(عبد القادر الصالح) شهيد سوريا الحي
15 محرم 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

إذا كان موت العلماء وفقدهم يعتبر ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء إلى يوم القيامة , كما أن موت قبيلة أيسر من موت عالم وهو نجم طمس كما ورد عن علي وجابر وابن عمر رضي الله عنهم مرفوعا , فإن استشهاد وفقد القادة العسكريين المجاهدين ثغرة لا يسدها إلا خلف صالح , وخسارة لا تعوض إلا بقائد جديد يسد مسد الشهيد .
وإذا كان موت وفقدان القادة في الأيام العادية يعتبر خسارة كبيرة لمجتمعهم , فإن موتهم في أوقات المحن والشدائد أشد وطأة وأكثر خسارة , وأي محنة أعظم من محنة السوريين في هذه الأيام , وهم يجاهدون ويقاتلون طاغية الشام وزبانيته من الشيعة طوال عامين كاملين , وهم بأشد الحاجة لكل مقاتل ومجاهد عادي , فكيف إذا كان قائدا فذا ومجاهدا شجاعا كعبد القادر الصالح قائد لواء التوحيد .
والسوريون إذ ينعون الشهيد القائد عبد القادر الصالح , فهم ينعون كل شهيد يسقط في أرض الشام , سواء علمنا به أو لم نعلم , متأسين بذلك بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه , حين جاءه السائب بن الأقرع يبشره بنصر المسلمين بمعركة (نهاوند) فسأله عمر عن قتلى المسلمين , فعد له فلانا وفلانا من أعيان الناس وأشرافهم , ثم قال : وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين ... فجعل غمر يبكي ويقول : ( وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين , لكن الله يعرفهم وقد أكرمهم الله بالشهادة , وما يصنعون بمعرفة عمر ؟! )
ولمن لا يعرف هذا القائد الشجاع فهذه نبذة يسيرة عنه , فهو أحد شباب الريف الحلبي من بلدة (مارع) من مواليد 1979م , متزوج وله خمسة أولاد , كان يعمل في تجارة الحبوب والمواد الغذائية قبل الثورة , وقد عرف عنه وقتها صدقه وأمانته في معاملته التجارية , كما كان داعيا إلى الله تعالى في سوريا والأردن وتركيا وبنغلادش , وما إن اندلعت الثورة السورية حتى كان من أوائل المنظمين للنشاط السلمي عبر المظاهرات في مارع , وحينها لقب (حجي مارع) .
وحين بدأ العمل المسلح بعد شهور من المظاهرات السلمية , كان من أوائل المشكلين للكتائب المسلحة ضد النظام السوري , فقد اختير ليكون قائد كتيبة محلية ببلدة مارع , وبعد توحد عدد من الكتائب بحلب و تشكيل ما عرف بلواء التوحيد في 19/7/2012م اختير عبد القادر لشغل قيادة العمليات في اللواء ومساعد رئيس الأركان وقائد الجبهة الشمالية , بينما اختير عبد العزيز سلامة لقيادة اللواء .
من أبرز ملامح شخصية الشهيد عبد القادر تمتعه بشعبية كبيرة في مدينة حلب وريفها , حيث يعتبره المجاهدون قدوة لهم لبساطته وتواضعه الشديد , يقول عن نفسه : أنا رجل بسيط وليس تواضعا مني بل هي الحقيقة , كل ما في الأمر أنني رأيت الظلم يشمل الجميع من قبل النظام فوقفت مع الثائرين ضده, ويؤكد انه لم يعرف استخدام البندقية قبل الثورة .
شارك الصالح في معارك تحرير الريف الحلبي , كما له دور كبير في معركة الفرقان والمعارك الأخرى التي خاضها الجيش الحر داخل مدينة حلب وتحرير أجزاء كبيرة منها , كما شهدت له مدينة القصير بتلبية نداء الاستغاثة التي أطلقتها حين اشتدت وطأة الهجوم عليها قبل سقوطها , وكان دائما في الصفوف الأولى أثناء القتال , لا يتخلف عن معركة ولا يحب التميز عن المجاهدين معه .
ورغم الاختلاف (وليس الخلاف كما قال) في بعض الأفكار مع جبهة النصرة , إلا أن الشهيد الصالح يعلن علاقته بجبهة النصرة ويصفها بالعلاقة الجيدة , كما يعلن عن وجود تنسيق عسكري بين لواء التوحيد والجبهة , ويعبر عن احترامه لهم كمجاهدين ضد النظام السوري .
لم يكن للشهيد البطل أي مطمع قيادي سياسي بسوريا في المستقبل كما قال , إلا أنه كان يرى للواء التوحيد دورا في مستقبلها , ورغم إيمانه بأن سوريا ستكون في المستقبل دولة إسلامية , إلا أنه كان يقول : (إن هذه الدولة لن تفرض أبدا بقوة السلاح) , ومع أنه لم يكن يرى وجود أي مانع من تجنيد أشخاص ليسوا سوريين في اللواء , إلا أنه أكد عدم وجود أي شخص غير سوري بلواء التوحيد .
