"ربيع العرب" حتما سيهب على "بيت العرب"
13 رجب 1432
علا محمود سامي

على مدى الشهور الأخيرة، شهد العالم العربي تحولا جذريا في مفاصل أنظمته، فإذا كان نظاما كزين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر قد سقطا، فان هناك العديد من الشعوب العربية التي باتت تتوق إلى فعل الشئ ذاته، تنتظر سقوط أنظمتها، وحتما سيتحقق لها ذلك، بعدما قطعت أشواطا عدة في زرع الثمار، لتقطف الحصاد، وجنى ثمار التضحية والبذل والفداء، في ظل ما صار يطلق على هذه التطورات بالعالم العربي "ربيع العرب".

 

ومع نجاح شعبي تونس ومصر في بلوغ مرامهما، فان الشعوب الأخرى ، وهى على أعتاب نيل حرياتها، لاح في الأفق تغييرا آخر، ولكن في هذه المرة بجامعة الدول العربية، بعد عقد من عدم التغيير في قمة هرمها، وهى الجامعة التي توصف بأنها "بيت العرب"، وذلك بعد التوافق على وزير الخارجية المصري نبيل العربي، أو ما يطلق عليه "وزير خارجية ثورة25 يناير".

 

هذا التغيير في الجامعة أصبح يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل "بيت العرب" إزاء التطورات الحاصلة حاليا في المنطقة العربية من ناحية، وفي ظل تولى أمانتها العامة شخص جاء من رحم الثورات العربية من ناحية أخرى، وفي ظل معادلة تنتظر حلولا لها ، وفق معطيات هى قائمة بذاتها من تحولات في العالم العربي، وشعوب تنازع حكامها لنيل حرياتها، وحكومات أخرى تتحسس كراسيها، فتبحث عن منقذ لاستمرارها، أو طوق لنجاتها، إما بإصلاحات ينظر إليها شعوبها بأنها لا تلبي طموحاتها، فترتفع معها سقف مطالبها، أو قيام هذه الحكومات بإجراءات اقتصادية، تعول عليها في أن تكون بديلا عن أخرى سياسية، لضمان الاستمرار، وعدم الرحيل، ومحاصرة الشعار الذي صار هو الأشهر "الشعب يريد إسقاط النظام".

 

وأمام هذه المعطيات الحاصلة في صدارة المشهد العربي، تبقى المعادلة قائمة، ولكنها حتما لن تبقى على حالها بشأن مستقبل "بيت العرب" في ظل ما يسمى "ربيع الثورات العربية "، إذ أنه مع التغيير في قمة هرم الجامعة ، فانه ولكي تتحقق المعادلة حتما لابد أن يكون أحد طرفاها مكملا للآخر، في أن تكون هناك إجراءات إصلاحية في بنية الجامعة ، بما يؤسس لإعادة هيكلتها، وبالشكل الذي يجعلها جامعة معبرة عن الشعوب، وليس الحكومات.

 

إلا أن ما قد يعصف بهذه المعادلة، ويخل بتوازنها، وحتما لن يتحقق ذلك هو أن الحكومات، أو ما تبقى منها ، وخاصة المتماسكة وشبه المتماسكة ستعمل على أن تبقى الجامعة كما هى ، أو ربما بعزمها المساهمة في إجراء تعديلات ليست هيكلية، لتكون إصلاحات هامشية، بما يجعلها خاضعة لإرادة الأنظمة، دون أن تكون شعبوية، حتى لاتكون لذلك انعكاسات على الأنظمة من ناحية، فضلا عن المؤثرات الأخرى الخارجية، والتي كانت بالأساس بداية لتأسيس الجامعة العربي.

 

غير أنه ولكون أمين الجامعة الجديد خارج من رحم الثورة ، وهو الذي عرف عنه منذ توليه منصبه تنشيط الدبلوماسية المصرية، وما ترافق معها من دبلوماسية شعبية، فسوف يأبى أن يستمر في قيادة جامعة على هذا النحو، خاصة وأن الجيل الجديد من مندوبيها، سيكون من بينهم على الأقل ثلاث دول معبرة عن ثورات نجحت في إسقاط حكامها ، كما هو الحال في تونس ومصر ، وربما خلال أيام قليلة، تنضم إليهما اليمن وليبيان ليأتي الدور على سوريا، وقد تتبعهم جميعا دولا أخرى، ما يجعلنا أمام مندوبين جدد لدولهم في "بيت العرب"، ما يؤشر حتما إلى تغييرات جوهرية في هيكل الجامعة، ومن ثم يؤشر إلى تغيير دورها، وتفعيل ما عجزت عن القيام به، أو فشلت فيه.

