هل يلعب الاسلاميون دورا في حكم ليبيا بعد القذافي؟
23 رمضان 1432
جمال عرفة

مثلما لعب الاسلاميون في مصر وتونس دورا في الثورة الشعبية وإنهاء حكم الرؤساء السابقين مبارك وبن علي .. لعب الاسلاميون في ليبيا – علي اختلاف مشاربهم – دورا في هدم نظام العقيد القذافي دفعه أحيانا لاستعطاف الغرب للوقوف معه ضدهم مصنفا إياهم علي أنهم من تنظيم القاعدة الذين سيضرون الغرب لاحقا .

 

ومثلما اندلعت الخلافات بين التيارات الليبرالية والاسلامية في مصر وتونس بعد نجاح الثورة ، هناك توقعات أن تشهد ليبيا الأمر نفسه ..فالتوجهات السياسية للجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا, لا تمثل التوجهات الاسلامية للجماعة الاسلامية المقاتلة مثلا او علي الاقل ليس هناك ما يدل علي ذلك من خلال السنوات التي قضاها اعضاء الحركتين في المنفي .
ايضا مثلما سعي الغرب لممارسة نفس الدور القذر في مساندة ودعم أنصاره من القوي ذات الخلفيات الليبرالية أو المعادية للتيار الاسلامي في مصر وتونس .. بدأ يمارس نفس الدور في ليبيا خصوصا أنه (الناتو) طرف اصيل في الانتصار وهدم نظام القذافي !.

 

ومنذ هزيمة نظام القذافي ودخول الثوار طرابلس وهناك تخوف وتوجس غربي من الدور الذي سيلعبه الاسلاميون مستقبلا في ليبيا خصوصا أن الاسلاميين بلحاهم وتكبيراتهم كانوا ظاهرين بصورة واضحة في المعارك ، وأن يعلب المقاتلين على الأرض، دورا في الحكم مستقبلا وهؤلاء تتباين توجهاتهم، ويوجد بينهم إسلاميون وقوميون وليبراليون ويساريون .
وأي خلخلة في التوافقات الهشة – وهو ما يشجعه الغرب - بين القوى السياسية الليبرالية والقومية من جهة وبينها وبين التيارات الاسلامية يمكن أن تطيل أمد عدم الاستقرار في ليبيا مثلها مثل مصر وتونس وسوريا واليمن ، برغم أن غالبية الشعب الليبي متدين بالفطرة ويميل للتيارات الاسلامية .

 

وتقول ليزا أندرسون من الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية، في دراسة لها بعنوان «الدين والدولة في ليبيا: سياسات الهوية»، إن الدين اضطلع بدور بارز في التاريخ السياسي الحديث في ليبيا، و«.. سلط الضوء على الغموض الذي يكتنف الهوية السياسية والذي يشيع بمختلف أرجاء العالم العربي المسلم». وتضيف: «الواضح أن التوترات القائمة بين فكرة الشرعية السياسية المستقاة من الإمبراطوريات الإسلامية والمفاهيم المستوحاة من الغرب عن القومية الإثنية والمشاعر الوطنية تجاه الدولة، خلقت معضلات أمام الحكام والمحكومين بشتى أرجاء العالم العربي منذ بداية القرن العشرين».

 

ومنذ ظهور النفط، سعت دول غربية إلى توطيد علاقتها بليبيا، وتوزيع مناطق للنفوذ بين إيطاليا (برقة)، وبريطانيا (طرابلس)، وفرنسا (فزان) .. ورغم إقامتها لعلاقات وصفقات مع نظام العقيد، فتحت الدول الغربية خطوط اتصال بالمعارضة في الخارج والداخل، في محاولة لتأمين مصالحها مستقبلا حال انهيار حكمه وركزت علي القوي غير الاسلامية خصوصا الليبرالية العاملة في الخارج في المنفي .

