لكي يصل دعمنا لفقراء "إسرائيل"
14 ذو الحجه 1432
أمير سعيد

[email protected]

هل يسعنا إلا أن نقدر ونثمن جهود نظامنا الثوري الحاكم في دعم "إسرائيل" ومساعيه الحميدة لانتشالها من أزمتها الاقتصادية الراهنة، ودوره في تقليل نسب البطالة ومؤشرات التضخم، ومسارعته إلى نجدتها حتى قبل أن يبدأ في أولى خطوات استكمال مؤسساته الحاكمة التي أطاحت بالرئيس وحلت مجلسي الشعب والشورى وعطلت الدستور؛ فكان استئناف تقديم الدعم الاقتصادي الذي يوليه نظامنا الحاكم لـ"إسرائيل" في صدر أولوياته، وفي السطر الأول من أجندته السياسية الخارجية؟!

 

وقد ساقت لنا الأنباء هذا الأسبوع خبراً يجسد هذا الحرص الرسمي، والتفاني الحكومي في العمل على وصول دعمنا السخي لفقراء "إسرائيل"، وعلى وقوف الكيان الصهيوني على قدميه خشية أن يتعرض اقتصاده لهزة إثر توقف التدفق المالي المصري إليه مع توقف ضخ الغاز المصري لشهور؛ فالخبر ذا شقين، يفيد أولهما بأن الشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) بصدد "دراسة" رفع ضريبة سعر نقل الغاز المصدر للكيان الصهيوني عن طريق شركة غاز الشرق (المملوكة لحسين سالم) من سنت إلى دولار واحد للمليون وحدة حرارية لتدفعها غاز الشرق، ليصبح سعر الغاز المصري المصدر للكيان الصهيوني متراوحاً ما بين 2,25 إلى 4 دولاراًـ

 

(وهو بحد ذاته افتراض حيث لم يتم رفع سعر الضريبة، كما أن رفع السعر أساساً من 1,25 دولار إلى 3 دولارات لم يزل محل نظر حتى الآن).

 

والثاني يؤكد على أن وزارة البترول المصرية تقوم بإعداد عقد لشراء حصة الغاز الخاصة بشركة إديسون الإيطالية المستخرجة من مصر بالسعر العالمي وهو ثمانية دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية وذلك للاستفادة بضخها في الوحدات السكنية المصرية، وتسعى الوزارة في مفاوضاتها إلى تخفيض هذا الرقم إلى ستة دولارات بعد خصم فروق النقل والإسالة (حيث لا تحتاج إديسون لا إلى نقل ولا إلى إسالة للتصدير لأوروبا).

 

وبمعايير وزارة المالية التي دائماً ما تمن على المصريين على طريقة الوزير اللص يوسف غالي (الذي جرى إخراجه من البلاد بطريقة مريبة وتدعو للتحقيق حول دور واشنطن وحلفائها في تهريبه)، وتعتبر أن أي فرق سعر بين البنزين بسعره العالمي والمحلي هو دعم صافٍ يقدم للمستهلك المصري؛ فإن القاهرة تدعم "إسرائيل" بنحو ثلاثة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو فارق السعر بين ما تشتريه من الشريك الإيطالي وما تمنحه للكيان الصهيوني، برغم أن السوق المصري يحتاج تلك الكمية المصدرة للكيان الصهيوني، وبالتالي فنحن نصدر بمبلغ زهيد ونعود فنستورد بثمن أعلى بكثير.

 

وإذا كان متوسط ما تصدره مصر لـ"إسرائيل" يبلغ نحو 714 مليون مليون وحدة حرارية سنوياً فإن الدعم الواصل إلى الكيان الصهيوني سنوياً هو 714 مليون دولار لكل فارق دولار واحد بين السعرين، أي أننا في حال اعتمدنا الرقم المعلن من "إسرائيل" نفسها فنحن نتحدث عن ملياري دولار سنوياً في أقل تقدير أن نحو 12 مليار جنيه مصري تذهب دعماً للكيان الصهيوني من نظام الثورة (أي أكثر من 70 ملياراً خلال سنوات الصفقة المشؤومة) .
(لإنعاش التفكير: متوسط الإنفاق العسكري الصهيوني يتراوح ما بين 8,12 إلى 15,4 من ميزانية "إسرائيل").

