ماذا حدث في التحرير؟
29 ذو القعدة 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

الوقائع التي شهدها ميدان التحرير في مصر الجمعة الماضية تشير إلى عدة أمور هامة لا يمكن إغفالها في ظل حالة الارتباك التي تشهدها بلاد الربيع العربي جميعها بلا استثناء نتيجة لطول فترة القمع والاستبداد وتولي الامن لجميع ملفات البلاد لسنوات طويلة, وحجب العمل السياسي عن قطاعات عريضة وقصره على رجال النظام ومجموعة من المعارضين الصوريين..

 

الخروج من قمقم الظلم والاضطهاد أدى إلى حالة من التخبط في أفكار قطاعات من الشباب الذين قاموا بالثورة أوعلى أقل تقدير آمنوا بها وظنوا أن كل الأراء السياسية مهما كان حجم الاختلاف عليها تُفرض بالمظاهرات بل تجاوز الامر إلى التهديد بالتظاهر والاعتصام وعمل ثورة جديدة اعتراضا على أي قرار من الجهات التنفيذية المنتخبة, وفهمت فئات من الشعب من وراء ذلك ـ والتي أيدت الثورة رغبة في الخروج من الفقر والعوز ـ أن الحل هو التظاهر والاعتصام  والإضراب للمطالبة بأي حق يعتقدونه لهم مهما كانت ظروف البلاد والتدهور الاقتصادي الذي تمر به غير مبالين بالنتائج الكارثية عليهم قبل أي أحد آخر جراء ذلك...

 

هناك حالة عميقة من سوء الفهم عند البعض يترجم لأعمال عشوائية قد تؤدي إلى عكس الهدف من ورائها تماما, مثل هؤلاء الذين ظنوا أن الهدف من الثورة أن يحكم البلاد من قاموا بها وخرجوا إلى الميادين, ووجدوا من يُنظّر لهم هذه السوءة الفكرية, وهو خطأ فادح فالغرض من الثورة في "الانظمة الديمقراطية" التي يتباهون بالسير على طريقها هو أن يتمكن  الشعب من اختيار حكامه حتى لو أخطأ فسيتعلم بالتدريج, أما تسلط بعض من قاموا بالثورة فهو يشبه تسلط الانظمة السابقة تماما والتي وصلت للحكم بانقلاب عسكري ثم صادرت حق الشعب في الاختيار..

 

من أمثلة سوء الفهم الحاصل والتي يقف خلفه عدد من المنظّرين المناوئين للتيار الإسلامي والمنتشرين على فضائيات رجال الاعمال المنتفعين من الانظمة السابقة والذين يريدون توجيه دفة الحكم في البلاد إلى وجهة معينة تخدم مصالحهم وأفكارهم, هو نظر كل فئة لمصالحها الآنية دون الاعتبار لمصلحة الوطن ككل ثم استخدام القانون إن أمكن لذلك فإن لم يكن في صفهم قالوا "نحن في ثورة وينبغي إحقاق الحق بأي طريقة" والعجيب أن الحكومة لو سارت خلف القانون تُتهم بأنها تشبه الحكومات السابقة قبل الثورة وإذا اخترقت القانون ونفذت ما تراه صائبا لدعم الثورة تُتهم بأنها تتجاوز الشرعية كما حدث مؤخرا في قضية إقالة النائب العام المصري...

 

كذلك قضية احتكار الثورة والميدان من قبل بعض التيارات الليبرالية واليسارية التي لا تريد لأحد النزول للتعبير عن رأيه في الميدان إلا بإذنها أو بالاتفاق معها على جميع الاهداف حتى وإن كانوا الأقل عددا والأضحل شعبية والأبعد عن الناس والأكثر تعاليا على الفقراء والبسطاء الذين يدعون أنهم يدافعون عنهم, وإذا لم يتم لهم ما أرادوه يعتدون على الاطراف الاخرى ويحاولون الاشتباك مع الامن وتهييج الجماهير لإثارة حالة من الفوضى يظنون أنهم من خلالها يمكنهم قلب الواقع السياسي لصالحهم وإفشال السلطة المنتخبة وإثبات أنها عاجزة عن إدارة دفة البلاد...

 

إن التحريض المستمر ضد الإسلاميين ووصمهم بشتى التهم الباطلة والترويج للأكاذيب حولهم لا يقل إرهابا عما كانت الانظمة السابقة تفعله بهم من اعتقال وتلفيق قضايا, ولن يؤدي لمصلحة الوطن من قريب أو بعيد بل سيؤدي لمزيد من الاحتقان والعنف وانهيار المؤسسات, وهو ما يخدم أعداء الامة والمتربصين بها..

 

لا يمكن لحالة النفاق والانتفاع السياسي والتصيد والمحاولات المستمرة لسرقة الشارع السائدة في بلاد الربيع العربي أن تؤدي إلى نهضة أو تقدم ولا يمكن أن تتم محاسبة أي سلطة على الانجاز في ظل هذه الحالة المتردية...

 

هل هو مخطط لكي يندم الشعب على الثورة ويتحسر على الأيام الخوالي؟ هل هي رسالة للشعوب لكي ترضى بالظلم والاستبداد خوفا من المجهول؟ هل هؤلاء حقا قاموا بالثورة من أجل النقدم والرقي أم من أجل التحلل والاستبداد باسمها؟ أسئلة كثيرة تتفجر الآن في رؤوس البسطاء الذين ملوا من الكلام والكلام المضاد وينتظرون أياما وعدوا بها لم تأت بعد وكلما اقتربت جاءهم من يسرق أحلامهم ويشغلهم بأي قضية فرعية أو حتى جوهرية ولكن غير ذات أولوية في الوضع الحالي.