 

القوي الاسلامية المؤثرة
من يتابع الوضع في ليبيا وتاريخ الحركات الاسلامية سوف يلحظ – برغم التعتيم الاعلامي الليبي - أن الحركات الاسلامية لعبت أدوارا مختلفة دفعت النظام للتفاوض معها وأن هذا يتطلب أن تلعب دورا سياسيا في ليبيا مستقبلا شانها شان أي جهة سياسية اخري, ما يعني أن محاولة استبعاد اي حركات ذات توجه اسلامي في المرحلة السياسية المقبلة في ليبيا سيؤدي الي عدم استقرار للنظام السياسي في ليبيا ومدمر لمستقبل التحول الديمقراطي في ليبيا ، خصوصا أن كل القوي مسلحة والطبيعة القبلية تحسم الصراعات بالقتال في كثير من الاحيان .

وأبرز هذه القوي الاسلامية التي لعبت دورا في الثورة هي جماعة الإخوان المسلمين التي لها إرث طويل في ليبيا وتعرض أنصارها للشنق والقتل عدة مرات علي ايدي النظام الليبي ، ولكنها في السنوات الأخيرة وعقب مصالحات نجل القذافي سيف الاسلام مع التيار الاسلامي قبل نحو خمس سنوات، تردد تقارير غير مؤكده عن أن هذا أفقدها بعضا من رصيدها الشعبي .
فالسلطات الليبية اعتقلت عام 1998م مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا والمحظور نشاطها مثلها مثل سائر أنشطة كافة القوى السياسية والوطنية بتهمة العمل على تغيير نظام الحكم وحوكموا على هذه التهمة في شهر فبراير 2002م أمام محكمة الشعب وحكم عليهم وقتئذ بالإعدام لكل من الدكتور عبد الله عز الدين، والدكتور سالم أبو حنك، وبالسجن المؤبد على 73 متهماً ، والسجن عشر سنوات لـ 11 آخرين ، وبراءة 66 متهماً من أصل 152 متهماً شملتهم القضية .
وفي عام 2004 أيدت "محكمة الشعب" الليبية أحكام الإعدام والسجن علي 86 أخرين من أساتذة الجامعات والمهنيين والطلاب من أنصار جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا .
ومنذ عام 2005 وظهور نجم سيف الاسلام القذافي وانتعاش ملف التوريث ، حاول تجميل صورته بتولي ملفي التفاوض مع الغرب من جهة وتبريد الصدام مع التيارات الاسلامية من جهة اخري فأعلن أن ليبيا ستفرج عن 131 سجينا سياسيا، من بينهم بعض أعضاء جماعة الاخوان المسلمين ، وتبين إن معظم المعتقلين في السجون الليبية ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وإن الإفراج عنهم يتم بموجب ما قال المصدر إنه "تعهد بعدم مزاولة العمل السياسي".

 

ايضا هناك الجماعة الاسلامية المقاتلة التي تعتمد علي استخدام السلاح والتي اثبتت في تسعينات القرن الماضي قدرتها علي إزعاج نظام القذافي, أثبتت قدرة علي زعزعة الامن لأي نظام سياسي في ليبيا لو جري استبعادها منه .
حيث تعتبر الجمـاعة الإسلامية المقاتلة من أهم وأقوى التنظيمات الإسلامية الليبية التى اعتمدت خيار التغيير بقوة السلاح، وخاضت مواجهات عسكرية مع قوات السلطة المتمثلة فى الجيش، أو الشرطة، أو اللجان الثورية.

