استنتاجات من أجواء عملية أم الرشراش ( إيلات )
21 رمضان 1432
حمزة إسماعيل أبو شنب

تعد عملية أم الرشراش البطولية هي عملية نوعية  ومميزة حققت فيها المقاومة انتصارات أمنية وميدانية، استطاعت من خلالها تسجيل عنصر المفاجأة بصورة كبيرة للعدو مما جعلته يتخبط في التقديرات الأولية للعملية، ولعل أبرز هذه الإنجازات للمقاومة كانت العدد الكبير الذي نفذ العملية وهو عدد مرتفع جداً مقارنة بالعمليات السابقة للمقاومة بدخول سبعة استشهاديين للمنطقة،  بالإضافة إلى المنطقة المستهدفة وهي مدينة أم الرشراش (إيلات)، وهي تعتبر أكثر مناطق العدو هدوءً واستقراراً مقارنة بالمدن الأخرى داخل دولة الكيان , مدة العملية والتنفيذ كان من أهم المفاجآت والإنجازات التي حققها المهاجمون ؛ من خلال نصب الكمائن وزرع العبوات الناسفة للعدو داخل مدنه واستمرار العملية لساعات طويلة، وهي حادثة فريدة من نوعها وتعد خيبة أمل للعدو وإخفاق كبير .

 


الإعلام "الإسرائيلي" الموجه

لقد كانت دائماً تتباهى المكينة الإعلامية الصهيونية بأنها الوحيدة في المنطقة العربية التي تمتلك مساحة العمل الحر، وأن تتحدث فيما تشاء دون تتدخل من أحد، وأنها ذات اليد الطويلة في علاج القضايا الصهيونية الداخلية، ولكن عملية أمس ودور الإعلام أثبت بأن هذه الوسائل ليست حرة فيما يختص بالشأن الأمني الصهيوني، وأن مقص الرقيب العسكري هو الفيصل في مثل هذه الحالات، وأن جميع المعلومات تصدر بإذن الجيش الإسرائيلي، وأن لا مكان لحرية الصحافة في هذه الميادين، وهذه ليست المرة الأولى ؛ ولعل حرب غزة 2008 كانت خير دليل على ذلك , الأمر لم يتوقف على مقص الرقيب العسكري في النشر، بل تلعب وسائل الإعلام هناك دور التوجيه الأمني  والتضليل ومحاولة إخراج أن الفشل في تقدير العملية كان خللاً من قبل الجيش وليس مفاجأة، حيث نشرت صحيفة هآرتس يوم الجمعة فيما قالت أنه إنذار من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي  " أن عملية كبيرة ومتدحرجة سينفذها قريباً عدد كبير من المسلحين في ذات المنطقة التي وقعت فيها العملية، مشيرةً إلى أن المسلحين سيطلقون النار من عدة نقاط باتجاه سيارات وحافلات اسرائيلية كما سيستخدمون صواريخ مضادة للدروع" , هذه الأخبار تنشر من أجل تخفيف روع المجتمع الداخلي للكيان، وأن الأمر مسيطر عليه تماماً وأن المشكلة فقط في الأداء وليس في العملية بحد ذاتها .

 


نتنياهو ينجو من السقوط

 لاشك بأن العملية شكلت صدمة للحكومة "الإسرائيلية"، ولكنها حققت المخرج الذي تبحث الحكومة الإسرائيلية عنه، فقد كانت تحاول إنجاز الصفقة أو أن تصعد على حدود غزة، إلا أن العملية وفرت لها المخرج المناسب، فقامت بقصف مجموعة من القيادات العسكرية البارزة في قطاع غزة، فتخلصت من مجموعة كانت تلاحقها سابقاً، وظهر رئيس الحكومة بموقف البطل وأن مدبرين العملية قتلوا، وهذه قوة ردع مما أخمد حرائق التظاهرات الداخلية التي كانت تشتعل يوماً بعد يوم داخل المجتمع "الإسرائيلي"، منهياً الجدل معهم على الميزانية العسكرية رافعاً لهم شعار بأن لا أحد يقترب من الميزانية العسكرية للجيش ؛ لأن الخطر قائم ومستمر وبذلك أرسل رسالة ارتياح للجيش , وبذلك يمكن أن يحافظ نتنياهو على الائتلاف الحكومي ويفتح خط مواجهة مع الإدارة المصرية الجديدة .

