في مصر..قل "إصلاح سياسي" ولا تقل "ثورة"
22 جمادى الثانية 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

كل يوم يمر منذ إعلان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك تنحيه في فبراير الماضي يظهر ابتعادا واضحا عن الخط الذي ينبغي سلوكه من أجل ترسيخ معاني الثورة الحقيقية التي قامت في 25 يناير من أجل إنقاذ البلاد من الفساد والظلم والمحسوبية...

 

استبشر الناس خيرا بعد رفض الجيش إطلاق الرصاص على المتظاهرين مثلما يفعل الآن الجيش السوري واليمني وظنوا أن رحيل مبارك يعني تغيرا كاملا في المنظومة السياسية وأن البلاد ستسير على جادة الصواب, ولكن وبمرور الوقت بدأ الحلم يبتعد رويدا رويدا حتى وجد الثوار أنفسهم مطالبين بأن يعودوا للميدان الذي شهد ثورتهم كل أسبوع أو أسبوعين ليذكروا المجلس العسكري بمطالبهم, وأحدث هذه الزيارات التي ينوي شباب الثورة تنظيمها يوم الجمعة القادمة التي أسموها " جمعة إحياء الثورة" وهي تسمية تبين الإحباط الذي يعتري الشباب من المشهد السياسي الذي يتم تشكيله الآن في مصر والذي أفضى بالثورة العظيمة إلى أن تتحول إلى حركة إصلاحية محدودة يتم فيها تغيير الرئيس وبعض المسؤولين فقط..

 

الإحباط يتزايد في أوساط الشباب الذي كان يتوقع أن يشهد تحولا كبيرا في طريقة تسيير الامور إلا أن الواقع خلال الشهور القليلة الماضية أظهر عكس ذلك تماما فلازال أكثر المحافظين الذين يتولون تصريف شؤون المواطنين من بقايا نظام مبارك سواءا القدامى منهم أو الجدد, كذلك أعضاء المجالس المحلية الذين جاءوا بالتزوير الواضح في عهد مبارك وكانوا من رموز الحزب الوطني الذي تم حله ما زالوا قابعين في مواقعهم رغم أن شؤون المحليات من الامور اللصيقة بمعاناة المواطنين والتي تشهد فسادا كبيرا ورشاوى لا حدود لها, والسؤال لماذا يتم ترك هؤلاء حتى الآن وعدما الإنصات لمطالب تغييرهم رغم سوء الأداء وتدهور الاوضاع وتزايد المشكلات؟ هل المقصود أن يقول الناس أن عهد مبارك كان أفضل مثلا؟ أو على الأقل لم يتغير شيئا فلماذا كل هذه الجلبة؟ ثم ما هذا التدهور الامني المفزع والمستمر وانتشار أعمال البلطجة في كل المناطق تقريبا بعد أن كانت مقصورة في عهد مبارك على العشوائيات؟ كيف تستمر قيادات الشرطة في عهد مبارك في مواقعها حتى الآن ويتم توزيع ضباط جهاز أمن الدولة السابق والمتورط في جرائم ضد الإنسانية على الإداات المختلفة بما فيها إدارة الامن الوطني الجديد الذي حل محل جهاز أمن الدولة؟ لقد تبين أن بعض قيادات الشرطة التي اتهمت بقتل المتظاهرين ما زالت في عملها بحجة أنه لم يصدر حكما ضدها ..

 

