ليبيا بين الأطماع والمؤامرات
16 محرم 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تعيش ليبيا حالة من عدم الاستقرار وتصاعد أعمال العنف بشكل أعمق من أي دولة أخرى من دول الربيع العربي؛ فليبيا هي الدولة الوحيدة تقريبا من دول الربيع العربي التي تفكك جيشها وأصبحت المليشيات المسلحة أقوى منه في بعض المناطق وهذا بسبب طبيعة ليبيا القبائلية والطريقة التي كان يقود بها العقيد معمر القذافي البلاد طوال أربعين عاما سعى خلالها لشراء ولاء العديد من القبائل وزعمائها ووضع أهل الثقة في أرفع الأماكن وحرص على تغيير من يشك ولو للحظة في ولائه..

 

ولم  يحرص طوال سنوات عهده على بناء جيش قوي رغم الأموال الهائلة التي كانت تدخل إلى خزائنه من عائدات النفط بل كان حريصا على أن يتحكم في كل كبيرة وصغيرة داخله خوفا من أي محاولات انقلابية...وعندما قامت الثورة على حكمه التف حوله أصحاب المصالح حتى أيقنوا من سقوطه فتركوه وحيدا في الصحراء وتفتت الجيش الذي كان قائما على حسابات شخصية وليست مهنية وهو أخطر ما قد يدمر هذه المؤسسة الحساسة..

 

ليبيا تعيش في مواجهة تحديات ضخمة لا تتركز فقط في جهود التنمية وإطلاق الحريات وبناء حياة سياسية سليمة وتوزيع عادل لثروتها الكبيرة كما هو الحال في بقية دول الربيع العربي ولكن أيضا وهو الأهم في حالتها بناء جيش قوي وضم جميع المليشيات المسلحة له بشكل احترافي ودون النظر للولاءات السياسية حتى لا تتحول ليبيا للبنان جديدة ويتقاتل أبناؤها ضد بعضهم البعض في مطحنة تقضي على الأخضر واليابس ..

 

إن ميراث القذافي في ليبيا هو السبب الرئيس فيما يحدث الآن من عمليات مسلحة وخلافات على النفط ومحاولات للانفصال فلقد زرع القذافي بذور الفتنة والشقاق بين مناطق البلاد ووزع ثروتها على المريدين والاصفياء وحرم غالبية المستحقين وهو ما أجج نيران الحقد بين فئات الشعب المختلفة ناهيك عن إقصائه لجميع النشطاء والسياسيين المخالفين له في الرأي وقتلهم أو اعتقالهم وتعذيبهم وعلى راس هؤلاء أبناء التيار الإسلامي..ولم يكتف القذافي بذلك في داخل ليبيا ولكنه استخدم أموال الشعب الليبي لتحقيق زعامة وهمية في الخارج أيضا فأصبحت ليبيا تعتمد على أموالها للحصول على مكانة في أفريقيا أو عند الغرب وكانت المكانة هي مكانة الزعيم الشخص وليس مكانة الدولة...

 

وكانت علاقات القذافي بالبلدان المختلفة تدور في فلك هواه ومزاجه المتقلب فتارة يتقرب من هذه البلد وتارة يبتعد عنها دون معرفة واضحة بالاسباب بل في أغلب الأحيان تكون لأمور شكلية لها علاقة بطريقة معاملته ومنحه لامتيازات معينة كما كان يحدث له في أفريقيا الذي أنفق فيها أموالا طائلة للحصول على لقب وهمي هو ملك ملوك أفريقيا...مغامرات القذافي قزّمت من ليبيا على الصعيد الاقليمي والدولي وعمقت من جراحها الداخلية وأدت إلى هجرة العقول الليبية الفذة إلى الخارج خوفا من اضطهاد القذافي لها وغيرته منها حيث كان لا يقبل بموهوب أو شخصية بارزة في أي مجال سواه..

 

إن سقوط القذافي كما كان انطلاقة ليعيش الشعب الليبي حريته ويحدد مستقبله إلا أنه كان في نفس الوقت مدخلا لكي تضع القوى الغربية قدمها بشكل مباشر للسيطرة على حقول النفط التي كانت دوما تخضع لأهواء الزعيم ..لقد قام الغرب بتوجيه ضربة عسكرية لقوات القذافي من أجل الإسراع في إسقاطه خوفا من توقف تدفق النفط ولكي يكسب ود الحكام الجدد في ليبيا...

 

وأصبح للغرب أياديه داخل البلاد التي تعمل على مصالحه من أجل دعمهم للوصول إلى السلطة....إن المصالح متشابكة الآن بين نخبة سياسية لها ولاءات متضاربة وثوار قاتلوا القذافي ولم يندمجوا بعد في جيش قوي يحمي البلاد ويكفل لهم حياة كريمة ووراء كل هذا هناك مصالح غربية تريد السيطرة بأرخص الأسعار على النفط الذي يتم بيعه لشركاتهم بالفعل دون رقابة حكومية, أضف إلى ذلك أتباع للقذافي في الداخل والخارج يبحثون عن دور لهم في المرحلة القادمة ولو بالتخريب ومنع قيام دولة مستقرة.