كيف يدير الإسلاميون "معاركهم"؟
12 ذو القعدة 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تعيش الحركات الإسلامية في الوطن العربي في الفترة الأخيرة حالة من النشاط الذي يشبه الفوران وذلك بعد فتح الابواب المغلقة أمامهم للعمل الدعوي والسياسي عقب الربيع العربي الذي اجتاح عدة دول وأصابت تداعياته دولا أخرى...

 

ومنذ ذلك الوقت اندلعت معارك فكرية كبرى بين التيار الإسلامي والتيارات العلمانية المختلفة التي ساءها صعود التيار الإسلامي وشعبيته الجارفة وبدأت حرب من نوع أخرى يتعرض لها الإسلاميون ليست بالاعتقالات والسجون وأجهزة الامن كما كان سائدا في العهود السابقة, ولكن بنيران الكلمات وقذائف المقالات ورصاص الشائعات, وكلما حقق الإسلاميون في مكان ما انتصارا زادت الحرب عليهم واستعانت التيارات المناوئة لهم بشتى الحيل والأكاذيب لتشويه صورتهم...

 

وما يلفت النظر بشدة في هذه المعارك أن التيارات المناوئة للإسلاميين تعرف هدفها جيدا ولا تهادن ولا تفاوض حول "الثوابت" التي تنطلق منها وتسعى بقوة للاتحاد فيما بينها رغم اختلاف مشاربها لكي تقضي على الإسلاميين وشعبيتهم في الشارع, وتطرح هذه التيارات وجهة نظرها بقوة ولا تسعى في معظمها لأي تقارب مع الإسلاميين, معترفة بأن المنهجين مختلفين ولن يتلاقيا مهما حدث, في حين أن معظم التيارات الإسلامية نجدها وقد أصابها الاضطراب والارتباك سواء في أطروحاتها أو في المنهج الذي تتعامل به مع هذه التيارات حيث نجدها تتقرب إليها وتتنازل عن بعض "ثوابتها" من أجل تخفيف حدة الخلاف معها وتعرض عليها مبادرات عديدة للتفاهم والتقارب, في نفس الوقت لا نرى التيارات الإسلامية تسعى للإصلاح فيما بينها بنفس الكيفية ونفس القوة رغم وجود عناصر اتفاق أكبر بكثير, بل لا نرى جدية في هذه المحاولات إذا ما قورنت بالمحاولات مع التيارات العلمانية....

 

لا شك أن الخلاف بين التيارات الإسلامية والتيارات المناوئة لها خلافات جوهرية ولا يمكن التوصل في معظمها لحلول ترضي الطرفين وهو ما ينبغي على الإسلاميين مواجهته وطرحه أمام الجماهير وأمام الطرف الآخر بوضوح فليس من المعقول أن يعتز ناصري مثلا بعبد الناصر وأفكاره البشرية التي أخذها من هنا وهناك وثبت فشل الكثير منها ولا يعتز الإسلامي بمنهجه المستمد من الكتاب والسنة, ثم نرى ترجمة لذلك في تخاذل خلال نقاشات تدور بين الطرفين على شاشات الفضائيات فيبدأ العلماني بالهجوم ثم يظل الإسلامي يعتذر ويتراجع وكأن على رأسه "بطحة" كما يقولون..هناك فرق كبير بين الأولويات وما يمكن تطبيقه وما لا يمكن تطبيقه في مرحلة معينة والانفتاح على الآخر ودعوته والاتفاق على ما يمكن الاتفاق عليه وبين هذه الحالة المتردية التي أصابت عددا كبيرا من أنصار التيار الإسلامي..

 

إن خوف بعض الإسلاميين على شعبيتهم أصابهم بالفزع من مجرد توجيه النقد لهم حتى ولو على ألسنة بعض الفساق والمنافقين ظنا منهم أن لهؤلاء رصيدا ما في الشارع نظرا لترويج الإعلام لهم ونشر أحاديثهم ليل نهار...على الإسلاميين أن يستيقظوا من صدمة الوصول للحكم او الاقتراب من ذلك, كما عليهم أن يعيدوا قراءة الطريقة التي تعاملوا بها مع مخالفيهم في الفترة الماضية وطريقة التعامل فيما بينهم وإعادة ترتيب أولوياتهم وتحديد الثوابت والمتغيرات في منهجهم , والأطروحات التي سيواجهون بها الجماهير خلال الفترة المقبلة..لقد خرج الإسلاميون من القوقعة إلى الفضاء الواسع وهو الاختبار الأصعب وإذا لم يتداركوا أنفسهم ويلملموا شتاتهم قد لا يجدون نفس الفرصة مرة أخرى.