الثمن الآجل لنذالة القذافي مع أربكان
3 شعبان 1432
أمير سعيد

سبحان مغير الأحوال..
كانت التجربة الإسلامية السياسية بعد وليدة في تركيا، وبالكاد أتيح وقتها لرئيس الوزراء التركي، الزعيم البارز نجم الدين أربكان رحمه الله أن يقتسم الحكم مع حزب الطريق القويم بزعامة العلمانية طانسو تشيلر، والتقييد الذي لاقاه من كل المنظومة الغربية في البلاد، من الجيش والرئاسة والقضاء وحتى من شريكة الحكومة، حال بينه ومباشرة انطلاقة كبيرة في الحركة السياسية..

 

حاول الرجل الاتجاه إلى الخارج الإسلامي، كان عبقرياً فذاً وقائداً من طراز فريد، إلا أنه لكل جواد كبوة؛ فقد قفز بعيداً في الهواء بمسعاه لتكوين مجموعة الثماني الإسلامية في مقابل الغربية، لكنه اكتشف أنه كانت القاضية على مستقبله السياسي تماماً؛ فالمقاومة التي لاقاها رحمه الله لم تكن غربية فقط لكن أيضاً ممن ظنهم شركاء في النهضة الإسلامية المأمولة.. وقد كان من أحقر المواقف التي اتخذت من "الأشقاء" هو ذاك الذي جاءه من "الزعيم الثائر" معمر القذافي، الذي أساء استقبال ضيفه أربكان وتحدث عن تركيا بإسفاف مجافية لواجب الضيافة العربي ـ على الأقل ـ ما مكن القوى العلمانية التركية من شن أكبر حملة ضد أربكان ما أدى بعد فترة وجيزة إلى غيابه تماماً عن المشهد السياسي..

 

مرت السنون، ويأبى الله إلا أن يذل القذافي على يد تلاميذ أربكان، وفي اليوم الذي أعلنت أنقرة أنها قد اعترفت بالمجلس الانتقالي (بنغازي)، أسقط في يد نظام القذافي.. لقد صار التلاميذ قوة إقليمية لا يمكن إسقاطها من المعادلة الدولية، وأضحى تحولها مؤذناً بغياب جرذ طرابلس..

 

بإمكان القذافي الآن أن يسامر رفقاء دربه في سرداب الجبن ويحدثهم كما فعل من قبل عن كراهيته للدولة العثمانية، غير أنه سيكون غير قادر على إلحاق الأذى بحكومة "إسلامية" تحكم تركيا ولو من خلف لافتات أخرى، وهي رديفة لحزب الرفاه الذي حاول القذافي إذلاله قبل نحو عقدين من الزمان، ورئيس وزرائها هو أحد تلاميذ أربكان، واختياره الذي وضعه في صدارة المشهد التركي لاحقاً بالتمهيد له لتولي منصب محافظ اسطنبول بمباركة "أربكانية"، لا، بل سيتلقى خبر تخليها عن آخر شعرة كانت تربطها به كمستقبِل صاعقة؛ فتركيا اليوم يمكنها أن تقلب الطاولة في وجه القذافي، وقطعها لعلاقتها مع طرابلس ووصلها مع بنغازي إشارة خضراء للقذافي ليقول لتاريخه السياسي: وداعاً.

 

وتركيا اليوم تستعد لإعادة شيء من نفوذها العثماني الهائل في الشمال الإفريقي، وسيزيد دورها تأثيراً على العقيد صاحب الرسائل الصوتية بعد أن يزور رئيس وزرائها رجب طيب إردوغان القاهرة، حيث تطلبت زيارته إعداداً دبلوماسياً لافتاً من وزير الخارجية مهندس السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، الذي يتوقع أن يعمد إلى توسيع دائرة نفوذ دولته في المنطقة بإطلاق حزمة من المشروعات الاقتصادية في مصر إضافة إلى فتح الملفات السورية والليبية، والأهم من ذلك أن وجوده سيرسم بريشة دقيقة رتوشاً في زاوية اللوحة السياسية المصرية الداخلية، وإن لم يكن بشكل واضح.

 

وسيكون مصير العقيد على طاولة مباحثات أبناء إردوغان والمسؤولين المصريين، الذين بدوا أكثر اهتماماً بالملف الليبي بعد الهدوء النسبي على الساحة المصرية، وعندما وضع سيناريو التقسيم في ليبيا على محمل الجد ضمن مخارج متوقعة للأزمة الليبية التي صنعها القذافي بنزقه ورعونته، حيث يمكن للعقيد الثائر حينئذ أن يدخل تركيا في وصلات شتائمه في رسالة صوتية يرد بها على الصفعة التركية المؤلمة.