فتوى العلماء في "خلافة داعش"
5 رمضان 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

لم تكن مشاعر الشك والريبة عند عامة المسلمين من إعلان تنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية" عن قيام الخلافة الإسلامية نابعة من فراغ , فممارسات التنظيم في سورية أثارت الكثير من علامات الاستفهام حوله , وعدم موافقته على الاحتكام إلى مرجعية شرعية مشتركة بين جميع الفصائل المقاتلة هناك لحل الخلافات فيما بينهم , والإصرار على جعل محاكمه الشرعية المرجع الوحيد للتحكيم , بل ومحاربة وقتال وقتل كثير من مقاتلي الفصائل الأخرى زاد من الريبة والشك أكثر فأكثر .
وإذا كان الشك والريبة هو موقف عامة المسلمين من إعلان تنظيم "داعش" الخلافة الإسلامية مؤخرا , فإن موقف العلماء والفقهاء والهيئات العلمية والإسلامية من هذا الإعلان , كان أكثر وضوحا وأشد تمحيصا لهذا الحدث التي نال قسطا كبيرا من الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي .
فقد توالت ردود الفعل إزاء إعلان تنظيم الدولة الإسلامية "الخلافة"، ومبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي على رأسها، ودعوة "المجاهدين" إلى الهجرة لدار الخلافة في المناطق التي يسيطر عليها بسوريا والعراق , وكان من أبرز ردود العلماء بشكل فردي أو جماعي :
1- بيان هيئة علماء المسلمين بالعراق : التي تعتبر الممثل الأبرز لعلماء العراق ولأهل السنة فيها بشكل عام , كما تعتبر الجهة المعنية بالقضية أكثر من أي جهة أخرى , فهي أعلى هيئة علمية شرعية في العراق اليوم , ومن شأنها البت في قضايا العراق المصيرية , وهل هناك قضية مصيرية أكثر من "إعلان الخلافة الإسلامية" على أراضيها !!
وقد رأت الهيئة "أن إعلان أي جهة قيام دولة أو إمارة إسلامية أو غير إسلامية في ظل هذه الظروف لا يصب في صالح العراق ووحدته" ، موضحة أن الأمر "سيُتخذ ذريعة لتقسيم البلد وإلحاق الأذى بالناس".
وهذا أمر مبني على قاعدة أساسية في فقه مقاصد الشريعة الإسلامية , ألا وهي قاعدة "جلب المصالح ودرء المفاسد" , فإذا كان إعلان الخلافة الإسلامية سيجلب الضرر ويلحق الأذى بالبلاد والعباد , ولا يحقق للمسلمين المنفعة المأمولة منه , فهو لا يعدو أن يكون اسما دون حقيقة ومسمى , وبالتالي فهو أمر لا يجوز شرعا بناء على فقه المقاصد والقواعد الفقهية الإسلامية .
ومن جهة أخرى أظهرت الهيئة في بيان لها عدم اكتمال عناصر إقامة الخلافة الإسلامية على أرض الواقع , فذكرت أن "هذه الخلافة قد أُعلنت في مناطق ما زال القتال مستمرا فيها" ، مبينة أن "القائمين عليها في المناطق الآمنة منها عاجزون عن توفير الحدود الدنيا من وسائل العيش لأهلها".
وتبعا لما سبق فقد أفتت الهيئة أن "هذه الحالة – إعلان الخلافة - غير ملزِمة شرعا لأحد"، كما نصحت بالتراجع عن هذا الإعلان "خدمة للثورة والثوار ومراعاة لمصالح العباد والبلاد" .
2- لم تكن هيئة علماء المسلمين بالعراق وحدها من انتقد هذا الإعلان وأفتى بعدم تأثيره على أرض الواقع , فضلا عن عدم إلزامه أي مسلم بتبعاته وتكاليفه , فقد علق الدكتور الريسوني - نائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين - على إعلان "داعش" للخلافة بقوله :
"إن الإعلان عن قيام ما سمّي بـ"الخلافة الإسلامية" في العراق ، ليس أكثر من وهم وسراب وأضغاث أحلام ، سواء من حيث الواقع الفعلي ، أو من الناحية الشرعية".
واعتبر الريسوني أن إعلان هذه الخلافة ليس سوى خرافة ، والبيعة المزعومة تمّت من أشخاص مجاهيل لشخص مجهول ، في صحراء أو في كهف من الكهوف , فهي بالتالي لا تلزم ولا تعني إلا أصحابها .
3- لم يكتف تنظيم ما يعرف بـ"جيش العزة والكرامة" في العراق بانتقاد إعلان "داعش" للخلافة الإسلامية" , بل اعتبر أن عدم ذكر العاصمة العراقية "بغداد" في بيان تنظيم الدولة "يثير الشك والريبة"، ويفهم منه أن التنظيم قد تخلى عن بغداد في المعركة ، وأنه بات يهدد الفصائل الأخرى بالقتل إن لم تبايع ، وهو ما سيؤدي إلى وأد الثورة في البلد والحفاظ على "جيش نوري المالكي"، على حد تعبيره .
وما يهمنا من البيان هو الفتوى التي جاءت في آخره , والتي تؤكد أنه بعد الرجوع إلى أهل الفقه والإفتاء ، فإن هذه البيعة غير ملزمة وغير منعقدة ولا تتوفر فيها القاعدة والأرضية المناسبة .
4- منظر التيار السلفي الجهادي عصام البرقاوي الشهير بـ"أبي محمد المقدسي" , الذي أعلن عن تحفظه وتشكيكه بإعلان قيام "دولة الخلافة" من قبل تنظيم الدولة الإسلامية ، وأعاد تأكيد موقفه السابق من التنظيم ودعوته للخروج عليه .
وشككت رسالة المقدسي التي نشرها منبر التوحيد والجهاد - الموقع الرسمي للمقدسي- بشدة في إعلان "دولة الخلافة" ، معتبرا أن ما يهم هو ما سيرتب القوم على هذا الإعلان والمسمى : هل ستكون هذه الخلافة ملاذا لكل مستضعف وملجأ لكل مسلم ؟!! أم سيُتخذ هذا المسمى سيفا مسلطا على مخالفيهم من المسلمين ؟! ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة ؟! ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم؟!
وختاما يمكن القول : أن غاية آمال المسلمين في كل أرجاء العالم هي وحدة الصف الإسلامي السني واجتماع كلمتهم , وقد استبشر المسلمون خيرا بعد الذي حصل من فتوحات في العراق على يد الثوار , وكانوا يتمنون أن تكون هذه الصفحة ماحية وناسخة لصفحة أخطاء وممارسات "داعش" في سورية , إلا أن إعلان التنظيم "الخلافة الإسلامية" منفردا أعاد الريبة والشك إلى قلوب وعقول المسلمين .
فهل سيعود التنظيم إلى رشده بعد كل هذه الفتاوى والانتقادات لإعلانه ؟!! أم سيبقى يكابر بأنه وحده على الحق وأن باقي الأمة على الباطل ؟!