من أجل البقاء في السلطة
7 ذو القعدة 1434
تقرير إخباري ـ المسلم

(المستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزا من حديد , فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما أقدم على الظلم , وكما يقال : الاستعداد للحرب يمنع الحرب) كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي (19)
عبارة تنطبق على آل الأسد وأمثالهم من طغاة العالم , الذين عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا , وحولوا البلاد والأوطان إلى دمار وخراب , لا أقول دمار البنيان وخراب العمران فحسب , بل شمل أيضا موت الإنسان والنبات والحيوان , ومعاداة العلم والفكر والإيمان .
لقد تكررت في سوريا مأساة كثير من الشعوب العربية الإسلامية , التي ابتليت بحكام طغاة مستبدين , انتقاهم الاستعمار الغربي بعناية فائقة , ليكونوا في العصر الحديث أمثال نيرون وفرعون في البطش والطغيان , وأمثال الرافضي ابن العلقمي – وزير المستعصم - في الخيانة والعمالة للعدو والاستسلام , ويبدو أنه قد تحقق لهم كثيرا مما أرادوا .
فها هو بشار وتحت وقع مجرد التهديد بالضربة العسكرية الأمريكية المحتملة ضده , سلم واستسلم فورا , ولم يبد أي مقاومة أو ممانعة تذكر , مما كان يتبجح به طوال أربعين عاما , وأبدى استعداده لتسليم سلاحه الكيماوي الاستراتيجي , الذي دفع الشعب السوري ثمنه وثمن إعداده مالا ووقتا وجهدا طويلا , وبدلا من أن يدخر هذا السلاح ليلوح باستخدامه في أي مواجهة مستقبلية ضد اليهود وأعداء العرب والمسلمين , استغنى عن التلويح والتهديد , واستخدم الكيماوي ضد الشعب السوري , الذي صنع هذا السلاح بيده ودفع ثمنه من جيبه .
فقد وافقت الحكومة الأسدية على لسان وزير خارجيته وليد المعلم مساء الاثنين الفائت على مقترح روسي يقضي بوضع ترسانة سورية من الأسلحة الكيماوية تحت مراقبة دولية , ومن ثم التخلص منها وتدميرها , والانضمام بالكامل إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية , وذلك لتفادي احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية غربية ضد سوريا .
وأيا كانت خفايا ودهاليز هذه المبادرة والموافقة الأسدية عليها , وأيا كانت درجة الخبث والمكر المحتمل من الدول الغربية والروسية لوأد ثورة الشعب السوري وإخماد جذوة جهاد أبنائه وأبطاله , والتي لا يشك مسلم في إمكانية وقوعها , فإنها تعتبر من أكبر الأدلة على مدى تضحية الطغاة بمقدرات بلادهم المادية والاستراتيجية من أجل البقاء في السلطة والحكم .
وليس ذلك بمستغرب ولا مستعجب من قبل الطغاة العملاء , فهم يفعلون كل شيء من أجل البقاء في السلطة , ويضحون بأي شيء من أجل التشبث بالكرسي والحكم , وهم على أي حال كانوا وما زالوا الحامي الأول لحدود وأمن اليهود , حيث لم يطلق آل الأسد طوال فترة حكمهم لسوريا طلقة واحدة تجاه حدود الكيان الصهيوني , بل كانت كل ضرباتهم ضد شعبهم الذي حكموا باسمه , ونهبوا البلاد باسمه .
ففي عام 1973م خسرت سوريا في الحقيقة حرب تشرين , والتي يزعم آل الأسد بأنها حرب تحريرية , حيث لم تسترد سوريا في تلك الحرب أي جزء من هضبة الجولان المحتل منذ عام 1967م , بل خسرت مناطق أخرى كانت تسيطر عليها قبل الحرب , أما مدينة القنيطرة التي يتبجح النظام باستعادتها بعد حرب تشرين , فقد كانت تحت سيطرة اليهود حتى تنازلت عنها ضمن اتفاقية فصل القوات عام 1974م , ولم يعد آل الأسد إعمار القنيطرة حتى اليوم .
أما في عام 1982م فقد ظهرت شجاعة آل الأسد وقوة بطشهم على شعبهم , فقد دخلت قوات الأسد الأب مدينة حماة شمال سوريا , فقتلت أكثر من 35 ألف مسلم , وسوت أبنية معظم أحياء المدينة بالأرض , واعتقلت الآلاف وشردت مئات العائلات , تحت شعار محاربة الإرهاب , الذي يبدو أنه لا تنطبق مواصفاته إلا في المسلمين في كل مكان , أو ممن يعارض حكم الطغاة أو يقول لهم : لا .
ومن أهم المجازر التي ارتكبت حينها : مجزرة جسر الشغور ومجزرة قرية كنصفرة , ومجزرة سجن تدمر المعروفة والمشهورة , ومجزرة سرمدا وبستان القصر وغيرها الكثير من المجازر , وكلها من أجل بقاء الأسد الأب في السلطة , حيث رأى أن الحل الأمني العسكري هو الحل , في وجه المطالب باستقلال القضاء ومنع المحاكمات العسكرية وإجراء انتخابات ديمقراطية ......الخ .
وها هو التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة مع بشار الإبن , حيث خرج الشعب السوري بثورته السلمية مطالبا في البداية بإصلاح النظام , ومعاقبة الطغمة الأمنية المفسدة في البلاد , فما كان من الابن إلا أن سلك طريقة ومنهاج أبيه الدموي , مع زيادة ملحوظة في عدد المجازر , ومضاعفة لأعداد الشهداء والمعتقلين , وتدمير كامل للبنية التحتية , وكما يقال : الطيور على أشكالها تقع .
وكان الاختلاف هذه المرة , أن الشعب كان مصمم على استرداد حريته ممن اغتصبها , ونيل كرامته المسلوبة منه طوال أربعة عقود من الزمان , فاستبسل وقاوم وناضل , وقدم من أجل هذه الحرية والكرامة عامان ونصف من الكفاح والصبر والنضال , سقط خلالها أكثر من 124 ألف شهيد , ومئات الآلاف من المصابين والمعتقلين , وملايين اللاجئين والنازحيين .
وكما ينطبق على آل الأسد مقولة الكواكبي , ينطبق عليه مقولة تنسب لابن خلدون : (الطغاة يجلبون الغزاة) والتي باتت تستخدم بشكل كبير في عصرنا الحاضر , الذي كشف عن مزيد من الطغاة والمستبدين العرب , الذين لم يكتفوا بإهلاكهم العباد وإفسادهم للبلاد , بل زادوا على ذلك بأن جلبوا لأوطانهم قبل رحيلهم الغزاة .
ولمن لا يعلم معنى دخول الخبراء الدوليين للتفتيش عن الأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل , وما يستتبعه ذلك من استعمار مادي ومعنوي للبلاد , فليذكر ما حصل بالعراق قبيل الاحتلال الأمريكي لها , وكيف كان التفتيش تمهيدا للاستعمار والاحتلال الأمريكي أولا ثم الشيعي الإيراني الرافضي لاحقا .
أعود فأقول : أيا كانت المؤامرات الدولية على الشعب السوري وثورته , جراء قبول آل الأسد على المبادرة الروسية التي تفوح منها رائحة الشك والريبة والخبث , فإنها تؤكد على أن الطغاة يضحون بكل شيء من أجل البقاء في السلطة .
كما أنها تؤكد على وجود ارتباط بين الطغاة والغزاة , حيث يقوم الطغاة بالتمهيد لدخول الغزاة , سواء باستدعائهم لنصرتهم كما فعل بشار حين استدعى الإيرانيين والروس للقتال معه ضد الشعب السوري الثائر , أو حين يتذرع الغزاة الطامعون في احتلال أرض ما ونهب خيراتها ببطش الطغاة فيها على مواطنيها , فيجعلون من تحرير هؤلاء من ذلك البطش عنوانا لغزوهم , كما فعلت أمريكا في العراق .
وفي كلا الحالين فقد اجتمع في سوريا الطغاة والغزاة معا , ولمواجهة ذلك لا بد أن يكون أبطال الثورة السورية مدركين لحجم المؤامرات التي تحاك ضد ثورتهم , متنبهين يقظين لما يخطط ويدبر لهم , فالثورة السورية أول وآخر أهدافهم , والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .