الإسلاميون بين الحكم والدعوة
4 جمادى الأول 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

الفترة الماضية كانت فارقة بالنسبة للتيار الإسلامي في المنطقة؛ فقد تحول من موقع المعارضة في عدد من البلدان إلى موقع الحكم أو قريب منه, كما خاض بقوة غمار العمل السياسي وبدأ يطرح نفسه بقوة في معادلة الحكم...

 

وبدأت المؤسسات البحثية الدولية والإقليمية تدرس باستفاضة وضع التيار الإسلامي في الحكم ومدى إمكانية نجاحه والتحديات التي تقابله كما اهتمت الحكومات الغربية بهذا التيار بشكل اكثر جدية؛ فقد كانت تسمع عن شعبيته ولكنها كانت تعلم أنه لن يسمح له بالحكم في ظل النظم المتسلطة وعندما حدثت التغيرات "الدراماتيكية" الأخيرة وتغيرت الأوضاع واهتزت عدد من الأنظمة القائمة تغيرت النظرة الغربية وبدأت في إطلاق طريقة مختلفة للتعامل مع الواقع الجديد...

 

كان الإسلاميون طوال السنوات الماضية في مواقع المعارضة وهو أمر يفرض أحيانا طريقة في التعامل مع المشكلات بشكل تنظيري يصاحبه لهجة عاطفية شعبية وهو أمر متعارف عليه بالنسبة لأحزاب المعارضة في جميع دول العالم ولكن عندما تصل إلى الحكم يوجد واقع شديد التعقيد لا يعرف الرأي الأحادي أو العاطفية ويحتاج إلى مزيد من المرونة ومواجهة مشكلات وتحديات من نوع جديد وكفاءات وخبرات مختلفة...التيار الإسلامي عاش وسط الناس معلما ومربيا وموجها والتف الناس حوله حبا في الدين وتعاليمه في وقت حاولت الانظمة تجفيف المنابع الدينية ومحاصرة ظواهر الالتزام الديني فكان التيار الإسلامي في وضع المظلوم والمجني عليه مما أكسبه المزيد من التعاطف... ولم يكن التيار الإسلامي مسؤولا بالتالي عن المشاكل التي يعاني منها المجتمع بل يساعد في حلها متبرعا وهو ما يزيد من رصيده أما الآن فقد أصبح العبء بالكامل على كاهله وهو خطأ فادح لم يكن التيار الإسلامي أو أي تيار مهما بلغت قوته يستطيع تحمله وهو ما منح فرصة ذهبية للمناهضين له للهجوم عليه وتصيد الأخطاء..

 

لقد أعلن التيار الإسلامي في البداية أنه لن يحكم الآن لأن المشاكل أكبر من قدرة أي فصيل على تحملها ثم تورط في الحكم بسذاجة مفرطة ودون استعداد كافي وانسحب الآخرون تاركين له المهمة بأكملها لكي يفشل وتحمله الجماهير المسؤولية كاملة والغريب أن المصيدة عندما نصبت لم يلجأ التيار الإسلامي لجمع كل فصائله لحملها بل مارس سياسة الإقصاء والنرجسية التي كان يمارها في الدعوة وأصبح يتعرض لانتقادات بالغة من بعض فصائل التيار الإسلامي نتيجة للابتعاد عنها وعدم مشاورتها أو مشاركتها في القرار...

 

لقد اكتشف الإسلاميون أن "حكم الدولة" يحتاج إلى مهارات وخبرات مختلفة عن حكم جماعة أو حي أو جامعة أو مدرسة وعندما حدث ذلك لم يعترفوا ويسارعوا في تدارك الاخطاء بل تورطوا في المزيد من الاخطاء والاستقطاب...ما نراه الآن في مصر من خلاف بين جماعة الإخوان وبعض التيارات السلفية وكذلك في تونس في وقت تشتد فيه الحرب العلمانية على التيار الإسلامي يؤكد أن التيار الإسلامي لم يستطع حتى الآن أن يتجاوز وضعية "المعارضة" و"الدعوة" التي عاشها لسنوات طويلة وهي وضعية مختلفة تماما عن وضعية الحكم..الأزمة الحقيقية أن العناد يتواصل دون حلول حاسمة والوضعية الجديدة ما زالت ملتبسة عند الجماعات الحاكمة وباب المشاركة حتى مع الفصائل الإسلامية الأخرى يزداد ضعفا والرهان أصبح مع الأسف على رضا وقبول الطرف المعادي لأسباب أيديولوجية وعقائدية وهو طرف لن يقبل سوى بالهزيمة الساحقة للتيار الإسلامي ككل..

 

لقد دافعنا كثيرا عن الحكم الجديد وكشفنا عن المؤامرات التي تحاك ضده ولا زالت, ولكن هذا لا يعني أننا لا نوضح أخطاءه التي ستصب في النهاية نحو إفشال المشروع الإسلامي بأكمله وانصراف الناس عنه..

 

من غير الجائز أن يقف فصيل إسلامي واحد في معركة الحكم منفردا في الظروف الراهنة دون اللجوء على أقل تقدير للفصائل الإسلامية الأخرى لمشاركته الرأي والمشورة ووضع الحلول بل من الضروري توسيع دائرة المشاركة لأطراف من خارج التيار الإسلامي لتفويت الفرصة على المتربصين أما النظرة التنافسية القاصرة وعدم الاعتراف بالأخطاء والارتباك في القرارات قسيؤدي حتما لإغراق سفينة الوطن.