انتخابات الجزائر.. هل تعجل بالإصلاح أم بالثورة؟
16 جمادى الثانية 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تشهد الجزائر انتخابات برلمانية في العاشر من شهر مايو الجاري في وقت يزيد فيه الحديث عن احتمال تزوير الانتخابات منعا لوصول الإسلاميين للسلطة كما حدث في عدة دول مجاورة, وما زاد من هذه المخاوف ما نقل من تصريحات لمسؤولين بارزين يستبعدون وصول التيار الاسلامي للسلطة ويؤكدون على الفارق بين الوضع في الجزائر وبعض الدول المجاورة وهي تصريحات لا تشير إلى توقعات بقدر ما تشير إلى إرادة سياسية عند السلطة, كما أنها تشبه إلى حد كبير تصريحات المسؤولين المصريين واليمنيين والليبيين والسوريين بعد ثورة تونس ثم ما لبثت الايام أن أثبتت الاوهام التي يعيشها عدد كبير من الحكام العرب الذين لا يشعرون بشعوبهم إلا إذا انتفضوا وهبوا مدافعين عن حقوقهم...

 

الغريب في هذه التصريحات أنها تتجاهل حالة لم يمر عليها سوى أعوام قليلة عندما اختار الشعب الجزائري بمحض إرادته الإسلاميين في انتخابات نزيهة أدى الانقلاب العسكري عليها إلى حمام دم ما زالت البلاد حتى الآن تعيش تداعياته؛ فلماذا يُستبعد أن يختار الشعب الجزائري المتدين بطبيعته والذي كان في طليعة الشعوب العربية التي اختارت بملء إرادتها الحكم الإسلامي أن يعيد الكرة مرة أخرى إذا كانت ستجري انتخابات نزيهة في الواقع, ثم إن الاوضاع في الجزائر تشهد تدهورا ملحوظا على أيدي الحكومات المتعاقبة والتي أثبتت فشلها على جميع الاصعدة وتمكنت اجهزة القمع بصعوبة من السيطرة على الاحتجاجات التي شهدتها البلاد مؤخرا مطالبة بتحسين الاحوال المعيشية وتوفير فرص عمل وقام بعض الاشخاص بالانتحار حرقا على طريق البوعزيزي في تونس محاولين تفجير ثورة مشابهة..الحكومة تحاول إبعاد شبهة الزوير عن نفسها بوجود مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات حيث سمحت الحكومة بقدوم 120 من الاتحاد الاوروبي من أجل هذا الغرض ولكن هناك العديد من الإشكاليات حول هذا الامر أولها: إن عدد المراقبين غير كاف مقارنة بعدد مراكز الاقتراع في البلاد وهو ما حذر منه عدد من الاحزاب السياسية, كما أن دول الاتحاد الاوروبي ترتبط بعلاقات اقتصادية وطيدة مع النظام الجزائري القائم وهناك عقود وصفقات كبيرة تربط الحكومة القائمة مع شركات اوروبية عملاقة في مجالات الطاقة وغيرها وهو أمر يشكك في نزاهة المراقبين وحيدتهم, كما أن موقف اوروبا من الصعود الإسلامي في المنطقة ومن المسلمين الذين يعيشون على اراضيها شديد السلبية في الفترة الاخيرة وهو ما يؤكد مخاوف عدم الحيدة أضف إلى ذلك أن بعض المراقبين أثار شكوكا في طبيعة مهمته عندما وصل إلى البلاد وبدأ جولاته في بعض المناطق ووجه أسئلة للناس بعيدة كل البعد عن العملية الانتخابية بل تتعلق بالظروف المعيشية والثروة البترولية وكيفية توزيعها بين الشمال والجنوب، وكذا الأوضاع التي يعيشها سكان الجنوب مقارنة بسكان الشمال، وأسئلة أخرى عن المؤسسة العسكرية ودورها، ووضع الطوارق في الجزائر، وكذا الموقف بعد الإعلان عن قيام دولة الأزواد شمال مالي والوضع بهذا البلد وليبيا، وهو ما جعل بعض الحركات الاسلامية تتهم المراقبين بالتجسس...

 

وما يقوي ايضا من المخاوف بشان التزوير هو التهديدات التي اطلقها النظام بشأن المخاطر التي تتهدد البلاد إذا ما تم مقاطعة الانتخابات وتلميحات عن تدخل الناتو, وقد اثارت هذه التهديدات حفيظة عدد من القوى السياسية كالجبهة الاسلامية للإنقاذ التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات خوفا من تزويرها وإقرار الامر الواقع واستخدام المراقبين الاوروبيين للخروج بشهادة دولية على نزاهتها, في حين ترى الاحزاب الإسلامية الاخرى والتي توحدت معا في تجمع ضد احزاب الحكومة أن الخروج للانتخابات بقوة سيؤدي إلى فوزها إذا أجريت العملية بنزاهة أما إذا تم تزويرها فستكون القشة التي ستقصم النظام وتؤدي إلى ثورة عارمة كما حدث في مصر..

 

ما يزيد من المخاوف كذلك هو أن الحكومة كان عندها فرصة كبيرة عند تفجر الربيع العربي والاحتجاجات التي شهدتها البلاد لإجراء إصلاحات واسعة, ومع ذلك كانت الاصلاحات شكلية في أغلبها ولم تغير المنظومة الفاسدة التي تحكم البلاد منذ سنوات وهو ما أثار سخط الناس وزاد من يقينهم بأن الرغبة في الإصلاح الحقيقي ليست في أجندة النظام الذي يبدو أنه لم يتعلم الدرس من دول الجوار ويصر على السير في نفس الخطوات المتباطئة في الاستجابة لنبض الشارع وهو ما يبعد احتمال انصياعه لرغبة الصناديق في تغيير حقيقي.