الجزائر: هل تتمخض الانتخابات عن الجديد
17 جمادى الثانية 1435
عبد الباقي خليفة

خرج ملايين الجزائريين يوم17 أبريل لانتخاب رئيس جديد من بين 6 مرشحين،يمثل علي بن فليس المنافس الأكثر حظوظا في الجو السائد بالجزائر في الوقت الحاضر، حيث يحظى برضا الجيش، المؤسسة المهيمنة في البلاد، أوصانعة الرؤساء، كما يقول الجزائريون . وقد شاب الحملة الانتخابية الكثير من التصريحات التي تتوعد الربيع العربي من قبل، رئيس حملة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي وصف نظامه بأنه" الفليتوكس" { مبيد حشري} الذي سيقضي به على الربيع العربي، على حد قوله. واتهام بوتفليقة بن فليس بالإرهاب. في حين كان الأخير يحذر من توجهات رسمية لتزوير الإنتخابات، وخرجت قبلها مظاهرات منددة بترشح بوتفليقة لولاية رابعة. 

 

 صراع داخل النظام أم مسرحية : رغم أن عدد المرشحين 6 إلا أن حملة بوتفليقة ركزت على علي بن فليس، مما جعل الأخير يشتكي مما وصفها بالحملة المنظمة ضد شخصه، وأدان توجهات التزوير" التزوير حرام، واستعمال المزور حرام، وسياسة التزويرحرام".. وقد حاول بن فليس استقطاب قواعد الأحزاب والحركات الإسلامية، واعدا بمزيد الحريات، كما إن استخدام سياسي جزائري لمصطلحات الحلال والحرام فيه دغدغة لعواطف الشعب الجزائري، الذي لم يحدثه الساسة في الحكم من قبل عن الحلال والحرام، ولم ير ذلك مطبقا على أرض الواقع. وقد رد بن فليس{ ابن النظام، ورئيس وزراء سابق} على الحملة الموجهة ضده بالحديث عن غسيل النظام الذي أنتجه" تعودوا على سلب كلمة الشعب، وتعودوا على سرقة إرادته، وما زالوا يطمعون في استمرار العادة القديمة، عادة التزوير واستعمال المزور" وبهذه الكلمات شرح بن فليس كيف تحكم الجزائر بعد خروج جيوش فرنسا، من البلاد وبقيت سياستها. وطالب الشعب الجزائري بأن لا يسكت عن تزوير إرادته، وسلب إرادته، ودعاهم بأن لا يقبلوا بالتزوير إن وقع.

 

لم يتحدث المرشحون عن امكانية عودة ، الجبهة الاسلامية للانقاذ، للعمل السياسي العلني والقانوني، ولا فتح ارشيف الاستخبارات الجزائرية أمام العموم أوعلى الأقل أمام الضحايا، لم يتحدث أي من المرشحين عن امكانية فتح باب المحاسبة ومراجعة ارشيف النفط الجزائري، رغم وعود بن فليس لمحاربة الفساد، دون توضيح كيفية ذلك، لا سيما وأنه ابن النظام ؟ لكن بنفليس تحدث عن فتح الحدود مع المغرب وإعادة بعث اتحاد المغرب الكبير، وتمكين المواطنين من التنقل بين دوله ببطاقة الهوية، وهي أفكار تدغدغ الشعب الجزائري الذي تضرر كثيرا من اغلاق الحدود، حيث أظهرت التجارب أن الجزائريين أكثر اقبالا على منتوجات المغرب أكثر من حاجة المغاربة للمنتوجات الجزائرية، وذلك بسبب وفرة الانتاج المغربي، وقلته في الجزائر، ووجود سوق مفتوح في المغرب وغيابه في الجزائر . ويعود ذلك لطبيعة الحكم في كلا الدولتين. فالمغرب أكثر انفتاحا على المستويين الاقتصادي والسياسي من الجزائر التي لا تزال تمارس دورا رعويا على شعبها.