 

وقد نشأت هذه الجماعة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وتزامنت تلك البدايات مع بروز تنظيم ( اللجان الثورية ) أحد أذرع السلطة الحاكمة، وهو تنظيم مسلح يجمع بين أعداد من المدنيين، وبعض الضباط العسكريين، وجميعهم تمت تعبئتهم ثقافيا بمنطلقات واهداف الثورة، ومارست تلك اللجان العنف، وصفت الكثير من الشخصيات المعارضة، أو التى يشك فى ولائها للسلطة الحاكمة.
ومن أبرز الشخصيات الإسلامية التى تمت تصفيتها بسبب خطبها ومواقفها الإسلامية المعلنة، والرافضة للخطاب الرسمي، وخاصة فيما يتعلق بالسنة النبوية، ودور العلماء، هو الشيخ محمد البشتى الذى قتلته اللجان الثورية عام 1983 ما ادي لاشتد غليان الصراع داخل المجتمع الليبى، وخاصة فى أوساط الشباب الذين شاهدوا زملاءهم وإخوانهم يعلقون على أعواد المشانق فى الجامعات، وفى الميادين العامة، وداخل السجون.

 

وفى تلك الأجواء المأزومة الملتهبة، كانت بذور أفكار العنف المضاد فى داخل البلاد، وفى خارجها تجد تربة خصبة للنماء والانتشار وساعد علي انتشارها ظهور تحولات إسلامية كبرى، مثل نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، والثورة الأفغانية ( 1979 1992 ) التي شارك فيها ليبيون وعرب من دول مختلفة ، والتي صبت فى صالح التيارات الجهادية المقاتلة.

و يقول (محمود الناكوع) في مؤلفه (الحـركات الإسلامية الحديثة فى ليبيا) : "أصبح الشباب المتدين فى ليبيا يبحث ويقرأ عن الفكر الجهادى وكانت الأشرطة وما تتضمنه من مادة جهادية، ومنها خطب عبد الله عزام، وغيره، الى جانب خطب الشيخ محمد البشتى، وأعمال الشهيد سيد قطب وخاصة معالم فى الطريق وبعض ما فى ظلال القرآن، وأراء أحمد بن تيمية فى مادة الفتاوى المتعلقة بالجهاد، هي بعض المصادر التى ألهبت حماسة الشباب، ودفعتهم إلى إنشاء تنظيم سري معارض وقدر عدد المنتمين للجماعة ببضع مئات ".

 

وكانت لهم مجلة اسمها ( الفجر ) وصدر عددها الأول عام 1994. وهي مجلة شهرية تصدر عن مركز الإعلام الإسلامي، وكانت توزع بلندن فى تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت لندن فاتحة أبوابها وملفاتها لاستقبال عناصر كثيرة من كل التيارات الإسلامية، وخاصة تلك التي كانت فى أفغانستان أثناء الحرب ضد الوجود السوفيتى في أفغانستان.

 

وفى المجلة مادة تعبوية كانت تستخدم مصطلحات دينية إسلامية في معركتها ضد الحكم القائم فى ليبيا .
وقد وقعت عدة صدامات بالسلاح بين عناصر الجماعة، وقوات السلطة في داخل البلاد ما بين 1995 و 1998،. وتقدر بعض مصادر التنظيم أن خسائر الجماعة جراء تلك المصادمات بلغت حوالى مائة عضو.

 

وظل تنظيم هذه الجماعة يعمل بشكل سري فى داخل البلاد وخارجها إلى 18 اكتوبر 1995 حيث صدر أول بيان بشأن الإعلان عن قيام الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا. وجاء فيه: ( تعلن الجماعة الإسلامية المقاتلة عن قيامها من أجل اداء واجب الجهاد فى سبيل الله.... وقد آن الأوان للجماعة الإسلامية المقاتلة أن تخرج من طور السرية إلى طور العلنية نظرا للمرحلة الحساسة التى يمر بها العمل الجهادى فى ليبيا ، كما تعلن عن تبنيها للأحداث الجهادية المباركة التى اندلعت منذ شهر محرم 1416 ه بمناطق ليبيا شرقا وغربا.

 

وقال البيان إن ازالة مثل هذا النظام المرتد وتخليص الشعب الليبى المسلم من معاناته لا يمكن أن يتم بدون جراح وآلام وتضحيات... ).

