صور مشرقة من ثورة الشام .. (6) المجاهد الصامت
27 رمضان 1433
عبد الرحمن الشامي

لم يترك مظاهرة في كفر سوسة إلا وشارك فيها ... كان ينتظر بزوغ فجر الثورة بفارغ الصبر ، فقد عانى من ظلم النظام في أقبية السجون طيلة ستة وخمسين يوماً في فرع الأمن العسكري ، لم يترك حياً من أحياء العاصمة دمشق إلا وترك فيه بصمته ، وفي الليل عندما يخلد الناس للنوم كان له شأن آخر .

 

إنه يحمل بخاخه وينطلق إلى شوارع دمشق ليكتب على جدرانها كلمات هي أشد من الرصاص على النظام ، حاول النظام معرفته لكن دون جدوى , فقد كان ينتقل بحركة عجيبة بين أحياء دمشق ليقوم بهذه المهمة وقد وضع غطاء على رأسه ، يخفي به وجهه ، وكان مما يساعده في ذلك حركته السريعة جداً، فهو شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز الثالثة والعشرين سنة .

 

كان النظام يتمنى أن يعرف اسمه وبقي يتتبع آثاره سنة كاملة كي يقبض عليه ، وجهز لذلك جيشاً من عيونه وأتباعه لكنه باء بالفشل والفشل الذريع .

 

ومما زاد النظام غيظا عليه تلك العبارات المقذعة المنتقاة التي يكتبهاهذا المجاهد الصامت ، والتي كانت تشعل جذورة الثورة في نفوس الناس عند قراءتها . إضافة إلى أن مايكتبه يحتاج إلى ورشة من العمال لا عمل لها سوى مسح تلك العبارات.

 

وفي الرابع من نيسان من عام ألفين واثني عشر للميلاد ، وبينما كان هذا البطل في إحدى المظاهرات يصدح بالهتاف لإسقاط نظام بشار ، أطلق الأمن السوري النار على تلك المظاهرة فأصابت أحد المتظاهرين ممن كان بجواره ، فقام على الفور محاولاً إسعافه فاستهدفته رصاصة من أحد الشبيحة مما أدى إلى استشهاده , وهناك علمت أجهزة النظام من خلال نَعْي الوفاة أن اسمه نور ... ، وأنه هو الرجل البخاخ الذي أتعبها على مدار عام كامل ، ولم ينس أهل حي كفر سوسة هذا المجاهد الصامت فخرجوا جميعاً وفاء له لتشييعه الذي  لم يشهد ذلك الحي تشييعاً مهيباً مثله منذ عشرات السنين .
رحمك الله يا نور وجعل الجنان مثواك .