مسلمو السنغال.. طموح إلى المستقبل
6 جمادى الثانية 1435
علا محمود سامي

يعتبر مسلمو السنغال كغيرهم من مسلمي القارة الإفريقية، إذ يعيشون أوضاعا صعبة تعكس ضعف شوكتهم، وعظم تحدياتهم التي تواجههم، غير أنه وعلى الرغم من كل المشاكل التي تعترضهم،إلا أنهم دائما ما يتطلعون إلى بناء مستقبلهم، والطموح إلى تحسين أوضاعهم المعيشية، متحدين بذلك الفقر الذي يحيونه، والتنصير الذي يواجههم، والإعلام الذي يشوههم.

 

وخلاف كل هذا وذاك، فإن المسلمين في السنغال يعانون من داء فادح، وهو جذور التفرقة وآفة الطائفية، وهى الطائفية التي يعمل البعض على تغذيتها بين المسلمين، علاوة على الطرق الصوفية التي تنشر البدع، فتعمل على تشويه الدين، وجعله غير مستقيم في نفوس المسلمين، وهو أمر يلعب عليه الإعلام هناك بأشكاله المختلفة، والذي تسيطر عليه الحكومة، ويعمل لخدمة ولأغراض خاصة، دون إغفال للدور الأجنبي في توجيه هذا الإعلام ودعمه بوسائل متعددة.

 

هذا الإعلام يروج للعديد من حملات التشويه ضد المسلمين، والقيام بدور تنصيري واضح ، على نحو المزاعم التي يرددها ذات الإعلام بأنها تعمل على دفع المسلمين إلى الأمام، وأنها تعني التقدم، مقابل – مزاعمهم أيضا- بالادعاء بأن الديانة الاسلامية تعيد البلاد إلى الوراء، على حد زعم هذا الاعلام الزائف، علاوة على الدور الذي تلعبه الكنيسة ذاتها، إذ تمتلك عددا من المرافق الخدمية والمدارس المختلفة،ما يجعلها تسيطر على رافدين مهمين من مكونات الضخية، وهما الاعلام والتربية والتعليم، فتعمل من خلالهما على تقديم الخدمات لذوي الحاجات بدعم غير مخفي أهدافه، وهو العون الذي لم يكن اعتباطيا أو إغاثيا أو إنسانيا، على نحو ما يتم فهمه من مؤسسات العمل الانساني العالمي.

 

ولذلك تعمل الكنيسة في السنغال على توظيف مثل هذه الخدمات في الدعاية لنشر التنصير بين المسلمين، وتساعدها في ذلك مؤسسات أخرى تحمل أسماء إسلامية حتى تتمكن من الولوج بسهولة إلى داخل المجتمع المسلم في السنغال ، الأمر الذي يضع معه عقيدة المسلمين في خطر شديد، مع عدم إغفال الحالة المتردية التي عليها المسلمون في السنغال بالأساس من فقر وتشويش وعدم فهم الدين الاسلامي فهما صحيحا، فتعمل كل هذه المؤسسات المجتمعية على تحقيق أهدافها، أعلاها صرف المسلمين عن دينهم، وأدناها التشويش على عقيدتهم، وهو ما ينذر بخطر جسيم عليهم في المستقبل القريب.   

 

كل هذا لم يكن يتم بعيدا عن الدور الصهيوني في السنغال، والذي تقوم خلاله الماسونية بدور بارز في نشر أندية الروتاري بالبلاد، علاوة على تغولها في أجهزة ووسائل الاعلام المختلفة، ونشر أنديتها وخدماتها الاجتماعية لمدخل لمواجهة الفقر لدى المسلمين هناك، وفي الوقت نفسه بث الأفكار الهدامة من خلالها، مستثمرة في ذلك من الحالة الاقتصادية المتردية للمسلمين في السنغال من ناحية، وعدم الفهم الصحيح للدين الاسلامي من ناحية أخرى ، على نحو ما سبقت الإشارة.

 

 وبالمقابل، تفتقر السنغال إلى الدعوة الاسلامية المنظمة، والتي إن وجدت لأحدثت وعيا اسلاميا بين المسلمين، فضلا عن مواجهتها لحملات التنصير والتغريب والتشويه التي تستهدف المسلمين هناك في عقيدتهم وهويتهم. غير انه على الرغم من وجود بعض الهيئات والجمعيات الاسلامية في السنغال ، إلا أنها لاتزال دون المستوى الذي ينبغي أن تكون عليه، أو أنها لم تعمل على مواكبة حجم التحديات الكبيرة الذي تواجه المسلمين هناك.

 

وفي الوقت الذي يتواجد فيه الاتحاد الثقافي الاسلامي منذ العام 1953، إلا أن سلبية هذا الاتحاد وعدم فعاليته، حتى أصبح مؤسسة عليلة لا تملك من وسائله شيئا، كما أنه لم يستحضر الدور الرئيس والذي نشأ من أجله على أيدي مجموعات تأثرت بأفكار إصلاحية، سواء من دول المغرب العربي، أو من مصر ، على نحو الدور الذي قام به قادة الاتحاد الأوائل.

 

غير أن الاتحاد لم يتمكن من مواصلة دوره لأسباب عدة لا يسمح المجال لذكرها، غير أن أبرزها هى ضعف الإمكانيات وعدم تقديم الدعم المعنوي له من قبل الهيئات والجمعيات الاسلامية في خارج السنغال، والقائمة في بلاد المسلمين أنفسهم، بالإضافة إلى اندثار الكفاءات، وعدم السعي الى خلق كوادر جديدة، تقوم بدور جيل الرواد.

 

إلا أنه على الرغم من كل السلبيات السابقة، إلا أن هناك حرص ورغبة أكيدة من شباب مسلم في أن يكون فاعلا في مجريات المجتمع السنغالي، ليكون للمسلمين دور في صنع مستقبلهم بهذه البلاد ، حتى أصبح هناك وعي كبير بين العديد من الشباب والكوادر التي تعي الاسلام بفهمه الصحيح، غير أن الأمر الذي تحتاجه بحق هى الوحدة والتكاتف، وان تجمعها روابط موحدة، وهو ما يؤشر إلى أن المسلمين هناك بأماكنهم القيام بدور خلال المستقبل القريب، وأنه على الرغم من كل التحديات التي تواجههم.

 

ويأمل المراقبون لوضع المسلمين بالسنغال في أن يكون لهم هيكل اسلامي موحد، يعمل على تجميعهم وليس تشتيتهم، خاصة وأنه ولكون دستور البلاد علمانيا، فإن جميع التحديات التي تواجه المسلمين هناك تنطلق من هذا التوجه العلماني، الأمر الذي يفرض على جميع المسلمين هناك التوحد، والنظر إلى خطورة ما يواجهونه من تحديات، واستثمار المكونات التي يمتلكها، وعلى رأسها اللغة العربية والتي لاتزال حاضرة في المشهد الاسلامي بالسنغال، والإقبال على تعلمها، كونها لغة القرآن الكريم، وهو المشهد الذي يمتد ازدهاره إلى عهد عبدالله بن ياسين وجماعته، الذين أقاموا في القرن الحادي عشر الميلادي بالسنغال، وانطلقوا في البلاد  لنشر الدين الإسلامي، فكانت لهم اسهاماتهم الواضحة في هذا الإطار، ويطمح الشباب الاسلامي اليوم في السير على نهج هذه الجماعة، وخاصة إذا توفرت لها البيئة المناسبة للعمل، تطلعا إلى المستقبل، وعدم إغفال الماضي بكل مكوناته.