 

وللجماعة منطلقات عبرت عنها فى كتاب يحمل عنوان: " خطوط عريضة فى منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة " بقلم ( أبو المنذر الساعدى ) الذى يعتبر فقيه الجماعة، أو المنظر الشرعى للجماعة. وتعكس مادته جملة من الآيات، والأحاديث النبوية، واقوال لعدد من الفقهاء والكتاب المسلمين .
وقد كشفت المواجهات ثم التحقيقات التى تمت فيما بعد مع أعضاء الجماعة، أن أعضاء الجماعة تمكنوا من حيازة كميات كبيرة من الأسلحة، وتمكنوا من استخدام عدد من المزارع والمواقع الأخرى لتخزين أسلحتهم واستخدامها فى الوقت المناسب.

 

وعقب المواجهات التي وقعت بين عناصر الجماعة وقوات الدولة والتي تصاعدت خلال عامي 1995 و 1966، وقيام الأجهزة الأمنية بتضييق الخناق عليهم، والتمكن من اعتقال العدد الأكبر منهم، انتهى نشاطهم داخل البلاد، ثم جرى اعتقال أميرهم ونائبه من قبل مخابرات دولية يعتقد أنها أميركية وسُلموا الى السلطات الليبية عام 2006 برز سيف الإسلام القذافى ساعيا لفتح قنوات الحوار معها عبر مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية.

 

ومنذ عام 2007 دخلت الحوارات مرحلة متقدمة نسبيا، وتم الإفراج عن تسعين شخصا لهم علاقة ما بالجماعة المقاتلة. وقد أعلن هو (سيف الاسلام) في مارس الماضي 2010 : "الدولة الليبية تعلن اطلاق 214 سجين من الجماعات الاسلامية، بينهم 100 عنصر لهم علاقة بالمجموعة الموجودة في العراق و34 عنصرا من عناصر الجماعة الاسلامية المقاتلة".

 

وكان من التوقع أن تتبلور هذه الحوارات من قبل النظام مع الاخوان والجماعة الاسلامية المقاتلة لبلورة صيغة ما تسمح لهم بالعمل الدعوي والسياسي ولكن طول فترة التلكؤ من قبل النظام دفع لاندلاع الثورة الشعبية ومشاركة الاسلاميين فيها .

والحقيقة أن أحد أسباب إبقاء الغرب علي القذافي في الاونة الاخيرة – بجانب تدجينه وحفظه مصالح الغرب – هو أن القذافي علي الرغم من غرابة اطوارة وتقلبه السياسي, كان عنصر قوي في محاربة التطرف الاسلامي ونجح في القضاء علي التحرك المسلح للجماعة الاسلامية المقاتلة في تسعينات القرن الماضي .

 

ولكن مع اندلاع الثورة الشعبية في 17 فبراير 2011 والحاجة لتحميل جهة ما مسئولية ما جري بهدف صرف الأنظار عن حقيقة أنها ثورة شعبية ، لم يكن هناك أنسب من إتهام تنظيم القاعدة (الذي تعتنق الجماعة الاسلامية المقاتلة فكره الجهادي) بأنه وراء الأحداث ، ومخاطبة الغرب – عبر رسائل القذافي ونجله الخطابية – أن انهاء حكم العقيد ونجله معناه سيطرة القاعدة علي ليبيا ونشوء إمارات اسلامية علي ضفة المتوسط تنقل الارهاب لفرنسا وايطاليا وكل اوروبا فضلا عن السيطرة علي نفط ليبيا !.
وجاء اختيار القذافي لـ (القاعدة) تحديدا لا الاخوان مثلا – كما فعل بن علي ومبارك – لأنه تنظيم مسلح له عداء وثأر مع الغرب !.

 

وهناك دلائل بعد الثورة تشير الي ان اي احزاب او حركات ذات توجه اسلامي وسياسي معتدل ستحظي بالدعم الشعبي المطلوب لحكم البلاد, اما الحركات الاسلامية المتشددة والاحزاب ذات التوجهات اليسارية والعلمانية فسيكون لها دعم محدود في نسيج المجتمع الليبي