المهاجرون الأثيوبييون في السعودية استرزاق أم تهديد ؟
9 ربيع الثاني 1435
تقرير إخباري ـ محمد لافي

لا تزال قضية المتسللين الإثيوبيين تتصدر وسائل الإعلام السعودية, وأصبحت حديث المواطنين، الذين تداولوا أخبارها عبر مواقع الاتصال الاجتماعي، ونشروا مقاطع فيديو وصوراً تظهر مداهمة المخالفين في مناطق متعددة من مناطق المملكة.

 

وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن المتسللين الأفارقة – وعلى رأسهم الأثيوبيين -ليسوا مجرد مخترقين للحدود بحثا عن عمل وهرباً من جحيم الوضع الاقتصادي في بلادهم,  يرى آخرون أن هذه الفئة جاءوا متسللين من أجل أهداف محددة تهدد الأمن الوطني في ظل ارتفاع معدلات وجودهم وتنوع جرائمهم.
بوابات العبور

 

وتعتبر المناطق السعودية المتاخمة للحدود اليمنية هي بوابة العبور للمتسللين الأفارقة, حيث كانت تجمعاتهم ونشاطاتهم في بادئ الأمر تتركز في تلك المناطق, إلا أنه في الآونة الأخيرة, بدأوا بالتغلغل إلى معظم المناطق الجنوبية مثل الباحة وعسير حتى وصلوا إلى العاصمة الرياض، وحتى مدينة رفحاء شمال البلاد وجدة غربها.

 

ويتم تهريب الأفارقة -  نساءً ورجالاً وأطفالا - على متن قوارب بدائية من السواحل الصومالية والإثيوبية إلى السواحل اليمنية ليقوموا بعدها بالانتشار في عدد من المحافظات اليمنية, حيث تشير مصادر بأن العدد المتدفق من الأفارقة تتراوح من 200 إلى 500 شخص يومياً.

 

ويستغل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين, الحدود البرية الوعرة بين السعودية واليمن للتسلل إلى المحافظات السعودية الجنوبية, ومنها إلى بقية المناطق, سالكين طرقا غير معروفة، ووعرة، وبعيدة عن السكان ليصلوا إلى وجهاتهم, وذلك على الرغم من الجهود التي تبذلها مراكز حرس الحدود المنتشرة في المناطق الحدودية, ومما يفاقم المشكلة قيام بعض المواطنين بالمساهمة في انتشار المتسللين من خلال تهريبهم لمدن المملكة المختلفة شمالا، وشرقا، وغربا مقابل مبالغ مالية كبيرة.

 

ويشكل الأثيوبيون معظم الأفارقة المتسللين إلى اليمن ومنها إلى السعودية, فوفقاً لإحصائية صادرة عن المفوضية السامية للاجئين, فقد وصل إلى اليمن خلال الفترة من الأول من يناير إلى 30 نوفمبر , 99620 مهاجراً, يشكل الأثيوبيون منهم 78% فيما مثل الصوماليون 22%. إلا أن المرحلة القادمة قد تشهد تزايداً في عدد المتسللين من الدول الإفريقية التي تقصد المملكة عن طريق اليمن في ظل التذبذبات السياسية التي تجتاح معظم الدول ومنها الأفريقية.

 

ولعل التواجد الأثيوبي في المملكة عموماً ليس بالظاهرة الجديدة, فقد شكل الأثيوبيون مصدراً للقوى العاملة لبعض المهن الشاقة والتي تكون غالباً في مناطق نائية وبعيدة عن السكان كالزراعة والرعي والبناء, إلا أنه ومع ازدياد كثافة هؤلاء المهاجرين والتفافهم مع بعضهم وحملهم الأسحلة مشكلين عصابات إجرامية للسرقة والنهب وترويج المخدرات والمسكرات هو ما دفع البعض إلى اعتبار وجودهم بهذه الطريقة تهديداً لأمن البلد وسكانه. 

 

تحركات حكومية وشعبية

 

لقد دفع تنامي هذه الظاهرة بأعضاء مجلس الشورى السعودي لطرحها مجدداً بعد أن تم مناقشتها في جلسة سابقة رفع خلالها المجلس توصية بتشكيل لجنة مكونة من وزارات الخارجية والداخلية والشؤون الاجتماعية والعمل لوضع تصور كامل عن أوضاع المقيمين غير الشرعيين تمهيداً لترحليهم من البلاد أولاً، ومن ثم الحد من تنامي أعدادهم في السنوات المقبلة.

 

ونفذت  الجهات الأمنية السعودية حملات مكثفة لملاحقة المتسللين من الجنسية الأثيوبية عبر الحدود مع اليمن حث تمكنت خلال فترة وجيزة من القبض على عدد كبير منهم في المناطق الجنوبية من البلاد, كما تناقلت وسائل الرسمية وشبكات التواصل الاجتماعي مشاركة المواطنين والمقيمين الجهات الأمنية في القبض على عدد منهم في المدن السعودية ومنها الرياض وجدة.

 

لكن لا يزال يرى مراقبول أن تكثيف الحملات الأمنية للقبض على المجهولين المتسللين، وإرسالهم إلى بلادهم  لن  يساهم في حل المشكلة إلا بشكل مؤقت, فهؤلاء الذين يتم القبض عليهم وترحيلهم إلى بلادهم سوف يعاودوا الكرة للتخطي الحدود بنفس الطريقة, ما لم يتم اتخاذ تدابير وحلول جذرية لهذه الظاهرة.

 

جهات خارجية.

