إخلاص المضحين وإيثارهم
8 ذو الحجه 1432
صلاح فضل توقة

الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام ومعلماً من معالمه الإيمانية قال تعالي :
"وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (الحج الآية:36)  و لبيان فضلها وعظيم أجرها فقد قرنها الله بالصلاة ، قال تعالي : "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" (الكوثر:2)  وقد فصلت السنة المطهرة الكثير من أحكامها ، وهي ثابته عن النبي صلي الله عليه وسلم قولاً،وفعلاً ،وتقريراً ، وقد ورد في فضلها أحديث عدة منها :.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا." رواه الترمذي وبن ماجه وصححه الألباني "

 

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر . "متفق عليه" .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى ." رواه البخاري" .

 

عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذبح يوم العيد كبشين ، ثم قال حين وجههما : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ، بسم الله والله أكبر ، اللهم منك ولك عن محمد وأمته ."رواه  مسلم ".

 

وقد أجمع علماء الأمة علي مشروعية الأضحية ، مع خلاف بينهم علي كونها واجبة ،أم سنة مؤكدة . وفي هذا الصدد يري الشيخ بن عثيمين رحمه الله ، أن أدلة كلا الفريقين " من قال بالوجوب ،ومن قال بأنهاسنة مؤكدة " تكاد تكون متكافئة ،وسلوك سبيل الأحتياط ألا يدعها المسلم مع القدرة عليها لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين .

 

ورغم هذه المنزلة العظيمة لشعيرة الأضحية ،وعظم أجرها عند الله تعالي : إلا أن هناك الكثير من السلوكيات الخاطئة ، والمنافية للشرع ولهدي النبي صلي الله عليه وسلم في الأضحية ، والتي يأتيها بعض المُضحين إما عن عمد ، أو عن جهل .

 

وفي كلتا الحالتين قد تؤدي مثل هذه السلوكيات الخاطئة إلي ذهاب الأجرومن أمثلتها :.
- بعض المُضحين لايلتزم بالشروط الشرعية للأضحية والتي أستنبطها الفقهاء من السنة النبوية ، ولاسيما المتعلق منها بالنوع والسن والخلو من الأمراض  .
- الرياء والسمعة ،ومن مظاهرها : ربط الأضحية قبل العيد بفترة في الشارع مع مافيه من ضياع حق الطريق وأذي المارة والجيران بالرائحة والمنظر. وبعد الذبح تلطيخ الأبواب وواجهات المنازل ، والسيارات ،والأطفال بالدماء .
- مخالفة الوقت الشرعي للذبح ، فالبعض يذبح يوم عرفة ،والبعض الآخر يذبح قبل الصلاة ، متعللا بكثرة مشاغله ، أو عدم وجود جزار بعد صلاة العيد .
- بعض المُضحين لا تطيب نفسه بأضحيته فيضن ويبخل بها فلا يخرج منها شيئا ،أو قد يخرج القليل جدا منها ،أو قد يخرج الردئ منها ،ويحتفظ في ثلاجته بأجزاء كبيرة منها .
- المَنْ والتفضل من بعض المُضحين علي الفقراء أو من يعطونهم من أُضحيتهم .
- الإحتفظ بجلد الأضحية وعدم التصدق بها .

 

ويمكن علاج هذه السلوكيات ، بإخلاص العمل لله ، ومتابعة سنة النبي صلي الله عليه وسلم . وعن هذا الأمر يقول الشيخ بن عثيمين رحمه الله :
الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى فلا تصح إلا بما يرضاه سبحانه ، ولا يرضى الله من العبادات إلا ما جمع شرطين :

 

أحدهما : الإخلاص لله تعالى ، بأن يخلص النية له ، فلا يقصد رياء ولا سمعة ولا رئاسة ولا وجاهة ، ولا عرضاً من أعراض الدنيا،ولا تقربا إلى مخلوق .
الثاني : المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى :
" وَمَاأُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ"(البينة: 5) فإن لم تكن خالصة لله ؛ فهي غير مقبولة ، قال الله تعالى في الحديث القدسي : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" .

 

وكذلك إن لم تكن على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"  وفي رواية : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"  أي مردود .

 ولا تكن الأضحية على أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها .
كما يجب علي المضحي أيضا التخلق بخُلق الإيثار فيؤثر علي نفسه الفقراء والأيتام وأصحاب الحاجة وذوي رحمه ، فيعطهم من أضحيته ،حتي وإن لم يبقي منها شيئاً ، طيبة بها نفسه وفي يقينه أنها وإن ذهبت في الدنيا فإنها باقية كلها في الآخرة ،وهذا ما أرشدنا إليه النبي صلي الله عليه وسلم ،فقد ورد فى سنن الترمذي أن عائشة رضي اللـه عنها ذبحت شاة وتصدقت بها كلها إلا الذراع فقال النبي صلي الله عليه وسلم ما بقى من الشاة يا عائشة؟ قالت: ما بقي منها شيء إلا الذراع، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: بقي كلها إلا الذراع .
كما عليه أن يعلم أن الله طيبا لايقبل إلاطيب ،وأن ما عند الله خير وأبقي
قال تعالي : "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" (آل عمران:92)