 

مصر في موقف حرج
يشكل مقتل الجنود المصريين الخمس مصدر إزعاج للقيادة المصرية الحالية التي ستقع تحت الضغط الشعبي بأنه يجب أن يكون هناك رد، ويسجل فشل للجيش المصري الذي كان ينفذ عملية ملاحقة للعناصر المسلحة في منطقة سيناء للسيطرة عليها، بالإضافة إلى تحميلها المسؤولية من قبل الحكومة الصهيونية، هذه الظروف تشكل اختباراً حقيقياً للقيادة المصرية الحالية وكيفية التعامل معها، لأنها مطالبة بمواقف مختلفة عن القيادة السابقة، ولكن إذا أحسنت القيادة المصرية التصرف فإنها تستطيع استثمار هذه العملية وتحقيق عدة نقاط لصالحها، وذلك من خلال الضغط لانتشار أوسع للجيش في سيناء، أو المطالبة بتغيير اتفاقية سيناء، بالإضافة للاستفادة من ذلك في قضية رفع الحصار على غزة وتقديم تسهيلات أوسع على المعبر، لا سيما أن الحصار سيبقى يولد الانفجار وأن إغلاق الأنفاق يكون بتوفير البدائل لقطاع غزة، وهذا مخرج مشرف لها أمام الجماهير المصرية.

حماس تكسب
حركة حماس ستخرج من بعد هذه العملية بأفضل النتائج له على الصعيد الخارجي، بحيث تستغل هذه الظروف للضغط على الجانب المصري لتحقيق مكاسب على صعيد رفع الحصار والعمل بشكل أفضل على المعبر، ويمكنها تقديم مبادرة لإغلاق الأنفاق في مقابل توفير البديل، هذا من جانب أما من جانب آخر فإنها توصل رسالة للعدو بأن عمل المقاومة مستمر في القطاع، ويمكن أن يتحول إلى خارجه وأن الكيان عليه أن يتحمل نتائج عبثه مع المقاومة الفلسطينية في الساحات الخارجية، مثل عمليات الاغتيال وقصف القوافل في السودان، وإن كانت هي ليس لها علاقة بالعملية ولكن في نهاية المطاف هي راعية المقاومة في فلسطين، أما على صعيد الجبهة الداخلية فإنها تحقق شعاراتها بأن المقاومة ليست شعاراً، وأن ما كان يجري من ضبط لعمليات إطلاق الصواريخ كانت من أجل التكتيك والاستعداد، وأن الرد على العدوان قائم، وهذا ما يجري على الأرض من فصائل المقاومة  .

 

الخلاصة        
  حالة التصعيد الحالية لن تستمر طويلاً، لأن الاحتلال قد يكتفي بعملية اغتيال قيادة ألوية الناصر صلاح الدين وعمليات قصف متفرقة ضد أماكن خالية لا تسيل فيها الدماء أمام الإعلام، فالاحتلال مقتنع بأن رشقات الصواريخ الحالية هي عبارة عن ردة فعل، طالما لم تدخل حركة حماس المعركة، فهو لا يريد التصعيد فالأمور تسير نحو الهدوء واعتبار أن ما جرى هو عبارة عن جولة من الصراع المستمر بين الطرفين، لعلمهم بأن استراتيجية حركة حماس تركز على العمل العسكري من الداخل فقط، ولكن الأمور قد تنزع إلى التصعيد بشكل عنيف إذا أقدمت المقاومة على تنفيذ عملية نوعية أوقعت عدد كبير من القتلى في صفوف الجنود  .

 

من جانب آخر قد يكون "حزب الله" يقف خلف هذه العملية بمساعدة مجموعات مسلحة من سيناء وعرب الداخل، لأن العملية كانت نوعية تحتاج إلى دعم لوجستي من الداخل، ومثل هذه العمليات يصعب على الجماعات الصغيرة تنفيذها لوحدهم بدون مساعدة من جهة كبيرة مثل حماس أو "حزب الله"، مما يجعلنا نرقب من يريد أن يحرف البوصلة عن الأوضاع في سوريا باتجاه القضية الأساسية، بالرغم من ذلك تبقى هذه العملية نوعية وفريدة.