إن الفشل الامني الذريع الذي تشهده البلاد يحتاج إلى قرار بعزل وزير الداخلية الحالي فورا وتعيين وزير جديد يعرف أحوال الوزارة جيدا؛ لأن الوزير الحالي ترك الوزارة منذ 15 عاما وكان يعيش في الخارج فأنى له بألاعيب الحواة الجدد في الداخلية والذين رسخوا مكانتهم عبر السنين من خلال تحالفات مع الضباط الصغار والمسؤولين الكبار..من الامور المثيرة للريبة أيضا محاكمة كبار رجال مبارك فبالإضافة لتأخر محاكمة بعضهم فقد ظهر تراخيا في محاكمة البعض مثلما حدث مع زكريا عزمي ـ أقرب مساعدي مبارك ـ الذي تم الإفراج عنه بكفالة قبل أن يعاد القبض عليه في قضية أخرى بعد حالة الغضب التي عمت البلاد إثر قرار الإفراج , كذلك الإفراج عن مفيد شهاب وإبراهيم كامل, ثم حدوتة زوجة الرئيس والإفراج عنها بعد أن تنازلت عن بعض الملايين وما تم تسريبه من عفو عن مبارك إذا رد الاموال المنهوبة للشعب, كل هذا أشاع حالة من السخط والشعور بأن أكثر القضايا المتهم فيها كبار رجال مبارك سيتم حفظها بالتدريج أو إصدار أحكام مخففة فيها وأن هناك رغبة في تسكين الغضب وليس في محاسبة حقيقة للفاسدين, كما جاء الحوار لوطني الذي دعات إليه الحكومة ليؤكد على مسألة "الإصلاح" وليس "الثورة" ..

 

فالثورة تعني أن حقبة كاملة من تاريخ البلاد انتهت بقوانينها ورموزها ومسؤوليها حتى لو لم يتورطوا بشكل مباشر في جرائم فوجودهم داخل هذا النظام الفاسد يعني أنهم جزء منه وأنهم لا يصلحون لفترة ما بعد الثورة وهو ما حدث بعد ثورة يوليو أما أن يتم استدعاء رموز من الحزب الوطني للمشاركة في حوار حول مستقبل البلاد عقب الثورة وأن يجلس رئيس الوزراء السابق كمال الجنزوري المتهم ببيع القطاع العام بأبخس الاسعار بحجة أنها أوامر عليا, في الصف الاول,  فهذا هو العبث بعينه, وقس على ذلك تولي رئيس الوزراء الاسبق عبد العزيز حجازي إدارة الحوار حتى لو لم يكن محسوبا على مبارك فهو محسوب على من قبله وهم جميعا سواء في الظلم والفساد وانتهاك حقوق الشعب وهذا هوا الفارق بين الإصلاح والثورة  فالإصلاح مجرد تغيير أشخاص بينما الثورة هي تغيير نظام كامل وهو لن يحدث طالما المجلس العسكري في السلطة؛ لذا أتعجب بشدة من دعوة بعض الاتجاهات لتأجيل الانتخابات وترك المجلس العسكري في السلطة لسنوات رغم عدم رضاهم عن كيفية إدارته للبلاد فقط لخوفهم من الإسلاميين وهي نقطة أخرى تقدح في ثورية الحركة التي قامت في 25 يناير؛ فالثورة قامت لمنح الشعب حقه في اختيار حكامه وليس لفرض فئة من الناس مهما كان مسماها أشخاصا معينين عليه بدعوى أن الشعب ما زال فاقدا للاهلية ولا يعرف مصلحته ويجب فرض وصاية عليه من شلة المنتفعين أوالعلمانيين الذين يطالبون بدستور تفصيل على مقاسهم يصنعه عدد من رجالاتهم ـ دون أن يكون للشعب حق اختيارهم ولو عبر ممثليهم في البرلمان ـ لعزل الدين عن الدولة وإقصاء الإسلاميين والانفراد بالمشهد السياسي يعني خلصنا من حسني وجمال مبارك وشلتهم وجئنا بيحي الجمل وعمرو حمزاوي وشلتهم وليذهب الشعب إلى الجحيم, هؤلاء الذين يبجلهم العلمانيون في إعلامهم ويفردون لهم الساعات لشرح أفكارهم الفريدة ولكن للأسف لا يشعر بهم الشعب..طيب ما الحل إذن؟ يفرضون عليها فرضا بقوانين ودستور تفصيل..أين الثورة التي قامت على جثث الشهداء لمنح الشعب حريته؟ الواقع يقول أنها تفرقت بين تساهل المجلس العسكري وعنت العلمانيين الذي يسمون أنفسهم مثقفين ومحاولة فرضهم لوصاية مزيفة على الشعب.