الحالة التنظيمية لحركة فتح والسيناريوهات المقبلة
19 رجب 1432
حمزة إسماعيل أبو شنب

تقديم :
منذ اتفاق أوسلو وحركة فتح تعاني من مشاكل تنظيمية عديدة ظهرت بعد دمج العناصر التنظيمية في السلطة مما شكل حالة من الفراغ التنظيمي، وقد سيطرت السلطة بنفوذها على القرار الفتحاوي لكن وجود الرئيس الراحل ياسر عرفات كان السبب في توحد قرار الحركة . بالرغم من الإشكالات التي ظهرت في السنة الأخيرة وتفاقمت بعد تولي محمود عباس قيادة الحركة مروراً بالهزائم المتلاحقة من خسارة الانتخابات عام 2006 وثم بعد ذلك خسارة ساحة غزة لصالح حركة حماس وتعثر المفاوضات منذ عام 2005م ولم يفلح المؤتمر السادس الذي عُقد في أغسطس 2009 بانتشال الحركة من الواقع المترهل الذي أصابها .    

 

البرنامج السياسي  :
اتسم البرنامج السياسي لحركة فتح في عهد الرئيس الرحل ياسر عرفات بالازدواجية " غير المعلنة" حيث سارت الحركة في طريق المفاوضات حتى آخر رمق وذلك رغم علمها المسبق بنتائج هذه المفاوضات كما قام عرفات بدعم التنظيمات والفصائل لاستمرار المقاومة ولم تكن هذه السياسة لتنجح لولا الشخصية والكاريزما التي كان يتمتع بها عرفات ويفتقدها خلفه محمود عباس , حيث ظل البرنامج السياسي للحركة غائباً عن  الواقع الفلسطيني، فقد حاولت بعض قيادات فتح أن تخرج من عباءة السلطة من خلال مواقف مختلفة عن مواقف السلطة ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل نتيجة عدم تبني برنامج واضح من قبل فتح، فالحركة لم تعلن أنها مع المفاوضات فقط كما يعلن رئيسها ومن جانب آخر لم تستطع أن تقف في صفوف المقاومة بشكل علني مما أفقدها الكثير من شعبيتها ومصداقيتها أمام الشارع الفلسطيني وأمام الكوادر التنظيمية التي كانت ترى في مشروع عباس مشروعاً مضاداً لتوجهات الحركة الأصيلة، وتم ترجمة ذلك في المجموعات العسكرية لحركة فتح سواءاً في الضفة الغربية أو قطاع غزة والتي لجأت للبحث عن التمويل والدعم المالي خارج حركة فتح وتوجه معظمها لحزب الله اللبناني, إلا أن البرنامج السياسي الذي كان غائباً فترة ما قبل المؤتمر السادس للحركة ، أصبح واضحاً بعد المؤتمر حيث تجلى ذلك في مكان عقد المؤتمر – داخل الأراضي المحتلة وبموافقة من الاحتلال – مما يشير بما لا يدع مجالاً للشك بأن الحركة قد حسمت أمرها بانتهاج المفاوضات حلاً لا بديل له ونبذ بل ومحاربة أي نهج آخر يخالف هذا الطريق وخاصة المقاومة المسلحة .

 

 
المؤتمر السادس ونقطة التحول :
لقد شكل عقد المؤتمر السادس لحركة فتح في بيت لحم نقطة تحول في سيطرة عباس على الحركة بشكل تام بعد أن حسم مكان عقد المؤتمر في الضفة الغربية وهو يعلم أن عدد كبير من قيادات حركة فتح في الخارج لن تستطيع حضور المؤتمر واتخذ القرار دون الرجوع لمركزية فتح، ولقد شهد المؤتمر العديد من المخالفات ظهرت في توقيت ومكان عقد المؤتمر وبعدد وهوية الحضور حيث انتهى المؤتمر بعدد غير محدد وكان من المفترض أن يكون أعضاء المؤتمر 750عضواً فقط لكن العدد وصل إلى 2300 تقريباً يوم عقد المؤتمر بالرغم من غياب عدد كبير من كوادر الخارج و غياب معظم كوادر قطاع غزة، كل هذه الخطوات التي قام بها عباس كان الهدف منها السيطرة على الحركة بشكل كامل وقد نجح في ذلك وتوج المؤتمر باستحداث منصب القائد العام لحركة فتح وتم اختياره بالأغلبية الذي أحضرها للمؤتمر . 