ونظرا للقلق البالغ الذي أحدثه الشهيد في صفوف النظام السوري , فقد وضع جائزة مالية قدرها 200 ألف دولار لمن يعتقل الصالح أو يقتله , وقد تعرض لمحاولة الاغتيال أكثر من مرة , أولها بصاروخ استهدفه بعد لحظات من بدء مقابلة له مع طاقم قناة سكاي نيوز , والثانية كانت أمام باب مكتبه عندما خرج لإجراء مكالمة هاتفية فأطلق مجهول عدة طلقات نارية عليه أصابته بكتفه .
لقد تلقى السوريون خاصة والمسلمون عامة نبأ استشهاده ليلة أمس في أحد مستشفيات غازي عنتاب بتركيا , متأثرا بجراحه إثر غارة استهدفته ومجموعة من القادة والمجاهدين أثناء تواجده بمدرسة المشاة بحلب , ببالغ الحزن والتأثر , وامتلأت صفحات التواصل الإجتماعي الفيس بوك وغيرها بالتعليقات , بدءا بالمواطن السوري العادي الذي كان يحب هذا القائد , وانتهاء بالهيئات والشخصيات الدعوية والعلمية , مما يعطي صورة أولية لطبيعة هذه الشخصية المحبوبة شعبيا وتنظيميا .
فقد كتب الأستاذ الكبير عصام العطار على صفحته على الفيس بوك ينعي هذا القائد بقوله :
لقد جاهدتَ بمالِك، وجاهدتَ بنفسِك، وجاهدتَ بلسانِك، وجاهدتَ بعملِكَ الصّالح على مختلفِ صُعُدِ حياتِك.. إلى أن أكرمكَ اللهُ تعالى بالشّهادة..
وما خرجتَ يا أخي للجهادِ زهادةً في حياة، أو رغبةً في دنيا أو منفعة أو مكانة.. ما خرجتَ إلاّ غضباً للهِ عزّوجلّ، ولأمتكَ وبلادِكَ وأهلِك، وإباءً للظلمِ والذُلِّ والهوان، وطلباً للحريّةِ والكرامةِ والعدالةِ للشّعبِ والبلاد، وكلِّ أبناءِ الشّعبِ والبلاد..
واسْتُشْهِدْتَ فاسْتِشْهادُكَ الفاجعُ المُشَرِّفُ فوزٌ لكَ في الدنيا والآخرة إن شاء الله
ستعيشُ يا عبد القادر في الدنيا بذكراكَ - إن شاء الله - مثلاً رفيعاً حافِزاً للإيمانِ والصّدقِ والشّجاعةِ والتّضحِيَةِ والمُروءَةِ والرّحمَةِ والخلُقِ الكريم
ويكونُ لكَ في الآخرةِ ولأمثالِكَ - إن شاء اللهُ تعالى - ما لا عينٌ رَأتْ ولا أذنٌ سمعتْ من النّعيمِ والثّواب .
ورَعَى اللهُ تعالى زوجتَكَ وأبناءَكَ الخمسة، وكتبَ لهمُ الصّبرَ والأجر على مُصابهمُ الْجَلَل، ورَعَى اللهُ تعالى سائِرَ أسَرِ شهدائِنا ومُصابينا، وأعانَنا على النّهوضِ ببعضِ ما لهم علينا من الحُقوق . وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
كما نعت رابطة العلماء السوريين الشهيد البطل على صفحتها الرسمية , ووصفته بكونه داعية وحدة وتوحيد ، صادق اللهجة، طيب القلب، كريم السجايا، نال القبول من الناس عامتهم وخاصتهم .
كما نعت الهيئة العامة للعلماء المسلمين في سوريا الشهيد بكلمات تعبر عن الإجلال والإكبار له , كما تعبر عن الأمل في الخلف الذي ستأتي الأمة به من بعده بإذن الله:
لقد طعن أبو لؤلؤة المجوسي عمر وهو يعتقد بأنه يطعن الإسلام
وقتل شمر بن ذي الجوشن الحسين وهو يظن أنه سيقضي على صوت الحق
وقتل الطليان عمر المختار ليسكتوا ثورة الليبيين
وقتل الطغاة والمجرمون كل من استطاعوا أن يصلوا إليهم من دعاة الحق والصادحين به ليخمدوا مطالبهم
وأخيراً وليس آخراً هذا هو المجرم بشار يغتال قادة الثورة ليكتم أنفاسها , ونحن نقول له هيهات له ذلك فمن قدم مئات الآلاف من الشهداء وما وهن وما تراجع لن يوقفه ارتقاء شهيد أو قائد ولا إصابة آخر
رحمك الله عبد القادر صالح عشت حميدا ورحلت شهيداً جاهدت فأبيلت البلاء الحسن وعند الله الجزاء الأوفى . د. محمد مصطفى الدبك
وإذا كانت شخصية الشهيد عبد القادر الصالح مقلقة ومخيفة للنظام , فإنها كذلك للولايات المتحدة الأمريكية والغرب , فقد أبدى مسؤولون في واشنطن قلقهم من الشهيد عبد القادر في وقت سابق , فأمثال هذه الشخصيات الإسلامية المحبوبة والمقربة من الجميع , وذات المصداقية والسمعة الطيبة بين الناس , تعطي صورة حقيقية للدولة الإسلامية التي يطمح بها السوريون , تلك الصورة التي يحاول بشار والغرب دائما تشويهها بفزاعة القاعدة والتكفيريين .
رحمك الله يا شهيد سوريا , يا من رحلت عن هذه الدنيا بجسدك , إلا أنك حي عند ربك وعند الناس بصفاتك وأفعالك .