غزة .. وتعميق هوية الابناء
1 محرم 1434
معتز شاهين

صور جديدة تضاف إلى ألبوم ضمائرنا، صور لضحايا جدد من أطفال وشيوخ ونساء، ومجاهدين ضحوا بالغالي والنفيس في حياتهم، ثم مضوا ولم يبق لنا منهم سوى صورهم؛ منها صورة لطفلة استشهدت بعدما ماتت محروقة جراء غارة يهودية، وصورة لمجاهد قسامي لم يتبق شيء من وجهه.

 

 
تلك الصورة وغيرها رأينها ورآها أطفالنا في بيوتنا كلنا، ولكن ماذا بعد رؤية أطفالنا لتلك الصور والمشاهد؟

 

 
تبدأ الحكاية من عندنا نحن الآباء ، يجب أن تعيد تلك الصور ترتيب أذهاننا بشكل سليم، لكي نعمل على إعادة رسم الصورة الذهنية لأطفالنا حول طبيعة الصراع، وحقيقة ما يحدث في فلسطين الحرة، فليس ما يحدث على أرض فلسطين مجرد حرب على أرض اغتصبها مجموعة من المحتلين، ولكنه صراع قوامه الأساسي الدين، وكذلك هو صراع فكري حول هوية أمة يراد لها الاندثار، أو الإبقاء عليها مشلولة كما هي بلا حراك.

 

 
إذا ما وعينا نحن الكبار تلك الحقيقة , فسنطبع ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر في نفوس أطفالنا، ليشبوا لديهم هوية يستعصى تدميرها أو تغييرها على مر الزمان، ولكن لغرس تلك الهوية وجعلها كالبصمة لا تنزع ولا تتغير يجب علينا القيام بعدة مهام ضرورية منها :

تفهم فكرة عدم تقبل أطفالنا لتلك الصور البشعة لضحايا العدوان على غزة، فقد يشعر الطفل بنوع من الخوف أو القلق وهو شعور طبيعي في تلك الحالات، فإذا نقل الوالدان للطفل أن الشعور هذا طبيعي فسوف يجعل الطفل يتقبل الأمر ويتعامل معه بشكل إيجابي، فليحاول الوالدان تقبل خوف الطفل، وأن يُظهرا التعاطف أمامه لما يحدث.

 

 
كذلك على الوالدين ترك الطفل يعبر عن مشاعره، وأن يساعداه على وصف تلك المشاعر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فلا يقولان له حين خوفه ( لا تخف .. لا تكن جبانًا ) فذلك يؤثر فيه سلبًا.

 

 
إن ما حدث مع الطفل من متابعة مشاهد العدوان يعد فرصة مواتية يجب استغلالها من قبل الوالدين واستثمارها في تحويل طاقات الطفل ومشاعره لشيء إيجابي، فالأطفال أكثر تأثرًا وتعاطفًا منا نحن الكبار، لذا يتحركون سريعًا ويتفاعلون مع الحدث، فعلى الوالدين تدعيم ما يقوم به الطفل، وحثه مثلاً على جمع تبرعات أو عمل حملة للدعاء من أجل أطفال غزة أو ما نحوه من مساهمات تفيد في تقليل حجم المعاناة التي يلاقيها إخواننا في غزة - بشكل يتلاءم مع الأطفال ويفهمهم دروسا تطبيقية -

 

 
وبمناسبة الدعاء حكت أحدى الأمهات عما حدث مع طفلتها الصغيرة بعد ما شاهدته من دمار وقتل لأطفال غزة قائلة : ( أُهدي لنا زجاجة من زمزم، فحكيت لابنتي الصغيرة كيف أن الدعاء عند شرب ماء زمزم مستجاب، فقلت لها فكري في دعاء ليستجيبه منكِ الله؛ ثم اشربي الماء وادعي، فكانت تأتي لي وتقول نفسي في بيت كبير، نفسي في عرائس، نفسي في حلوى أكثر وأكثر، حتى رأت الدمار والخراب في غزة، وخرجت لتعلب مع صديقاتها في الخارج ومعها الماء الذي من زمزم، وما هي إلا دقائق حتى وجدتها ترفع يدها بالدعاء: يا رب انصر فلسطين، يا رب انصر غزة، يا رب القدس يرجع للمسلمين ثانية، وجميع الأطفال يرددون وراءها، ثم أخذ كل منهم يشرب من ماء زمزم!

 

 
لذا أؤكد أن هذه فرصة لكل والدين لفتح حوار مع أطفالهم حول اليهود وأفعالهم، وطبيعة الصراع الدائر بيننا وبينهم، وبخيانتهم الدائمة ودمويتهم، على أن يكون ذلك وفقا لما تطيقه عقول أطفالنا وسنهم، وكذلك هي فرصة لغرس قيم الجهاد وإعلائها في نفوس أطفالنا، وحقيقة الشهادة في سبيل الله، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وذكر ما أعده الله لهم من نعيم مقيم.

 

 
وأخيرا من الهام جدًا أن يعمل الوالدان على أن يدرك الطفل أن ما به أطفال غزة وأهلها جميعًا ليس كله شر محض، بل إن ما هم فيه من بلاء إنما هو محبة من الله لهم واختبار لرفع درجاتهم، ولينتقي الله منهم شهداء أبرار يتنعمون بنعيم الجنة وما فيها، كل ذلك إذا صابروا ورابطو واتقوا الله.