 

إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه . هل يمكن أن يعيد العربي الكرة، بالاستمرار في الدور الذي كان يؤديه سلفه عمرو موسى، بإبقاء الجامعة على حالها لاسترضاء من يقودونها ، بالتمويل والنفوذ، أو على الأقل التزام الصمت والهدوء ، والاكتفاء بتصريحات دبلوماسية تواكب الشارع ، ولاتقود إلى فعل، لتصبح تصريحاته هادئة  في أجواء هادرة؟

 

الإجابة على ذلك يجسده المشهد الحالي في العالم العربي، فموسى لم يكن نابعا من ثورة شعبية، بل خرج من رحم نظم سلطوي، وبالتالي لم يكن يهمه كثيرا الدفع بتطوير الجامعة أو تحريك قراراتها  مقابل العربي الذي أنجز بمواقفه العملية في خلال ما قضاه من شهرين بالخارجية المصرية من تصريحات ومواقف تنم عن رغبة إصلاحية.

 

وعليه فان العربي سيعول كثيرا على الإرادة الشعبية في العالم العربي، كما عول عليها في مصر بتصريحاته ومواقفه تجاه إسرائيل، والتي جعلتها منذ اليوم الأول لتوليه تعلن أنها لاتستبشر خيرا من حكومة شرف، في إشارة إلى رئيس الوزراء المصري عصام شرف.

 

ولذلك فان الأمين العام الجديد سيعمل على الاستفادة من حالة الزخم الثوري بداخل العالم العربي للسعي لإجراء حزمة من الإصلاحات داخل الجامعة، والتي سيكون من أكبر المستفيدين بها القضية الفلسطينية، حيث سيعمل الرجل على الاشتباك مع هذا الملف بكل إمكانياته الدبلوماسية، مستفيدا في ذلك من حالة التوافق العربي على حل هذه القضية من ناحية، والتوصل إلى قرارات قوية بشأنها من ناحية أخرى، بما يمكنه من الولوج إلى هياكل الجامعة ، لإعادتها، وحلحلة ما علق بها على مدى 66 عاما.

 

من هنا، فان المؤشرات القائمة وشخصية الأمين العام الجديد للجامعة تشي بأنه سيعمل على الاقتراب كلما استطاع إلى ذلك سبيلا من جدار هيكل الجامعة، في محاولة لشرخه ، أو حتى لايصبح سدا منيعا ضد إصلاحها، وقد يجد ما يتبقى من حكومات تقليدية نفسها مرغمة على التكيف مع هذه الأجواء ، لتقدم لشعوبها وجها جديدا، يمكن أن يكون مدخلها لعدم إثارتها تارة، أو محاكاة ما حدث في بلاد الثورات تارة أخرى.

 

وهنا ستجد "إسرائيل" والقوى الكبرى نفسها أمام ضرورة لتقديم تنازلات للعرب، أو البحث عن وسائل جديدة يمكن التعامل بها مع المشهد العربي بتطوراته غير المألوفة لهذه القوى أو المفاجئة لها ، إن صح التعبير.

 

وأيا كانت تغييرات المشهد وتطوراته ، فانه حتما سيكون التغيير مصاحبا للأمين العام الجديد، ما يؤكد أن رياح "ربيع العرب" حتما ستهب على "بيت العرب" بصورة أو بأخرى، ولكنها أبدا لن تكون رياحا عاصفة ، تعصف بالشعوب، بقدر ما ستكون معبرة عنها، وحينها قد يكون العصف بحكومات استبدت ضد شعوبها، ومارست عليها أساليب شتى من القهر السياسي والاقتصادي، ما سيجعلنا أمام مشهد جديد من نوعه في العالم العربي، يعيد بالذاكرة تحرر الشعوب العربية، ولكن في هذه الحالة لن يكون تحررا من المحتل الغربي، ولكنه سيكون تحررا من المستعمر الوطني، ألا وهو الاستبداد بكافة أشكاله.