لمصلحة من شرعنة زيارة القدس المحتلة؟؟
1 رجب 1435
د. عامر الهوشان

في مشهد يذكر بكثير من الشعارات واللافتات البراقة التي كانت تتحدث عن الأقصى والقدس بحمية لفظية وشكلية قوية وانفعالية , بينما هي في الحقيقة والواقع لا تخدم إلا أعداء الأمة الإسلامية على مدى عقود من الزمان خلت , يختتم مؤتمر "الطريق إلى القدس" أعماله اليوم الأربعاء في العاصمة الأردنية عمّان .
وبينما كان المأمول من مثل هذه المؤتمرات دعم القضية الفلسطينية وإيجاد السبل والوسائل الكفيلة بتحرير القدس والأقصى من يد الكيان الصهيوني الغاصب ، نجد أن معظم هذه المؤتمرات تغرد خارج السرب , بل في أحيان كثيرة تغرد في اتجاه آخر يتناقض تماما مع مصلحة هذه القضية الإسلامية الخطيرة .
ويبدو أن المؤتمر الأخير لم يخرج عن هذا الإطار , فقد أكد بعض المشاركين فيه أنّ الهدف الأول من انعقاده هو استصدار "فتوى" تجيز زيارة العرب والمسلمين للقدس المحتلة رغم رفض ذلك من علماء ومؤسسات مقدسية .
وكشف مشاركون بارزون في المؤتمر كواليس جلسة أمس الثلاثاء , حيث طُلب من العلماء "صراحة" استصدار فتوى تجيز زيارة القدس - بهدف دعم صمود أهلها- تخالف الفتوى الحالية الصادرة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الدكتور يوسف القرضاوي وغيرها من المؤؤسات الدينية الفلسطينية والعربية .
ومع اعتراض مفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني قائلا : لا يمكن إصدار فتوى بهذا الشكل" لأنها لا تعني سوى التطبيع مع إسرائيل , ومع محاولة ممثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في المؤتمر علي القره داغي الحديث والتعليق ، إلا أن إغلاق الجلسة حال دون ذلك .
والحقيقة أن المسلم الغيور على دينه ومقدساته , والمطلع على الواقع الأليم الذي يشهده المسجد الأقصى ومدينة القدس , يستطيع أن يلحظ السيناريو الجديد المعد للتطبيع مع هذا الكيان الغاصب , تحت شعار مساندة المقدسيين والفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الصهيوني .
وقد ظهر جليا أن المؤتمر كان يهدف منذ البداية لاستصدار فتوى من الحاضرين تجيز زيارة القدس والأقصى للعرب والمسلمين تحت سلطة الكيان الصهيوني , كما صرح بذلك أحد المشاركين "ياسين حمود" رئيس مؤسسة القدس الدولية حيث قال :
"دُعينا إلى مؤتمر بعنوان الطريق إلى القدس، وما فهمته أننا سنبحث كيف نعين أهلنا في القدس ونعزز صمودهم، والأهم كيف نسعى لتحرير القدس , واضح منذ البداية أن هناك من يريد أخذ المؤتمر إلى مسار واحد هو إجازة زيارات العرب والمسلمين للقدس ، بحجة تكثير سواد المسلمين في المسجد الأقصى" .
وبعيدا عن الانحياز لرأي طرف دون طرف في هذا المؤتمر , فإن الموضوع يتعلق بفتوى دينية خطيرة وذات أثر كبير على القضية الفلسطينية , وبالتالي فلا بد من أخذ جميع الاعتبارات التي تدعم كل رأي على حدة , لمعرفة الحق من الباطل والصحيح من السقيم :
1- بداية لا يمكن استصدار أي فتوى مهما كانت صغيرة في مؤتمر يحضره سياسيون وبرلمانيون مع علماء الشريعة الإسلامية , فاستصدار الفتوى لا بد أن يجتمع بشأنها مجمع فقهي أو ما شابه ذلك , لكونهم أصحاب الاختصاص والعلم بالمسألة المراد الفتوى بشأنها , وهو ما لم يكن متوفرا في هذا المؤتمر , وقد نبه على هذا الأمر الدكتور علي القره داغي الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين .
2- بينما صدرت فتوى تحريم زيارة العرب والمسلمين - باستثناء الفلسطينيين - للقدس والأقصى الشريف من مؤسسات علمية إسلامية مرموقة ومعروفة , كاتحاد علماء المسلمين على لسان رئيسه الدكتور يوسف القرضاوي , والأزهر الشريف عام 2012م , وكثير من المؤسسات الإسلامية الفلسطينية والمقدسية على وجه الخصوص , لم تصدر فتوى الجواز إلا من شخصيات وأفراد لا يمكن أن تقارن أو تقاس بفتاوى المؤسسات والجهات المعنية كالأزهر واتحاد علماء المسلمين .
3- ثم إن أدلة المانعين أقوى بكثير من أدلة المبيحين والمجوزين , فبينما علل المحرمون للزيارة – وعلى رأسهم الدكتور يوسف القرضاوي واتحاد علماء المسلمين - بأنها تضفي شرعية على كيان غاصب لأراضي المسلمين، ويجبر المسلمين على التعامل مع سفارة العدو للحصول على تأشيرة منها , إضافة إلى أن المسلم يجب أن يشعر أنه محروم من زيارة المقدسات الإسلامية بالقدس ليكون ذلك دافعا له على أن يدخل القدس، وهي محررة على يد المسلمين ولا يدخلها تحت راية "الإسرائيليين" , لا نجد للمبيحين أي دليل على الجواز اللهم إلا دعوى مساندة المقدسيين على مواجهة الاحتلال الصهيوني .
وهي في الحقيقة حجة واهية , فمن المعلوم أن الكيان الصهيوني يتحكم بكل مداخل ومخارج فلسطين المحتلة فضلا عن القدس والأقصى , وأن السلطة الفلسطينية وزعمائها لا تملك حرية التجوال في الأرض المحتلة , فضلا عن أن تعطي لغيرها من العرب والمسلمين الرخصة بزيارة القدس والأقصى الشريف .
وفي هذا الصدد لا بأس أن نذكر بما كتبه "عبد الباري عطوان" في مقال له بعنوان : "أخطأ عباس ...وأصاب القرضاوي" , حيث ذكر أن الاحتلال الصهيوني سحب تصريح التنقل الذي كان يستخدمه الرئيس عباس نفسه داخل مناطق السلطة او خارجها في فترة سابقة , كما أن مئات الآلاف من أبناء الضفة الغربية ، ناهيك عن أبناء قطاع غزة ، ممنوعين من زيارة المدينة المقدسة والصلاة في أقصاها ، وهم يتواجدون على بعد أمتار منها ، فكيف ستسمح السلطات الاسرائيلية لمئات الآلاف من العرب والمسلمين بزيارتها ؟؟ , مؤكدا أن زيارة العرب والمسلمين للقدس المحتلة ستخدم الاقتصاد الاسرائيلي أكثر من خدمتها لاقتصاد أبناء القدس .
وما يلفت النظر في قضية زيارة العرب والمسلمين للقدس والأقصى , أن معظم المؤسسات والهيئات العربية والإسلامية كانت تدعم رأي التحريم والمنع , حتى أن
مسؤول "باتحاد كتاب مصر" أعلن أن هيئة الاتحاد قد عقدت اجتماعا طارئا لبحث زيارة مفتي الديار المصرية الدكتور "علي جمعة" آنذاك للقدس عام 2012م ، وأعدت مشروع قرار بفصله من عضوية الاتحاد، وذلك القرار نتاج خروجه عن إجماع المصريين على عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني بأي صورة من الصور كما يقول المسؤول .
فلماذا هذا التغير في المواقف ؟ ولماذا هذه الحملة الشرسة على فتوى تحريم زيارة القدس والأقصى ؟ ولمصلحة من شرعنة الزيارة وإباحتها في هذا التوقيت ؟؟