 

وهذا الاسترسال في تدبيج الأرقام وإيراد الإحصاءات والبناء عليها نحن مضطرون إليه لخلو الدائرة الضيقة الحاكمة لوزارة البترول من رجل يمكنه مواجهة الرأي العام المصري والظهور على الناس بكل شجاعة وبصوت وصورة للحديث عن "السر اللاهوتي الأعظم" المتعلق بالرقم الحقيقي لتصدير الغاز الذي يجري طمسه إعلامياً عن عمد ويستعاض عنه بجملة من التهويمات الإعلامية الساذجة المتمثلة فيما يلي:
1 ـ الحديث الدوري عن "مراجعة كل العقود" الخاصة بتصدير الغاز دون تحديد متى وكيف ولمن يتم ذلك.
2 ـ الإيهام الإعلامي بأن ما يجري من تعديل يخص الأردن ينسحب على الكيان الصهيوني، وهو غير صحيح بالمرة.
3 ـ تجهيل جميع التصريحات الصادرة عن وزارة البترول في هذا الشأن وصدورها كلها عن "مصدر بوزارة البترول"، تجنباً للمسألة وتسويقاً لأي شائعة حول رفع السعر دون تحمل المسؤولين الرسميين لمغبة الإدلاء بأرقام غير صحيحة. وكأن هذه المسألة الحساسة والحيوية لا تستأهل أن يبرز لها رجل معروف من البترول للحديث الشفاف والصريح عنها.

 

4 ـ تمرير كل التصريحات المبهمة هذه في أوقات تسمح الحالة السياسية والاجتماعية في مصر بتمريرها (كما حصل مع صفقة تبادل الأسرى العجيبة التي رافقتها دعاية إعلامية رمادية).
5 ـ تضمين كل التصريحات الفارغة عن رفع أسعار الغاز للكيان الصهيوني لسعر النقل إليه والذي تستفيد منه "إسرائيل" ذاتها عبر الشركة الوسيطة ذات العلاقات المريبة معها، وهو ما يعني أن "إسرائيل" شريك أيضاً في النقل كما في الغاز ذاته، مع أن الأمانة العلمية تقتضي الحديث عن سعر التصدير لا عن سعر وصول الغاز، وسعر التصدير على أرض مصر في حالة إديسون و"إسرائيل" بينهما على أقل تقدير 3 دولارات وأعلى تقدير 4,5 دولاراً (أي نحو 3 مليار دولار دعم سنوياً).

 

وهذا السخاء أو السفه المصري "الثوري" في وقت يتذرع فيه الرسميون المصريون بعجزهم عن رفع الحد الأدنى من الأجور بما لا يتلاءم مع هذا المعطى، لا يمكن تجييره إلا في حيز الحماس الفاتر للنظام الحالي إزاء الخروج من ورطات مبارك التي أوقعنا فيها، وعدم فعله ما ينبغي لكي ننعتق من إسار هذه القيود الاقتصادية الظالمة.

 

وفي الحقيقة، نحن لا نرى ما يمكننا أن نثمنه للنظام الحالي في السياق الخارجي سوى بعض الشائعات التي تصدرها أجهزته وتسوقها عن نجاحات تماثل جميعها أسلوب النظام السابق في التسويق لإنجازات وهمية تحت ظلال نثر الشائعات حول بنود سرية لم نر لها أبداً على مدى ثلاثة عقود أي أثر فعلي على أرض الواقع.. بينما نحن نسمع بأذننا عن امتنان نتنياهو وشكره لتحقيق صفقة شاليط، ونقرأ في الصحف العبرية عن صفقة الأسرى المصرية وتهافتها، ونلمح الهرولة الصهيونية مع أول إشارة مصرية لعقدها، ونلمس دورنا الهزيل إزاء ما يحصل في سوريا واليمن، و"نسمع صمتنا" فيما يخص الاختراق الأطلسي لليبيا على تخومنا الغربية واستخفافنا بتطويقنا دولياً وعسكرياً، ونعاين خروجنا من تاريخ المنطقة وجغرافيتها إن في البحر الأحمر والقرن الإفريقي أو في المتوسط، أو في الخليج العربي..
قد كنت أقول للزملاء أول الثورة، انظروا إلى سياستنا الخارجية فإن أحدثنا اختراقاً حولنا فثمة ثورة؛ وإلا فلا تعولوا كثيراً على الانتخابات وما يتلوها، لأن "روح مبارك" لم تبتعد كثيراً عن القصر.