 

وبسبب ارتفاع نسبة الطلاق في الجزائر، بما لم يسبق له مثيل، فقد تنافس كل من بوتفليقة وبنفليس في الحديث عن منح للمطلقات، بل إن بنفليس أكد على أن فكرة صندوق للمطلقات ، سرقها بوتفليقة من برنامجه. أما التنمية وتحسين الوضع الاقتصادي فقد تحدث عنها الطرفان ، وحتى الاطراف الاخرى المشاركة في السباق الرئاسي، وهي تحصيل حاصل، إذ أنه لا أحد يملك عصا سحرية تقول للشئ كن فيكون.

 

ثورة أم زوبعة في فنجان: الاحزاب الاسلامية، وعدد من الاحزاب الجزائرية الأخرى قررت مقاطعة الانتخابات ونظمت يومي 15 و16 أبريل الجاري وقفات شعبية  في عدة ولايات من بينها المدية وقسنطينية، ووهران، وباتنة، والشلف، وورقلة ، وغيرهادعت فيها لمقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها. كما نظمت تنسيقية الاحزاب الرافضة لطريقة الانتخابات عدة اجتماعات في مقر، حركة مجتمع السلم، تم فيه وضع الخطوط العريضة لما بعد الانتخابات التي أكدت فيها توجه رسمي لتزوير الانتخابات "الانتخابات ستكون حتما مزورة وستؤدي النتائج إلى توسيع دائرة الشعور بعدم الرضا لدى بن فليس " وتوقعت التنسيقية التحاق بن فليس بالتنسيقية " التي تريد انتقالا ديمقراطيا سلميا بمشاركة كافة الاطراف الفاعلة في الساحة السياسية".

 

ممثلو الرئيس بوتفليقة، حذروا من النزول إلى الشارع ، يوم 18 أبريل وما بعده ،ومن بينهم عمار سعداني،الذي وصف ذبك ب" الفوضى والزج بالجزائر في مستنقع العنف". وأشار لفوز بوتفليقة في حين قال بن فليس أن ساعات تفصله عن قصر الرئاسة، لا سيما بعد الصعوبات التي لقيتها حملة بوتفليقة في الشارع الجزائري حيث تم التضييق على أنصاره وحشروا في قاعات تحت الحراسة. ويخشى في حال فوز بوتفليقة من تنفيذ جانب من المعارضة وأنصار بنفليس تهديدهم بالنزول للشارع للاحتجاج الذي يخشى أن يعيد سيناريو التسعينات، بيد أن النزول إلى الشارع في حال حدوثه، سيكون مدويا، إذ يقف جانب من المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني مع بنفليس، وليسا موحدين كما حدث في 1991 م عندما منعت الجبهة الاسلامية للانقاذ من الحكم بقوة الحديد والنار رغم فوزها الواسع  في الدورة الاولى من الانتخابات. وقد هاجم عبدالقادر بن صالح ،الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، في اجتماع بوهران لصالح بوتفليقة دعاة النزول للشارع واصفا تهديداتهم ب" غير المسؤولة" وما وصفها بزلاتهم اللفظية ب" غير المرغوبة" وهددهم"إياكم ثم إياكم اللعب بالنار" وتابع" دعوة الشعب للنزول للشارع خط أحمر" وواصل" الادعاء بأن الانتخابات محسومة ادعاءات خائبة " داعيا إلى ما وصفها ب" الثقة في الشعب وفي صناديق الاقتراع".

 

القوات الامنية والعسكرية في الجزائر، والتي يعتقد بأنها تمسك بخيوط اللعبة، يبدو أنها مرتاحة لكل من بوتفليقة وبنفليس على حد سواء، فكلاهما ابن النظام، وكلاهما يتبنى الخط السياسي للمؤسسة العسكرية، لا سيما فيما يتعلق بنوعية المجتمع وتنميطه، وكذلك في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فبن فليس ورغم اعلانه عن نيته فتح الحدود مع المغرب في حال فوزه، استدرك قائلا "لن نفرط في قضية الصحراء الغربية " وهو النقطة التي يتمسك بها الجيش،الذي يريد حرمان المغرب من جزء هام على الأطلسي واعلانه دولة مستقلة يكون للجزائر دور في تنظيمها وإدارتها. ولذلك بدا بن فليس مرتاحا لموقف الجيش، ولعملية تصويت عناصر الامن والجيش، خارج الثكنات.واصفا ذلك بالتطور المهم.

 

الخراج في جيب الجيش: ورغم أن نتائج الإنتخابات التي تمت في الخارج، كشفت عن وجود تقارب بين بوتفليقة وبن فليس،في عدد الأصوات التي حصل عليها كل واحد منهم، إلا أن استطلاعات الرأي، والحضور الجماهيري في حملتيهما الانتخابية كشفت عن امكانية فوز بن فليس على بوتفليقة، في حال لم تتم عملية تزوير الإنتخابات ، حيث يؤيد جنرالات متقاعدين، ووزراء سابقين، وأحزاب صغيرة ترغب في التغييرلصالحها. اللافت للانتباه هو انحياز التجمعات اليسارية، بما في ذلك رئيسة الحزب العمال الجزائري، لويزا حنون، لجناح بوتفليقة ضد بنفليس، ولم تهاجم الأول في حين ركزت في حملتها الانتخابية على مهاجمة علي بن فليس. وهو ما يؤكد على نجاح خطة استقطاب الفاعلين السياسيين في قطبين لنفس النظام الذي حكم الجزائر منذ خروج الجيش الفرنسي من البلاد { وبقيت فرنسا } فبن فليس يستميل المحافظين، وبوتفليقة يتحالف مع الفرنكفونيين ، وقد سقط كثير من الأطراف في هذا الفخ . لكن الأمر لم يقف عند ذلك الحد أو ذلك المستوى من الاستقطاب السياسي، فهناك حركات ظهرت على وقع الانتخابات تدعو للتداول السلمي على السلطة، ووقف النهب المنظم لمقدرات الجزائر، واستمرار ألاعيب العسكر عبر تحريك أحجاره على رقعة الشطرنج ، واستبدال قيد بقيد وقفص بقفص وبيدق ببدق . فقد ظهرت حركة" بركات " بمعنى " كفى " وبزاف بمعنى ، كثير، لكن مهاجمة هذه الحركات لبن فليس، وضع العديد من الأسئلة والشكوك بخصوص اختراقها من قبل أجهزة الدولة الجزائرية ، وتحديدا أجهزة الاستخبارات الضليعة في عمليات الاختراق حتى العظم للتنظيمات السياسية والمدنية المختلفة . ويتهم كثير من الجزائريين النظام القائم، بأنه يقوم بمسرحية مكشوفة ،في حين يرى بعض الأوساط المطلعة وجود صراع حقيقي على السلطة بين أجنحة النظام قد تتطور إلى درجة كسر العظم، فلأول مرة منذ 20 سنة تصل الحدة بين المتنافسين إلى درجة التهديدات بما يذكر بما جرى في الثورة الفرنسية، التي حمل بعضهم بعضا إلى المقصلة بعد الانتهاء من خصومهم ، وكان الواحد منهم ينتصر على جثث خصومه من داخل التوجهات نفسها. بل أن جهات جزائرية مطلعة أكدت خلو الحملات الانتخابية من الدعاية السياسية عبر وسائل الاعلام ، وغياب المناظرات الاعلامية، مما ترك الأمر للحسم في الشارع بين مؤيدي المتنافسين ، وسجلت العديد من الاصابات.

 

 فوز بوتفليقة، أوبنفليس، لن يحدث تغييرا كبيرا في الجزائر، سواء على صعيد السياسة الداخلية أوالخارجية، لأنهما كما يقول خبراء ، جرمين في فلك تقليدي حكم الجزائر منذ انقلاب هواري بودمين في ستينات القرن الماضي.