 

وعلى الرغم من أن غالبية الأثيوبيين قد تسللوا إلى السعودية بحثاً عن لقمة العيش, خاصة في ما تعانيه بلادهم من فقر وحروب, إلا أن البعض لم يستبعد أن يكون عدد منهم قد تسلل إلى السعودية بتحريض من الحوثيين في اليمن ومن وراءهم إيران.

 

فقد شكك عضو لجنة الشؤون الأمنية بمجلس الشورى اللواء طيار عبد الله سعدون، في أن ما يحدث في عسير من تسلل عدد كبير من الإثيوبيين وقيامهم بعمليات تخريب تمثلت في سرقات واعتداءات وإدارة لمصانع الخمور بالمنطقة، له علاقة بإيران.

 

ومع أن الأدلة لم تزل غير كافية على وقوف إيران وراء عدد من تلك الجماعات, إلا أن دعم إيران المعلن للجماعات الحوثية في المناطق اليمنية المحاذية للحدود السعودية, أدى إلى تنامي هذه الشكوك, والتي عززها أيضاً أن بعض الرصاصات التي وجدت بين مخلفات تلك الجماعات المتسللة تحمل شعار الدولة الإيرانية.

 

إلا أنه بات من المتعارف عليه بحسب روايات بعض الأثيوبين دخول الحوثيين في عمليات الهجرة غير الشرعية وتدفقها إلى المملكة وذلك بترصدهم للأثيوبيين على الشواطئ اليمنية وإلقاء القبض عليه مطالبين بفدية تصل إلى 4 و5 آلاف ريال لإطلاق سراحهم, فيجد الأثيوبيون أنفسهم مضطرين للجوء إلى أقاربهم في الخليج أو بأهلهم في بلدهم الأم الذين يقومون بتحويل المبالغ المطلوبة لحسابات المختطفين في اليمن. ليعقب ذلك إطلاق سراحهم وتسهيل عملية تسللهم للملكة, الأمر الذي جعل من غير المستبعد ضلوع الحوثيين في تشكيل تنظيمات من هؤلاء المهاجرين للإخلال بأمن البلد.

 

كما أن  أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد أشار إلى ضلوع  دولة وصفها بأنها “دولة معادية” للسعودية”، فيما تشهده الحدود السعودية اليمنية من عمليات تسلل للأفارقة، وخصوصا الأثيوبيين. مشيراً إلى مشروع “السياج الأمني الحدودي”، الذي يستهدف تغطية 1450 كيلو مترا من الحدود المشتركة بين السعودية واليمن كما وعد في لقاء تلفزيوني بث على التلفزيون السعودي بتنظيف كامل المنطقة من المتسللين خللا فترة وجيزة.

 

شائعات

 

ولعل مواقع التواصل الاجتماعي, كالواتس آب و الفيس بوك وتويتر واليوتيوب, ساعدت وبشكل كبير في إبراز مشكلة الأثيوبيين غير النظاميين بل والمبالغة في تضخيمها, بعد أن بدأت تتناقل هذه الوسائل تحذيرات من تسلل الأثيوبيين بمجموعات كبيرة وتواجدهم وسط الأحياء السكنية ونواياهم الإجرامية, مما زاد من حالات خوف الناس والمواطنين من هذه الجالية.  إلا أن البعض لا يزال يصر أن كثيراً من تلك التحذيرات والشائعات المتناقلة عن الأثيوبيين مبالغ فيها بشكل كبير مؤكدين أن الأمر لا يتعدى شائعة غرضا الترويع والترويع, حتى مع وجود بعض الحوادث لكنها لا تصل إلى حد التضخيم الذي يتم تداوله عبر رسائلهم.

 

كما أن هذه الشائعات وما تسببت لدى المواطنين مما سمي بـ "فوبيا الأثيوبين " دفعت بالسفير الإثيوبي لدى الرياض محمد حسن بالإعلان بأن مواطنيه يتعرضون لحملة من الإعلام، لتشويه صورتهم مما أثر سلباً على كل ما هو أثيوبي في البلد, لافتاً إلى أن السفارة تدرس رفع دعوى قضائية ضد أشخاص وجهات إعلامية شهّرت بمواطنينا، بعد التشاور مع وزارة الخارجية السعودية.

 

ومع عدم إنكار السفير بوجود الأثيوبيين غير النظاميين إلا أنه أشار إن الأشخاص المتسللين الذين يقومون بالأعمال الإجرامية لا يحملون ما يساعد في التعرف على هوياتهم وجنسياتهم في ظل تعدد الجنسيات التي يمكن أن تدخل إلى الحدود الجنوبية للمملكة بطرق غير نظامية، وعليه ليس هناك ما يثبت أن جميعهم إثيوبيون.

 

جوانب إنسانية:

 

ومع أن غالبية وسائل الإعلام  قضية الأثيوبيين مركزة على الجانب الأمني، إلا أن ذلك لم يمنع البعض من تناول القضية من جانب آخر وهو الجانب الإنساني، وكان من بينهم الدكتور في أصول الفقه بجامعة أم القرى "محمد السعيدي". الذي اعتبر أن المتسللين الأفارقة لهم حقوق ينبغي ألا تنسى، إلى جانب أن دفع خطرهم يكون بالحسنى.

 

ونوه الدكتور محمد السعيدي إلى أن "دولاً عدوة كإريتريا وإثيوبيا وإيران من مصلحتها إغراق جنوبنا بالمتسللين".وأشار إلى أنه يجب على دول الخليج جعل قضية مسلمي إثيوبيا قضية أممية، كما فعلت دول أوربا بقضايا المتسللين من شمال إفريقيا، والوقوف مع المسلمين الإثيوبيين بالضغط على حكومتهم لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والدينية والمعيشية.