عنصرية قوانين مكافحة الإرهاب الغربية
9 ذو القعدة 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

بداية لا بد من القول : إن الهدف والغاية من وضع أي قانون يتعلق بمكافحة ظاهرة معينة , هو الحد من تلك الظاهرة بشكل عام , وإيقاف آثار تلك الظاهرة ونتائجها على الفرد والمجتمع , أما أن يؤدي القانون الموضوع لمكافحة ظاهرة معينة من تضخم تلك الظاهرة , وزيادة حدة آثارها ونتائجها على الفرد والمجتمع , فهو بالتأكيد يشير إلى خطأ ما في القانون نفسه , أو خطأ في الأسباب التي أدت للحاجة لوضع هذا القانون في الأصل .
هذا ما يمكن أن يقال في قوانين "مكافحة الإرهاب" الغربية , فعلى الرغم من كثرة الدول التي تبنت وضع قانون خاص "لمكافحة الإرهاب" , وذلك بعد أحداث 11/سبتمبر على وجه الخصوص , حتى لم تبق دولة غربية - أو عربية - إلا ولها قانون خاص لمكافحة الإرهاب , إلا أن ما يسمى "الإرهاب" ما يزال موجودا , بل ربما يزداد طردا مع ازدياد قوانين مكافحته المزعومة .
ولعل السبب يبدو واضحا إذا علمنا أن تلك الدول الغربية تقوم بارتكاب أحد أهم أسباب نشوء الإرهاب ونموه , ألا وهو ممارسة "الإرهاب" ضد فئة معينة من القاطنين على أراضيها – المسلمون في الغرب - , أو ضد المسلمين في الدول العربية والإسلامية , وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ظهور ردة الفعل الطبيعة "المقاومة" , والتي قد تخرج أحيانا عن مسارها الصحيح , ويسميها الغرب "إرهابا" .
إن جميع العقلاء من بني البشر يعترفون بأن "العنف يولد العنف" وأن "الإرهاب الممارس ضد فئة أو شعب أو أمة معينة سيولد مقاومة "إرهابا" حسب مفهوم الغرب , فلكل سلوك إنساني سبب كما هو معروف في علم النفس والاجتماع , فالمظاهر العدوانية التي قد تظهر في سلوك بعض الناس تعود لعوامل و دوافع وأسباب , صنعتها تصرفات وممارسات أناس آخرين .
لقد صنع الغرب ما يسميه "إرهابا" بيديه , من خلال طغيانه واحتلاله لكثير من الدول العربية والإسلامية , ومن خلال سلبه لخيرات الشعوب الإسلامية , ومن خلال تمكين اليهود من احتلال أرض فلسطين العربية الإسلامية , ومن خلال الهيمنة التي يمارسها حتى الآن على الشعوب الإسلامية , ثم يزعم بعد كل هذا "الإرهاب" أنه يريد مكافحته بقوانين تحمل في موادها وبنودها بذور الإرهاب .
إن المتابع لبنود قوانين "مكافحة الإرهاب" في الدول الغربية , يجدها طافحة بالعنصرية والتمميز والازدواجية في أسباب وتوقيت وضعها , وفي ممارستها وتطبيقها , فلا تبرز أهمية وضع قانون جديد لمكافحة الإرهاب , أو تعديل بعض بنوده في الدول الغربية , إلا مع وقوع حادثة تشار فيها أصابع الإتهام إلى المسلمين , أما إن كان الفاعل أو الجاني يهوديا أو نصرانيا أو بوذيا أو ملحدا ... فلا تظهر تلك الحاجة الملحة لوضع قانون جديد للإرهاب أو تعديله , بل يتم التعتيم على تلك الحادثة إعلاميا , وتطوى صفحتها وكأنه لم يحدث شيء .
وإذا تكلمنا عن التطبيق والممارسة فحدث ولا حرج , فبينما تطبق جميع قوانين الإرهاب وملحقاتها على المتهم إن كان مسلما , ولمجرد التهمة أو الشبهة , ودون تحقيقات موضوعية ونزيهة , لا نرى تفعيلا لقانون "مكافحة الإرهاب" مع الجناة إن كانوا من الأديان والملل والنحل الأخرى , ولعل ما نراه اليوم مما يحدث على الساحة العربية والإسلامية خير دليل وشاهد على ذلك .
فبينما لا تطبق الدول الغربية قوانين "مكافحة الإرهاب" على ما يقوم به النظام السوري بشعبه من قتل وذبح وتهجير واعتقال وتعذيب منذ حوالي أربع سنوات , وكذلك على ما فعله المالكي بأهل السنة في العراق منذ ثمان سنوات , نرى تلك الدول تفعل قوانين "مكافحة الإرهاب" ضد ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" , وتسعى لإنشاء حلف دولي لمواجهته ومكافحة إرهابه .
بل إن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ذهب في حماسه لمكافحة ما يسمى "الإرهاب" إلى أبعد من ذلك , فقد أعلن عن حزمة من القرارات لمحاربة "الإرهاب" في بلاده , من خلال تشديد إجراءات السفر جوا , وفرض قيود على تحرك المقاتلين المفترضين , وكذلك تسهيل مصادرة الشرطة لجوازات سفر المشتبه بهم .
وها هي استراليا تسعى لإصدار قانون جديد لمكافحة ما يسمى "الإرهاب" , والذي تعتزم الحكومة الأسترالية إصداره , والذي أثار قلق العرب المسلمين هناك , لكونه – كما هو معتاد – "متحيز ضد المسلمين" و "غير العادل" كما وصف مسلمو أستراليا .
وعلى الرغم من أن أكثر من 65 جمعية إسلامية في أستراليا أصدرت بياناً، عبرت من خلاله عن رفضها لقوانين "مكافحة الإرهاب"، التي اقترحتها الحكومة الأسترالية، مشيرة إلى أن تلك القوانين لا تستند على أدلة واضحة تتعلق بوجود تهديدات محتملة، تواجه الحكومة الأسترالية، من قبل المسلمين الموجودين في سوريا والعراق , إلا أن الحكومة تبدو ماضية في استصدار هذا القانون .
إن قوانين مكافحة الإرهاب الغربية تنضح بالعنصرية و"الإرهاب" , ولو كان الغرب جادا بمكافحة الإرهاب , لحقق أولا مطالب الكثير من المنظمات والهيئات الإسلامية وغير الإسلامية الدولية , في وضع تعريف محدد للإرهاب لتمييزه عن المقاومة المشروعة والدفاع عن النفس , ولعملت ثانيا على حماية حقوق الإنسان في بلادها وبلاد المسلمين , فتقضي بذلك على أسباب ظهور ما يسمى "الإرهاب" .