صراع الهوية في ليبيا
29 شوال 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

منذ أن لاح بالأفق صورة نظام الحكم المستقبلي الإسلامي المتوقع في ليبيا - أسوة بغيرها من ثورات الربيع العربي التي أظهرت رغبة الشعوب العربية بالعودة للحكم الإسلامي - بعد ثورة 17 من فبراير , وانتخاب المؤتمر الوطني العام الليبي عام 2012م , والذي كان بداية صراع سياسي على هوية نظام الحكم المستقبلي في ليبيا , حيث حصل تحالف القوى الوطنية - الليبراليون - بقيادة محمود جبريل على 39 مقعدا من أصل 80 مقعدا مخصصة للأحزاب , بينما حصل التيار الإسلامي على 17 مقعدا فقط . ولكن بالمقابل حصد التيار الإسلامي أغلبية المقاعد المستقلة , والبالغ عددها 120 مقعدا , الأمر الذي جعل من المؤتمر الوطني العام نقطة استقطاب شديدة بين التيار الليبرالي والإسلامي . وبالرغم من أهمية الاستقطاب السياسي , والذي احتدم فيه الصراع بين الإسلاميين والليبراليين ومن ولاهم , فإن الأخطر منه و الأهم كان الصراع العسكري على الأرض , حيث لاح بالأفق شكل الجيش الليبي المستقبلي – الإسلامي - إن سارت الأمور على ما يرام , وهو الأمر الذي أثار حفيظة الغرب ومخاوفه , فبادر لتحريك حلفائه في المنطقة للبدء بثورة مضادة , أسوة بغيرها من دول "الربيع العربي" التي أجهضت ثورتها بثورة مضادة أتت على جميع مكتسبات وطموحات الشعوب فيها . لقد تفاوتت حدة العنف المستخدم في كل ثورة مضادة تبعا لطبيعة وظروف كل دولة من دول "الربيع العربي" , فبينما كانت في بعضها ثورة مضادة ناعمة , أجبر فيها التيار الإسلامي على التنازل عن رئاسة الحكومة حفاظا على الأمن والاستقرار , كانت في دول أخرى عنيفة تسببت في موت الآلاف واعتقال أضعافهم وملاحقة الباقين . وإذا كان نجاح الثورة المضادة في بعض دول "الربيع العربي" بالقوة الناعمة أو المتوسطة ناجما عن وجود القوة العسكرية كاملة بيد غير الإسلاميين , فإن الوضع في ليبيا يبدو مختلفا تماما , فالثوار يملكون من القوة العسكرية ما يجعلهم رقما صعبا , وقوة لا يمكن الاستهانة بها , الأمر الذي جعل الثورة المضادة عسكرية بحتة , و شديدة العنف ضد التيار الإسلامي . لقد تحالف الليبراليون مع أتباع النظام السابق بدعم من الغرب على التيار الإسلامي في ليبيا , ووضع اختيار هذه القوى المتحالفة على اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" ليقود عملية أطلق عليها اسم "الكرامة" , وذلك تحت شعار الغرب المفضل "محاربة الإرهاب" , إلا أن كتائب التيار الإسلامي استطاعت دحر قوات حفتر" أكثر من مرة , وقد استطاعت اليوم السيطرة بالكامل على العاصمة طرابلس بما فيها المطار الذي استمر الصراع عليه عدة أسابيع . وعلى الرغم من وضوح كون الصراع العسكري في ليبيا مرتكز على منذ البداية على الهوية الإسلامية التي أراد خصومها تنحيتها عن قيادة ليبيا مستقبلا , فإن هذا الصراع على الهوية قد أضحى اليوم أكثر وضوحا وظهورا بعد عدة أمور جرت أهمها : 1- دعوة قيادات "تحالف الثوار" المنضوية في إطار عملية "فجر ليبيا" المؤتمر الوطني السابق للعودة لممارسة مهامه , وقد استجاب المؤتمر لهذه الدعوة , وأعلن استئناف جلساته , بل إن الناطق باسم المؤتمر عمر حميدان أشار إلى أن المؤتمر سيبحث في اجتماعه المقبل تشكيل حكومة أزمة انتقالية لتسيير شؤون البلاد تمهيداً لحوارات حول تسليم السلطة إلى البرلمان الجديد . الأمر الذي سيجعل في ليبيا حكومتين وبرلمانيين عاملين وقوتين عسكريتين متصارعتين , وهو ما يشير إلى صراع الهوية الذي نتكلم عنه . 2- قرار "ثوار ليبيا" نزع الشرعية عن البرلمان الجديد الذي قام بعدة تصرفات أدت إلى نزع الشرعية عنه – حسب قولهم - أهمها : • منح البرلمان الجديد صفة الشرعية للواء المتقاعد "خليفة حفتر" والعملية التي يقودها ضد الثوار باسم "الكرامة" . • اعتبار البرلمان الجديد قوات "فجر ليبيا" و "أنصار الشريعة" جماعات إرهابية، بعد سيطرتها على مطار طرابلس . • استدعاء البرلمان الجديد سابقا للتدخل الخارجي ضد الثوار . • قرار البرلمان الجديد حل التشكيلات المسلحة للثوار والتي تنتشر على نحو 85 في المئة من الأراضي الليبية . لا يبدو أن صراع الهوية في الدول العربية والإسلامية سينتهي ما دام في الأرض مسلمون يطالبون بحقهم في أن يحتكموا إلى كتاب ربهم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وأعداء يتربصون بهذا الحق ويعملون على إفشاله وعدم تحققه على أرض الواقع في أي بلد عربي أو إسلامي .