رحيل صالح.. وإرث الفساد
29 ذو الحجه 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

بعد نحو 10 شهور من المماطلة والممانعة من جهة والمواجهات الدامية بين النظام اليمني وشعبه وسقوط آلاف الضحايا من جهة ثانية ، وقع الرئيس علي عبدالله صالح أخيرا على المبادرة الخليجية التي تقضي بنقل السلطة ليبدأ اليمن عهدا جديدا يفترض أن يبعث الهدوء على الشارع اليمني لكن هذه الخطوة يبدو أنها ليست محل ترحيب من المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء الذين لا يزالون يتشككون في نوايا صالح ورموز نظامه.

 

فبعد ماراثون طويل من المباحثات والمفاوضات التي ماطل فيها كثيرا النظام اليمني للخروج من الأزمة التي كادت أن توقع البلاد في حرب أهلية طاحنة وقع صالح على المبادرة في العاصمة السعودية الرياض وذلك بعد التوافق مع ممثلي المعارضة على الآلية التنفيذية للمبادرة التي تحدد جدولا زمنيا مفصلا للفترة الانتقالية في اليمن، ولكن ما يهم الآن هو تطبيقها خاصة من جانب الرئيس اليمني الذي حكم البلاد مدة 32 عاما وعدم التذرع بأي أسباب لعدم تنفيذها وهو ما قد يجدد بحسب المراقبين الأزمة ولكن بشكل أكبر خاصة أن هناك من يعارض هذه المبادرة أو يشكك في إمكانية تحقيقها خصوصا من جانب شباب الثورة اليمنية.

 

فهؤلاء الشباب -الذي لم يفكوا بعد خيام اعتصامهم في ساحة التغيير -يصرون على محاكمة صالح ورموز نظامه لما ارتكبه من جرائم بحق الشعب اليمني خاصة خلال الثورة، فهم مصممون على "الثورة حتى إسقاط النظام"، خاصة أن المبادرة تمنحه حصانة قانونية من الملاحقة القضائية، وقد أعلن بعض أعضاء المجلس الوطني لقوى الثورة اليمنية "البراءة" مما توصلت إليه المعارضة من الاتفاق مع صالح، متهمين قادة المعارضة بمشاركتها في "مؤامرة" لتسهيل خروج صالح ونجاته من المحاسبة.

 

كما يرى قطاع كبير من اليمنيين أن هذا الاتفاق لم يشر رسمياً إلى المقربين من صالح وأفراد أسرته الذين يسيطرون على الجزء الأكبر من اقتصاد اليمن، ووسائل الإعلام، والقوات المسلحة والخدمات الحكومية، فصالح سيرحل تاركا ورائه إرثا من الفساد والتوتر، فإستراتيجيات بقائه في السلطة تراوحت بين تأليب القبائل ضد بعضها البعض، وغض الطرف عن تنظيم القاعدة.

 

أيضا هناك من يشكك في نوايا صالح من الأساس لتنفيذ المبادرة نظرا لتجاربه السابقة من حيث الانقلاب على الاتفاقات، وما يثير القلق مقتل خمسة متظاهرين بنيران مسلحين موالين للرئيس اليمني بعد ساعات فقط من توقيعه المبادرة الخليجية لانتقال السلطة، لكن في المقابل يتحدث المراقبون عن أن صالح بعد توقيعه على المبادرة أصبحت خيارات عدم التنفيذ محدودة جدا بالنسبة له لأنه أصبح تحت المراقبة والمتابعة من السعودية والمجتمع الدولي الذي رحب بشدة بالخطوة.

 

وتتضمن المرحلة الأولى للاتفاقية - التي تمت بوساطة مجلس التعاون الخليجي- تسليم الرئيس اليمني فور توقيعه على المبادرة صلاحياته الدستورية إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، مع بقائه رئيساَ شرفيا لمدة تسعين يوما ، وسيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون 14 يوما، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال 90 يوما، وبعد هذه المدة لن يغادر الرئيس صالح اليمن، بل سيبقى رئيساً لحزب " المؤتمر الشعبي العام".

كما ينص الاتفاق أيضا على إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية التي يسيطر عليها أبناء صالح وأبناء إخوته، وهو ما قد يجعلهم يقدمون بشكل ما على افتعال حادثة ما لخرق الاتفاق ، وإدخال البلاد في أزمة جديدة.

 

وبعد توقيع هذه المبادرة هل سيتم تغيير صالح وحده أم نظامه أيضا معه أم سيرحل عن السلطة ويترك نظامه الفاسد ليجهز على ما تبقى من اليمن انتقاما من شعبه الذي رفضه في ثورة سلمية قابلها بقمع دموي، ورغم ذلك يبدو أن حظه سيكون أفضل ممن سبقوه من الرؤساء في دول الربيع العربي التي حدثت بها ثورات حتى الآن.