 

 
الأقاليم التنظيمية وانعدام الفعالية
أولاً: أقاليم الضفة الغربية :
بالرغم من حظر حركة حماس والسيطرة المطلقة لحركة فتح على الضفة الغربية بعد الحسم العسكري عام 2007 ظلت أقاليم فتح تعاني من غياب الفاعلية بالرغم من خلو الساحة السياسية من الخصم الأكبر والمنافس الشرس لها، إلا أنها فشلت في ترتيب البيت الفتحاوي في الضفة الغربية وظلت فتح تعيش على وهم الانتصار الزائف في انتخابات مجالس الطلاب في جامعات الضفة الغربية، ولعل الاختبار الحقيقي للحركة كان قرار إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية حيث فشلت حركة فتح في تشكيل قوائم موحدة لها وظهر الانقسام داخل صفوف كوادرها التنظيمية مما جعلها تضغط لتأجيل الانتخابات المحلية وقد أُجلت مرتين .

 

ثانياً: أقاليم قطاع غزة:
منذ أحداث الحسم العسكري في قطاع غزة وحالة من التخبط واجهت الكوادر الفتحاوية في قطاع غزة نتيجة التهميش التي تعايشه حركة فتح في غزة، ويمكن تلخيص هذه الحالة في النقاط التالية:
1.    انقطاع التواصل بين القيادة والكوادر التنظيمية .
2.    بُعد حركة فتح عن القرار في قطاع غزة.
3.    الخوف من الملاحقة من قبل حركة حماس.
4.    تهميش قيادة الساحة في قطاع غزة من قبل أبو مازن فأصبحت مطالبهم التنظيمية لا تلبى .
5.    الخلاف بين عباس ودحلان شكل حالة من التخبط والاصطفاف بين الكوادر.
6.    غياب الرؤية في التعامل مع حركة حماس في قطاع غزة .
7.  اتخاذ العديد من القرارات من قبل عباس دون استشارة فتح غزة ولعل أبرز هذه القضايا توقيع اتفاق المصالحة مع حركة حماس وقد سبقه قرارات تتعلق بقطع رواتب واضراب المعلمين والأطباء .

 

ثالثاً  : أقاليم الخارج :
وتتركز هذه الأقاليم في سوريا ولبنان والأردن مع التواجد في بقية البلدان وهي تهتم بالقضايا داخل المخيمات وهي منذ قدوم السلطة عام 1994 لا تشكل أي  ثقل أو قوة في القرار الفتحاوي وبقيت تعمل على التواصل مع أهالي المخيمات الفلسطينية دون أن يكون لها صوت في مواقف وقرارات  السلطة.

 

رابعاً: المجموعات العسكرية :
منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 حاول الراحل ياسر عرفات تشكيل بعض المجموعات العسكرية لتكون ورقة ضغط على الاحتلال بعد توقف المفاوضات وقد قدم لها الدعم المالي والسلاح بشكل سري ومحدود، ولكن الأوضاع في فلسطين وسقوط الشهداء دفع بعدد كبير من أبناء فتح للتوجه إلى حمل السلاح رغم غياب القرار التنظيمي الواضح خلال تلك الفترة وأخذوا يشكلون مجموعات خرجت عن سيطرة أبو عمار في الكثير من الأوقات، وبعد رحيل عرفات حاول أبو مازن تفكيك هذه المجموعات من خلال دمج عناصرها في الأجهزة الأمنية وتفريغ هذه الحالات من مضمونها ولكن هذه الحالات بحثت -كما أسلفنا- عن التمويل خارج القرار الفتحاوي حيث لجأت إلى حركة حماس والجهاد من الداخل وبعد ذلك وجدت في حزب الله من الخارج الممول لها فأصبحت تسير عكس اتجاهات فتح ولكن باسم حركة فتح، وبالرغم من ذلك فإن هذه الحالات تعاني من مجموعة من المشاكل أبرزها :

 

1.    اعتماد القرار فيها على قوة القائد التاريخية في التنظيم .
2.    غياب القيادة الموحدة للمجموعات مما شكل حالات تفتت واشتقاقات .
3.    غياب الغطاء التنظيمي للمجموعات مما جعل القرار حسب توجهات قيادات  المجموعات .
4.    الملاحقة المستمرة من قبل أجهزة الضفة وقطع الرواتب، مما أضعف تأثير الحالات الميداني .  

 

 
لا صوت يعلو فوق صوت عباس : 
عمل عباس منذ توليه قيادة فتح على التعامل مع معارضيه في حركة فتح بالإقصاء، حيث قام بإقصاء معظم القيادات التاريخية لفتح مثل فاروق القدومي حين جرده من منصبه في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير ، ومن ثم إقصائه من مركزية فتح وهذه الحالة تمثل نموذجاً صارخاً على تفرد عباس بالقرار مستغلاً قيادته للسلطة والتحكم بالأموال، وقد اتبع عباس هذه السياسة أيضاً مع معارضيه من فصائل منظمة التحرير ولعل ما جرى من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خير دليل على هذا الإقصاء حيث قام عباس بوقف مخصصات الشعبية من الأموال عندما علّقت الجبهة عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رفضاً لاستئناف المفاوضات، وكان آخر قرارات عباس وهو طرد دحلان من مركزية فتح بالرغم من رفض العديد من القيادات الفتحاوية وتهديد كل من يتعامل أو يتضامن معه.

 

خلاف عباس دحلان خطوة نحو الانشقاق أم الاصطفاف : 
مرت حركة فتح سابقاً ببعض الانشقاقات الداخلية ولكن ما يجرى في الحركة من الخلاف الذي حدث بين عباس و دحلان وأدى إلى طرد دحلان من حركة فتح يختلف كون الأخير يمتلك قاعدة في قطاع غزة يستند إليها في التحركات التي ينوي القيام بها في معركته القادمة مع عباس، حيث يحاول دحلان الضغط على مركزية فتح من خلال ساحة غزة والتسويق بأن الإقصاء كان لغزة وليس لشخص محمد دحلان مما قد يقود إلى شرخ في الحركة وانفراط عقد فتح وتصبح عبارة عن مجموعات تنظيمية متناحرة في حال ترك عباس ساحة غزة لدحلان، ولكن عباس استبق ذلك بتوجيه رسالة لكافة الفتحاويين المؤيدين لدحلان بالطرد وقطع الرواتب في حال تم الوقوف مع دحلان ضد قرارات المركزية ، وهذا عبئ لا يستطيع دحلان تحمله إلا في حال عاد التمويل الأمريكي مجدداً له وذلك لإحداث الشرخ و تصفية حركة فتح . 

 

   
سيناريوهات المرحلة المقبلة :
في ظل الحالة الراهنة التي تمر فيها حركة فتح والتغيرات سواءاً على الساحة الفلسطينية من خلال المصالحة مع حماس أو ربيع الثورات العربية، فإن الحركة تعيش في مرحلة صعبة وستمر في إحدى السيناريوهات التالية: 
السيناريو الأول : حل الخلاف الفتحاوي الداخلي الدائر الآن وذلك من خلال تراجع مركزية فتح عن قرار طرد دحلان ومحاولة لملمة الأوضاع الداخلية والاستعداد لمرحة الانتخابات وهي إحدى استحقاقات المصالحة، وهذا من الصعب حدوثه لأن قيادات فتح الضفة تعتبر أن ساحة غزة قد خرجت عن السيطرة وحُسمت لصالح حركة حماس لكن هذا الخيار يبقى قائماً في حال تم إنجاز بنود المصالحة وكان أمام فتح استحقاق الانتخابات ( مجلس وطني _مجلس تشريعي _ ومجالس محلية).

