رد مصر على بذاءات نظام سوريا
19 شوال 1433
أمير سعيد

محال أن يسبق غضبنا بسبب الإساءة لرئيس مصر من قبل آلة التزييف السورية لوعتنا على الدماء الحرة الطاهرة المحرمة على أرض الشام كل يوم، والتي بلغت حدا يكاد يصبح مائتي شهيد يومياً، فكلاهما وإن كان عزيز؛ فإن الدم لابد أن يسبق غضب الإهانة.

 

على أن الأخيرة، لها هي أيضاً ثمن؛ فلئن كان الأبطال من الجيش الحر والمجموعات القريبة منه تنال من شبيحة النظام الفاشي في دمشق، وضباطه وجنوده، وطائراته ودباباته كل يوم تقريباً؛ في محاولة حثيثة لكف أذى هذا المتعطش للدماء عن جموع السوريين من غير العلويين؛ فإننا ما زلنا نتمتع بحلم واسع على تلك الإساءات والبذاءات التي تتوالى من الإعلام السوري، بل من مسؤولين كبار في نظام بشار على الرئيس المصري بسبب موقفه من الثورة السورية، والذي تجلى في مؤتمر طهران الماضي..

 

فأن يصف وزير الإعلام السوري بأنه "منافق سياسي"، ويقول بأن مبارك ومرسي إلا اللحية، ويدعي أن كلام الرئيس مرسي عن الدم السوري وبأنه في رقبتنا كمصر وغيرها من دول عدم الانحياز، بأنه اعتراف بدور مصر وقطر وغيرها في سفك دماء السوريين! وأن تتردد الخارجية السورية بذاءات الإعلام الإيراني حول حداثة التجربة الرئاسية "رئيس ناشئ"، وتصفه تقليلاً بأنه "إخواني"، وكأنها مسبة! وتتطاول وسائل الإعلام السورية فتنعت خطاب مرسي بأنه "قلة أدب"؛ فإن ذلك لا يمكن إدراجه إلا في خانة العداء السافر على مصر بما يمثله مقام الرئاسة من مكانة، كونه صادر عن انتخاب شعبي حر (لم تسمع به أدبيات الفاشية البعثية في دمشق أصلاً).

 

إن ما يتوجب فعله حيال مثل هذه البذاءات، لا يملأ خزان غضبه من هذه البذاءات وحدها؛ فهي ليست إلا القشة الأخيرة، وإنما هو في الحقيقة وفر للقاهرة زخماً لموقفها من الثورة السورية، أو بالأحرى، الموقف الذي ينبغي أن يكون.

 

والواقع أننا لسنا محصورين بين الصمت والدعم العسكري للأحرار السوريين؛ فبين هذا وذاك الكثير من الأفعال التي يمكن لمصر أن تقصر المسافة فيها على أهلنا في سوريا للوصول إلى حريتهم المنشودة وكنس هذه العصابة الطائفية الفاشية البغيضة من دمشق وسوريا كلها؛ فأمامنا خطوة سياسية هامة تتجلى في تحويل كلام مصر الرسمي في قمة طهران عن فقدان نظام بشار لشرعيته، الذي يستخف به الإعلام السوري إلى فعل؛ فتسحب مصر اعترافها بهذا النظام المجرم، وتعلن أنها ستعترف فوراً بحكومة سورية مؤقتة إذا ما أقيمت ممثلة واقعياً لقادة الداخل والخارج، والعسكريين والمدنيين، وتفتح الباب واسعاً لتحويل دفة الشرعية العربية إلى نظام جديد.. وبالطبع هذا يستدعي إغلاق السفارة السورية تماماً في القاهرة وإغلاق سفارتنا بسوريا.

 

وهذا أمر في غاية الأهمية إن تم من جانب مصر بما لها من ثقل على المستوى الإقليمي، حتى لو لم تتداعى دول المنطقة لتكرار ذلك (تونس فعلت من قبل)، وهو سيساهم في تسريع سقوط بشار، ورفع معنويات أحرار سوريا، والتمهيد لعلاقة قوية مع ورثة النظام غير الشرعي في دمشق، والتلويح باتفاقية الدفاع العربي المشترك (مع الثوار)، في مقابل التلويح من جانب طهران بتفعيل اتفاق الدفاع المشترك مع دمشق بين النظامين الطائفيين، فعلينا أن نفكر جيداً في الحاجة الملحة التي تدعونا إلى الإبقاء على العلاقة مع دمشق.

 

وأمامنا تحويل رباعية الاتصال التي اقترحها الرئيس مرسي إلى ثلاثية تقتصر على مصر والسعودية وتركيا، بعدما استهانت طهران بالمقترح المصري، وحولته إلى ثلاثية من مصر وإيران وفنزويلا! وأمامنا أكثر من وسيلة، ولو اقتصرت على التنسيق على أعلى مستوى مع أنقرة.

 

كما أن أمامنا الجهد الشعبي الذي تقوده القوى السياسية "الإسلامية"، والتي يتوجب عليها الآن وأكثر من أي وقت مضى إظهار تعاطفها الجارف مع أهلنا في سوريا، ولا حجة لأحد الآن بعد أن استتب الأمر، وصارت مصر دولة تحكمها رأس واحدة، وتكتب أجندتها الداخلية والخارجية باستقلال كبير، وقد سقطت كل الذرائع التي تحول دون وقفة تليق بمصر من أجل وقف العدوان والمجازر اليومية الدائرة في الشام..

 

والجهد الشعبي لا يكون بمثل هذا التهور الذي شهدناه حول السفارة السورية؛فقطرات دم المصريين من المواطنين والشرطة أغلى من أن تضيع بلا ثمن هكذا، وفي معارك لا طائل من ورائها، ونحن ننتظر فعالية أكبر كمليونية سلمية تماماً مثلاً، وجهوداً فاعلة على صعيد الأحزاب والقوى السياسية، وتباري بينها في مد يد العون للسوريين بالداخل والخارج من النازحين واللاجئين وغيرهم..

 

كذلك؛ فإن ما قاله الرئيس أمام وزراء الخارجية العرب جيد، لكن السوريين سمعوا مثل هذا الكلام من إردوغان، ولديهم تطلع لما هو أكثر فعالية من الزعيمين، لاسيما أن مصر صارت حرة، ولديها ما يمكنها تقديمه مما ذكرت، وغيره..

 

لقد كانت مصر تساهم في تسليح "المجاهدين الأفغان" أواخر سبعينات القرن الماضي وثمانيناته بتمويل خليجي، حينما كانت واشنطن تطلب من العواصم العربية ذلك؛ فهل ننتظر فعلاً مكافئاً من الطرفين بغض النظر الآن عن موقف الولايات المتحدة المساند لنظام بشار لحساب "إسرائيل"؟! إن السلاح يتدفق من روسيا وإيران والصين على دمشق، والجيش الحر منح الطائرات المدنية مهلة أسبوع قبل قصف مطاري دمشق وحلب المدنيين بسبب هبوط جسر جوي إليهما من عواصم تلك الدول لسفك دم السوريين..

 

نعم، يتبقى لدينا أمل في أن تساهم العواصم العربية الأبرز،إضافة إلى أنقرة في موازنة هذا السيل المتدفق من السلاح الشرقي، والعمل جدياً على وقف نزيف الدم السوري العزيز.. لدينا أمل وثقة في القيادة المصرية الجديدة أن تستنهض من حولها كما تسعى لنهضة داخلية، وقد منحنا نظام بشار مبررات جديدة ببذاءاته التي لا تنقطع على القيادة المصرية.