"السحل الحلال" في إعلام الفتنة
15 جمادى الأول 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تشهد الساحة الإعلامية العربية حالة شديدة من التردي تنذر بأخطار جمة على مستقبل الأمة التي تعيش مرحلة من أدق مراحلها في العصر الحديث حيث تهز عواصف التغيير عددا من البلدان بعد زوال عدد من الأنظمة الدكتاتورية وقرب زوال البعض الآخر..والمفترض أن يكون الإعلام في نصرة الحق ويقف بجانب المظلوم ويرسخ معاني المهنية في أبهى صورها ويكون أفضل مرآة للشعوب, بصرف النظر عن انتماءاته, ويتعامل بموضوعية مع شتى القضايا ولا نقول بـ "حياد" لأنه غير وارد في حقيقة الأمر وقد تجاوزته شتى المدارس الصحفية في العالم..

 

ولكن السقوط المدوي الذي نراه لعدد من الفضائيات والصحف والمواقع العربية بشأن التعامل مع القضايا التي تمر بها الأمة جعل الخوف يتزايد على هذه المهنة وأصبح الإعلام في خدمة أصحاب المال المشبوه أو الأفكار والأيديولوجيات الغريبة عن المجتمع والتي تتصادم مع ثقافته وهويته, وهو يمارس شتى أنواع التضليل والكذب مستغلا انتشاره الواسع والإنفاق الكبير على البرامج التي ينتجها لجذب شريحة كبيرة من المشاهدين الذين تنطلي عليهم في أحيان كثيرة ادعاءات وأكاذيب هذا الإعلام الذي يتعمد الكذب ويستمر فيه حتى يصدق نفسه ويصدقه الناس وهي سياسة معروفة يستخدمها الإعلام الصهيو أمريكي منذ أمد بعيد..

 

إن المثال الذي نعرضه اليوم ليدلل على ما قلناه شديد الوضوح فقد فوجئ المشاهدون في مصر منذ عدة أسابيع وهم يتابعون إحدى الفضائيات التي كانت تنقل مظاهرة للمعارضة العلمانية ضد النظام, بمشهد مصور لرجل يدعى حمادة المصري يرتدي ملابسه الداخلية ورجال الأمن يحيطون به ويحاولون السيطرة عليه وهو يسعى جاهدا للإفلات وفسر مذيعو القناة وجميع القنوات الأخرى التي سارعت بعرض المقطع الذي كان مصورا بكاميرا مثبتة في مكان ما بحيث تبدو الصورة شديدة الوضوح مما أثار الدهشة, فسروه بأنه سحل لهذا الرجل المعارض على أيدي رجال الأمن وقد تم بث هذا الفيديو آلاف المرات على جميع القنوات العلمانية المناوئة للتيار الإسلامي,مع تحليل متحيز من عدد من المحللين الليبراليين واليساريين فقط في أغلب الأحيان, وحاولوا بكل الطرق أن يدينوا رجال الأمن رغم أن الرجل نفسه في البداية برأهم وشهد أن الذي جعله يخلع ملابسه هم المتظاهرون الذين ظنوا أنه يعمل مع الأمن وانهم ألقوا على قدمه زجاجة حارقة, وهو أمر رجحته الدلائل حيث أن الصورة لم يظهر فيها كيف خلع الرجل ملابسه كما أن المشاهد تشير إلى أنه كان ينتفض على الأرض من شيء ما وليس من الضرب الذي لم يظهر جليا في المشهد وحتى لو كان رجال الأمن متورطين في المشهد فهو لا يدين النظام كله لأن هذا يحدث أحيانا في أرقى الأنظمة "الديمقراطية" فما بالك بنظام يخطو أولى خطواته نحو الحرية...

 

المشهد الثاني هو الفيديو الذي يصور أحد الصحفيين الإسلاميين وهو الصحفي مصطفى الخطيب الذي كان يتابع أحداث المقطم الأخيرة التي دعا إليها عدد من رموز المعارضة العلمانية, وتم سحله بشكل عنيف وضربه بقوة هو وزميله طارق سلامة، وتم نقل الصحفي مصطفى الخطيب إلى مستشفى البنك الأهلي بالمقطم، حيث تعرض لعدة إصابات في أنحاء متفرقة بجسده بجانب تجمع دموي على الرئة..

 

لم نشاهد هذا الفيديو على قناة من القنوات التي أقامت الدنيا ولم تقعدها في المرة الأولى وبلعت هذه القنوات ألسنتها ودافعت عن البلطجية والمخربين وأدانت محاولات القبض على بعض المتورطين وأقامت مندبة على حرية الرأي التي يريد النظام الإسلامي قمعها, ولم نعرف أين حرية الرأي في سحل صحفي وليس مواطن عادي مثل حمادة المصري وضربه بهذا العنف وعدم إبراز ذلك مثلما تم إبراز الفيديو الأول..

 

أين المهنية والموضوعية التي يتشدق بها هذا الإعلام؟! لا نقول لهم دافعوا عن الإسلاميين ولكن أين الدفاع عن حق الصحفي في متابعة الحدث مهما كان توجهه السياسي والفكري؟!أين الدفاع عن حقوق الإنسان التي يتشدقون بها ليل نهار؟ أم أن الحقوق قاصرة على أصحاب المناهج الليبرالية واليسارية الذين يعتبرون انفسهم فوق الآخرين؟!..لقد سقط إعلام الفتنة والخزي والعار وفضح نفسه على رؤوس الأشهاد.. وها نحن ننشر الفيديو بعد أن نشرته العديد من المواقع.. فهل ننتظر أن يبث مائة مرة فقط على الأقل في كل قناة وليس آلاف المرات كما حدث في الفيديو الأول أم أن هذا في الأحلام؟