 

السيناريو الثاني: أن يقوم دحلان بتشكيل حزب موازي لحركة فتح يعتمد على ساحة قطاع غزة بشكل أساسي وينافس حركة فتح الأم في الانتخابات القادمة، وهذا احتمال وارد جداً في ظل حالة الاصطفاف الداخلي التي تشهدها الحركة ولكن البناء التنظيمي للحزب سيكون ضعيفاً في حال بقي عباس على رأس حركة فتح . 

 

السيناريو الثالث : انفراط عقد حركة فتح وتحولها إلى تيارات مختلفة فيما بينها ويصبح حالها شبيه بحال القوى اليسارية، ويرجح هذا السيناريو بشكل كبير مع إصرار عباس على عدم خوض المعركة الانتخابية الرئاسية وتفكيره في ترك الساحة السياسية مما يجعل هناك تيارات نائمة تستيقظ ولعل أبرزها تيار فتح الأصيلة -كما يسمون أنفسهم- والصراع على من يخلف عباس. 

 

الخلاصة :
منذ تسلمه قيادة حركة فتح وضع عباس أمامه هدفاً وهو إنهاء الكفاح المسلح داخل الحركة ، وتوج ذلك بالمؤتمر السادس حين أحضر قيادات ذات تاريخ أمني حافل ضد المقاومة من مركزية فتح، لذلك ستشهد الحركة المزيد من الخلافات في ظل التهميش الواضح من قبل عباس لمخيمات اللاجئين في الخارج بما ينسجم مع أهدافه السياسية في التنازل عن حق العودة.

 

هناك عامل آخر لما اّلت اليه حركة فتح حالياً وهو أن السياسة الأميركية والإسرائيلية اتجاه القضية الفلسطينية تهدف إلى نزع القرار الفلسطيني من يد التنظيمات وحتى من حركة فتح،  وجعله حكراً لرجال يسير في ركب السياسة الأمريكية  في المنطقة أمثال سلام فياض، بحيث تكون لأميركا الكلمة الأولى والأخيرة بدون أي معارضة فلسطينية, وتعتمد في تطبيق هذه السياسة على الرجل الأول في فتح محمود عباس والذي ومن خلال قراءتنا لفترة توليه الرئاسة وهو يحاول أن يعزز هذا التوجه الأميركي, ولا يخفى على أحد مدى السخط الفتحاوي الذي واجهه أبو مازن من قبل بعض قيادات وكوادر فتح في الضفة ؛ لما يروه تهميشاً لدور الحركة في القرارات وفي الحجم الذي تمثله في الحكومة ، غير أن أبا مازن كان يقف في وجههم رافعاً الفزاعة المعهودة بأن الرجل الوحيد القادر على جلب الدعم والمال للسلطة هو فياض ، ولذلك ليس غريباً ما نراه حالياً من مدى التمسك الفتحاوي ببقاء فياض رئيسا للحكومة المقبلة ، فهو ليس حباً من حركة فتح وإنما هي ضغوطات أبي مازن على فتح والتي هي في أساسها ضغوطات أميركية وإسرائيلية لبقاء هذا الرجل في هذا المنصب ليستكمل الدور الذي بدأه منذ سنوات .

 

وما التهميش وسياسة الاقصاء التي انتهجها أبو مازن بحق حركة فتح إلا نوع من الخطة الأميركية والإسرائيلية التي يلعب أبو مازن دور الرجل المطيع فيها غير آبه بما ستؤول إليه أمور حركته مستقبلاً .
ما يجري في حركة فتح  سيشكل العديد من العقبات على مجريات المصالحة وسينعكس سلبياَ على تنفيذ بنود المصالحة على الأرض وهو يمثل رسالة لكافة فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس بأن خطوات التراجع إذا بدأت لا يمكن أن تقف عند حد معين ، فلتحافظ حماس على ثوابتها.