لماذا الفزع من إشارة رابعة؟
9 محرم 1435
خالد مصطفى

حالة الفزع التي تنتاب السلطات المصرية من رفع إشارة رابعة في أي مكان والإجراءات الصارمة التي تتخذها ضد من يفعل ذلك تثير الدهشة حتى من بعض من  يؤيدون ما حدث في 30 يونيو وما تلاه من إجراءات لأن القضية إنسانية في المقام الأول وليست سياسية..

 

فلقد اعترفت السلطات المصرية أن المئات قتلوا في عملية الفض كما عجز وزير الداخلية أن يثبت أن الاعتصام كان مسلحا واكتفى بإخراج 10 رشاشات فقط لا غير لا يدري أحد من أين أتى بهم رغم أن المشاهد التي كانت تبث من رابعة كانت توضح وجود الآلاف من النساء والأطفال طوال الوقت وهو ما ينفي نية المعتصمين القتال على الأقل خوفا على زوجاتهم وأطفالهم...كما أن وجود عدد من المسلحين القلائل ـ لو سلمنا بذلك ـ لا يبرر أبدا قتل المئات من النساء والاطفال وهو ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية التي لا تنتمي من قريب أو بعيد للتيار الإسلامي ولا تربطها أدنى علاقة بالرئيس محمد مرسي وجماعته..

 

لقد ذهبت المنظمة الدولية لما هو أبعد من ذلك وأشارت إلى أن مجزرة فض رابعة هي أكبر مجزرة تشهدها مصر في العصر الحديث...إن المجزرة تمت أمام كاميرات وعدسات بعض الهواة وقليل من المحترفين وتم إظهار مشاهد مروعة لقتل مصابين و لحرق الجثث وحملها بالجرافات في مشهد رآه العالم كله ...لا يمكن اعتبار ما جرى في رابعة وإدانته نوع من اختلاف وجهات النظر السياسية وحتى لو اعتبر كذلك لا يمكن فرض وجهة نظر سياسية واحدة على الشعوب وإلا أين الديمقراطية التي يتحدثون عنها؟!..لقد انتشرت الإشارة في شتى أنحاء العالم ورفعها مصريون وعرب وأجانب ورفعتها فرق رياضية وشخصيات سياسية تنديدا بالمجزرة دون أن يعني ذلك أنها بالضرورة مع الرئيس مرسي أو التيار الإسلامي في مصر فالقضية أوسع من ذلك....

 

لقد سمعت أحد المعلقين السياسيين العلمانيين من المؤيدين  للنظام الحالي في مصر والمناهضين للتيار الإسلامي  وهو يبدي تعجيه الشديد من الحملة التي شنتها الصحافة والإعلام في مصر على اللاعب أحمد عبد الظاهر الذي يلعب للنادي الأهلي بعد رفعه لإشارة رابعة في نهائي بطولة أفريقيا أمام أكثر من 30 ألف متفرج وفي حضور وزير الرياضة المعين والمعروف بمعارضته وكراهيته الشديدة للتيار الإسلامي, لقد انتقد المعلق الذي لا يمت بصلة للإسلاميين الحملة واعتبرها مجاوزة للحدود المتعارف عليها وأكد أن ما حدث في رابعة قضية إنسانية وليست سياسية ...على الجانب الآخر يحاول بعض الإعلاميين الماركسيين إثارة القضية بشكل متعنت ويعتبر أن رفع الإشارة فيه تاييد "لجماعة محظورة منبوذة من الشعب" رغم أن كثيرا ممن قتلوا في المجزرة لا ينتمون لجماعة الإخوان ولا لأي جماعة من الجماعات الإسلامية, كما أن الشعب هو الذي يحدد من هو المنبوذ عن طريق الانتخابات وليس هو أو غيره من يحدد ذلك, أما الحظر فكان قائما منذ عشرات السنين وكانت الجماعة تكتسح انتخابات النقابات والاتحادات الطلابية وعندما أجريت انتخابات نزيهة بعد ثورة يناير فازت بها أيضا بينما خسرها أصدقاؤه الماركسيون المنبوذون الحقيقيون المعادون لهوية الشعب المصري المسلم.. إن حالة الفزع من رفع الإشارة بهذا الشكل يؤكد أن هناك ما يراد إخفاؤه خصوصا أنه لا توجد حتى الآن إجراءات تحقيق قضائية في المجزرة رغم المطالبات الواسعة من الداخل والخارج..

 

والسؤال الآن لوكانت السلطات لم تستخدم القوة المفرطة في فض الاعتصام وليست مسؤولة عن مقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء لماذا لا تقوم هي نفسها بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق وتؤكد للعالم كله براءتها وإدانة المعتصمين؟!وإذا كان العالم كله يعتبر أن ما حدث مجزرة حقيقية ويطالب بالتحقيق فيها وأنه لا مبرر لما حدث من قوات الأمن, حتى أن نائب رئيس الجمهورية المؤقت وقتها محمد البرادعي أدان ما حدث واستقال بعد المجزرة رغم عدائه للإخوان وللرئيس مرسي وللتيار الإسلامي بشكل عام, فلماذا هذه الحالة الهستيرية ضد  كل من يرفع الشعار؟! وهل هذه الحالة ستغير الواقع وستجعل العالم يتغاضى عن إدانتها وتمنع من رفع شعارها أم ستزيد من ذلك وتؤكد أن ما جرى لم يكن مبررا ؟إن عددا كبير من رجال السلطة الحالية يعترفون بالهولوكست ويدينون الإسلاميين الذين لا يعترفون به والبعض الآخر استقال من منصبه عقب أحداث ماسبيرو التي قتل فيها 19 "مسيحيا" فقط لا غير في عهد المجلس العسكري؛ فهل أصبح الدم اليهودي و"المسيحي" عند هؤلاء أكثر تحريما من الدم المسلم؟!