هل تندم الشعوب العربية على ثوراتها؟
16 ربيع الثاني 1434
خالد مصطفى

عندما قررت عدد من الشعوب العربية الانتفاض على أنظمتها المستبدة وخرجت مطالبة بحقوقها المشروعة كان الأمل يحدوها في مستقبل أفضل وحياة كريمة يتوفر فيها الحد الأدنى الذي يحافظ على آدميتها من مأكل وملبس ومأوى..

 

وعندما اختارت الإسلاميين لكي تمنحهم ثقتها فلأنها شعرت أنهم الأكثر أمانة ومصداقية في تنفيذ هذه المطالب...

 

وهذا واقع ينبغي معرفته جيدا عندما يتم التعامل مع حالة اليأس والإحباط التي أصابت هذه الشعوب بعد مرور الأيام والأسابيع والشهور بل والسنين دون تغيير حقيقي بل إن الاوضاع تزداد سوءا..

 

وبدأ الناس يتحدثون فيما بينهم هل يا ترى أخطأنا عندما خرجنا من أجل تغيير الأنظمة؟ هذا السؤال الذي كان يتردد بصوت خافت في وقت سابق بدأ يتردد بصوت مرتفع الآن بل إن البعض أصبح يجيب عليه بوضوح بـ "نعم".. إن المواطن البسيط في العالم العربي والذي يمثل الأغلبية الساحقة كان يريد الحصول على حقوقه والشعور بمزيد من الأمن فإذا به لا يجد قوت يومه ولا يشعر بالأمن ولا الأمان على نفسه ولا على أولاده..صحيح هناك قوى مضادة للثورات تكافح من أجل إفشالها وهناك أصحاب مصالح يحاربون من أجل بقائها في دائرة الفساد السابقة, ولكن هذا المواطن لا يفهم ذلك وليس من المطلوب منه أن يتحمل المزيد وإذا تحمل فإلى متى؟ إن النخبة لتي تتكلم عن إيجابيات الثورة ومحاسنها تتعارك أمامه الآن حول موضوعات مختلفة وهو لا يفهم أكثر من أنه لم يجد حلمه الذي خرج من أجله...

 

نعم هناك من يراهن على إفشال التيارات الإسلامية لكي يزيحها ويقفز مكانها ويستخدم معاناة المواطن البسيط ولكن النتيجة أن هذا المواطن "كفر" بالثورة والتغيير وفقد ثقته في جميع التيارات المتصارعة أمامه...إننا لا نسنستطيع أن نعفي التيارات الإسلامية من المسؤولية فهي تيارات قليلة الخبرة السياسية وهذا مفهوم ولكن غير المفهوم أن تنقل هذه التيارات الصراعات التي كانت تدور بينها في حقل الدعوة إلى السياسة بما يمثل هذا من تهديد حقيقي على مصلحة الأوطان, كما أنها لم تتمكن من التحالف والتنسيق فيما بينها لتقديم ورقة عمل موحدة ضد الجبهات العلمانية التي بدأت في توحيد صفوفها ضدها وتحريض المؤسسة العسكرية تارة وتحريض الغرب تارة أخرى مستعلة تدهور الأوضاع...

 

افتقاد التيارات الإسلامية للرؤية الثاقبة والخبرة الكافية في مجالات الحكم وفشلها في استقطاب كفاءات من خارجها تساعدها في هذا المجال الذي دخلت فيه وهي غير مستعدة أدى إلى عدم قدرتها على مواجهة المطالب الكبيرة للشعوب والطموحات العالية التي تريدها منها, ناهيك عن المعوقات التي توضع في طريقها من المناهضين لمنهجها..

 

إن التيارات الإسلامية كانت تعلم صعوبة المسؤولية وصرحت أكثر من مرة أن إدارة البلاد في هذه المرحلة أكبر منها وحدها وتحتاج إلى توحيد الصفوف ولكن الواقع اثبت أنها فشلت في توحيد صفوفها أو جذب فئات أخرى إليها بالقدر الذي يعينها على حمل المسؤولية..

 

أنا لا أتكلم هنا عن العلمانيين المتطرفين الذين يعادون المنهج الإسلامي ويريدون وأده والقضاء عليه لأنه يتعارض تماما مع مشروعهم ولكني أتكلم على شخصيات وفئات كثيرة في المجتمع لا تنتمي للتيار الإسلامي ولا تعاديه أيضا, لكنها تريد الإصلاح, هذه الفئات والشخصيات أصبحت تبتعد أكثر وأكثر عن التيار الإسلامي متأثرة بالحملة التي تشنها أجهزة الإعلام ضده في الوقت الذي انشغل فيه الإسلاميون عنهم بالمعارك التي أشعلتها الفئة العلمانية المتطرفة..

 

إن الإسلاميين شاءوا أم أبوا هم المسؤولون أمام الشعوب عن إنجاح هذه الثورات ووصولها إلى بر الأمان..التحدي الذي يواجهه الإسلاميون والثقة التي منحتها لهم الشعوب تحتاج إلى الانفتاح على قوى المجتمع المختلفة وحصار الفئة المتطرفة التي تروج للعنف وتطبيق القانون بحسم ضد كل من يسعى للفوضى والتخريب..

 

إنها فرصة كبيرة قد لا تتكرر في المستقبل القريب ولكنها تحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل.