخبر يتعلق بقضية دينية ذات حساسية كشخص الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- كان من المفروض ظهور الدكتور الشبل من أول يوم انتشرت فيه شائعة نقل قبر الرسول المزعومة , وذلك لقطع الشك باليقين , وإخماد الفتنة في مهدها , وتضييع الفرصة على المشككين في كون ما نقلته الصحيفة البريطانية باطلا وكاذبا .
3- منع أي باحث من الخوض في أمثال هذه القضايا المحسومة , والتي لا مجال للرأي أو الاجتهاد فيها , درءا للفتنة وسدا للذريعة , فقد بدأ توسيع المسجد النبوي منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإلى يومنا هذا , ولم يتطرق أحد من علماء السلف إلى هذه المسألة نهائيا , فلا داعي لفتح باب الفتنة تحت أي ذريعة أو سبب .
وإذا كان نبش قبر أي مسلم ونقله إلى مكان آخر حرام إلا لضرورة بينها وفصلها الفقهاء في كتبهم , فكيف بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم !!
لقد ذكرت كتب التاريخ عدة محاولات لنقل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم , باء بإثم أولها الحاكم العبيدي "منصور بن نزار بن معد المصري الإسماعيلي المدعي الربوبية , حيث أشار عليه بعض الزنادقة بنقل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر ، وزين له ذلك , كما تكرر ذلك في زمن الملك العادل نور الدين زنكي "557" هجري , كما يذكر صاحب كتاب "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى" للسمهودي .
ولكن الله تعالى تكفل بحفظ النبي صلى الله عليه وسلم حيا وميتا بقوله تعالى : { ......وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } المائدة/67 .