ماذا يحدث في عرسال ؟
8 شوال 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

لم تعد الحرب الرافضية المعلنة على أهل السنة في بلاد الشام على وجه الخصوص خافية على أحد , ففي كل يوم تتوارد الأخبار عن مزيد من تورط كل من طهران ومليشياتها في المنطقة بقتل أهل السنة , سواء في العراق عبر المالكي ومليشياته , أو في سورية عبر النظام السوري والمليشيات الرافضية المقاتلة معه هناك , أو في لبنان الذي يعتبر أسيرا لأهواء وأطماع حزب الله فيه . وعلى الرغم من محاولة جميع القوى والأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية النأي بالنفس عن الصراع الدائر في سورية منذ ثلاث سنوات , إلا أن حزب الله اللبناني خرج وحده عن هذا الإجماع والتوافق اللبناني , ليزج بلبنان في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل , وليجر على هذا البلد الذي يضم جميع الأطياف والتيارات ويلات وتداعيات ما يحدث في سورية . ولم يكتف الحزب بوقوفه مع الظالم ضد المظلوم والمقهور , ولم يتوقف عند حد المشاركة الفعلية في قتل الشعب السوري , بل راح يلاحق ويطارد كل من يتعاطف مع الثورة السورية في لبنان , ناهيك عن إعلانه الحرب على كل من يساعد أو يؤازر تلك الثورة ولو بالخطب والكلام . نعم ...لقد كان لهذا الحزب اليد الطولى في زج الجيش اللبناني في معركة مفتعلة ضد أهل السنة في صيدا – الشيخ أحمد الأسير وأنصاره - , لا لشيء سوى لمطالبة الأخير حزب الله بسحب قواته من سورية , ومناصرته لمطالب الثورة السورية العادلة , ناهيك عن أصابع الحزب الواضحة فيما يحدث في طرابلس منذ بداية الثورة السورية لنفس الأسباب , وإقحامه الجيش اللبناني أيضا في تلك المعركة , في سياسة رافضية باتت واضحة في لبنان , تتمثل بالزج بالجيش اللبناني في كل معركة ضد أهل السنة هناك , باسم الحفاظ على هيبة الدولة ومحاربة الإرهاب .......الخ . وها هو اليوم يحاول الزج بالجيش اللبناني في معركة جديدة ضد أهل السنة , ومسرحها هذه المرة مدينة عرسال الحدودية مع سورية , تلك البلدة ذات الغالبية السنية التي استضافت الآلاف من اللاجئين السوريين , وخصوصا من منطقة القلمون السورية المحاذية لها . لقد تعرضت هذه البلدة الصغيرة لعشرات الغارات والقصف المدفعي من قبل النظام السوري , وراح ضحية هذا القصف عشرات القتلى والجرحى من المدنيين السوريين واللبنانيين , دون أن يتحرك الجيش اللبناني لإيقاف هذه الغارات أو منعها على أقل تقدير , ودون أن يلبي مطالب أهالي البلدة بنشر قوات للجيش اللبناني على الحدود لضبط الوضع الأمني هناك , وتفويت الفرصة على النظام السوري وحزب الله من استهداف المنطقة بحجة وجود مسلحين أو ما شابه ذلك . وعلى الرغم من تحذير كثير من الشخصيات والقوى السياسية اللبنانية من تداعيات تجاهل الدولة اللبنانية لهذه الغارات على عرسال , إلا أن ساكنا لم يحرك في هذا الملف ما دام القتلى والجرحى من المدنيين من أهل السنة , لتأتي اللحظة التي قرر فيها حزب الله الزج بالجيش اللبناني بمعركة مفتعلة ضد أهل السنة في تلك البلدة . لقد اندلعت شرارة الأحداث الأخيرة في عرسال بعد اعتقال سوري يدعى "عماد أحمد جمعة" اتهمته الأجهزة الأمنية اللبنانية بأنه من جبهة النصرة , وأنه كان يخطط لتنفيذ عملية واسعة على المراكز والمواقع التابعة للجيش اللبناني , حسب بيان العماد "جان قهوجي قائد الجيش اللبناني , ولم يكن "جمعة" المعتقل السوري الوحيد الذي تكال له الاتهامات , بل هناك العشرات والمئات منهم في سجون لبنان . لقد خلف القصف العنيف الذي انهال على البلدة من مدفعية الجيش اللبناني وحزب الله اللبناني - وكأنها ليست من لبنان - عشرات القتلى والجرحى من المدنيين السوريين واللبنانيين , ناهيك عن نزوح الآلاف من سكان البلدة إلى مناطق أكثر أمنا . ولا يحتاج المتأمل لما يحدث بعرسال كثير جهد لمعرفة المتسبب بهذه الأزمة , فمواكب حزب الله التي تغادر باتجاه الأراضي السورية عبر منطقة رأس بعلبك اللبنانية القريبة من بلدة قارة السورية الخاضعة لسيطرة النظام ، كانت تتعرض لبعض نيران قوات المعارضة السورية , ناهيك عن خسائر الحزب التي تزايدت في الفترة الأخيرة في القلمون تحديدا , الأمر الذي جعل الحزب يفكر في زج الجيش اللبناني بمعركة بالوكالة عنه ضد قوات المعارضة السورية المتمركزة على الحدود اللبنانية السورية , لإخلاء منطقة القلمون الجبلية من أي تواجد لتلك القوات , وتخفيف الضغط عنه وعن النظام السوري من خلال هذه المعركة المفتعلة . ورغم مناشدة الكثير من التيارات والشخصيات والمؤسسات إفساح المجال لحل المسألة سلميا قبل أن تتفاقم , إلا أن أطماع وأهواء حزب الله بزج الجيش اللبناني بعركة ضد أهل السنة في بلدة عرسال تحول دون الاستجابة لتلك المطالب على ما يبدو . فقد اعتبر لقاء لقيادات سنية عقد في طرابلس برئاسة النائب اللبناني محمد كباره عضو كتلة تيار المستقبل أن "ما يجري في بلدة عرسال السنية ليس إلا حلقة من مسلسل إيراني سوري لإخضاع أهل السنة .. محذرا من أي قرار يحول الجيش اللبناني من مؤسسة وطنية جامعة واجبها حماية كل اللبنانيين ، إلى ما يشبه جيش المالكي " . كما أكد كبارة على أنه "لو قام الجيش بالانتشار على الحدود منذ البداية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه , مشيرا إلى الوساطة التي حاول بعض "الخيرين" القيام بها لمعالجة الوضع ، وطلب الضغط على حزب الله لوقف إطلاق النار والصواريخ على عرسال لكي ينسحب المسلحون . وبنفس هذا المسعى والإطار أعلنت هيئة علماء المسلمين في لبنان أن ما حصل ويحصل في عرسال هو توريط متعمد من قبل حزب إيران للجيش اللبناني في حرب على أهل السنة بالوكالة عنه , واستعادة لسيناريو صيدا بغية تحقيق أهدافه وتصفية المعارضين للنظام السوري , غير مبال بما يراق من دماء أبناء المؤسسة العسكرية والمدنيين , وما يسببه ذلك من فتنة طائفية ومذهبية قد تطيح بالمؤسسة العسكرية وما تبقى من الكيان اللبناني المهشم . كما طالبت الهيئة بالوقف الفوري لإطلاق النار في البلدة ووقف القصف عليها , وفتح المجال أمام سعاة الخير للبحث عن حل سلمي للمشكلة يضمن إطلاق سراح أبناء الجيش , وعودة المسلحين إلى سورية قبل أن ينزلق لبنان بكامله الى أتون الحرب السورية . فهل سيستجيب الجيش اللبناني لهذه النداءات الساعية لرأب الصدع ومعالجة الأمور بحكمة وروية ؟! أم إن رغبة حزب الله في الزج بالجيش اللبناني بمعركة مفتعلة بالوكالة ضد أهل السنة ستطغى على صوت العقل ؟؟